أوكرانيا أرادت إغراق روسيا بمؤامرة فمنحتها طوق النجاة

موسكو - نفذت الاستخبارات الأوكرانية عملية أمنية لإنقاذ صحافي ادعت أن أجهزة الأمن الروسية تحاول اغتياله من أجل إحراج روسيا، لكن على العكس من ذلك، أهدت روسيا نصرا إعلاميا وفرصة لطرح نفسها كضحية لمحاولات غربية لإلصاق الاتهامات بها، وكسبت رصيدا دبلوماسيا إضافيا.
وقد يكون سلوك أوكرانيا، في قضية الصحافي الروسي المنشق والمقيم في كييف أركادي بابتشنكو، مخرجا قدمه المسؤولون الأوكرانيون لروسيا، التي تعيش عزلة دولية واسعة النطاق منذ اتهامها في بريطانيا بمحاولة اغتيال العميل الروسي السابق سيرجي سكريبال وابنته في يوليو بمدينة سالسبري جنوب إنكلترا.
ومنذ ذلك الحين تبحث روسيا عن ثغرة قد تمكنها من تغيير مسار القضية، الذي كان سائرا في مسار واحد طوال الوقت، ووضع روسيا تحت ضغط، وصل إلى ذروته عندما قررت الولايات المتحدة وغالبية الدول الأوروبية طرد عملاء ودبلوماسيين روس من أراضيها.
وكانت الضربات التي نفذتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على مواقع للجيش السوري في أبريل، ذروة الإحراج الذي يعيشه الرئيس فلاديمير بوتين، منذ انتخابه لولاية ثانية قبلها بأسابيع.
لكن العملية، التي أعلن خلالها الأمن الأوكراني أن بابتشنكو قتل أثناء عودته إلى منزله قبل أن يظهر أنه على قيد الحياة خلال مؤتمر صحافي عقد لاحقا، تتحول مع الوقت إلى حبل نجاة لصورة روسيا التي تأثرت كثيرا بحملة إعلامية ودبلوماسية وأمنية منسقة، نفذها الغرب بإحكام على روسيا خلال الأشهر الماضية.

ويقول دبلوماسيون غربيون إن تعامل كييف مع هذه العملية كان “قصير النظر” إلى حد كبير. وتحاول السلطات الأوكرانية، منذ استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014، إثبات عكس الرواية الروسية التي تؤكد أن أوكرانيا ليست مكانا آمنا للمنشقين عنها.
وتنطبق هذه الرواية على الصحافيين والسياسيين والدبلوماسيين السابقين وعملاء الاستخبارات ورجال الأعمال الذين يبحثون عن حماية من “مضايقات” السلطات الروسية. وكان بابتشنكو أحد هؤلاء، إذ استخدم برنامجا تلفزيونيا يقدمه منذ عام في تفنيد مزاعم السلطات الروسية في قضايا حساسة بالنسبة للكرملين، بداية من قضية شرق أوكرانيا، ووصولا إلى قضايا التجسس والاغتيالات التي يقوم بها عملاء روس في أوروبا.
وانتهزت موسكو الفرصة في محاولة لتقديم نفسها كـ”ضحية”. وسارعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بالقول إن اتهام روسيا بقتل بابتشنكو يحمل هدفا دعائيا. ثم وصفته الخارجية الروسية في بيان بأنه “عمل استفزازي جديد ضد روسيا”.
ويقول الدبلوماسيون إن بإمكان روسيا اليوم “بكل راحة ضمير” اتهام الغرب ودول أخرى بالسعي لاستهدافها والإساءة لسمعتها.
وتمكنت روسيا من كسب تعاطف منظمات غير حكومية ونشطاء مجتمع مدني، أدانوا “الخدعة” التي مارستها أجهزة الأمن الأوكرانية.
وأدانت منظمة “مراسلون بلا حدود” اختلاق عملية قتل بابتشنكو ووصفتها بأنها عمل “مثير للشفقة”. وقال كريستوف ديلوار، رئيس المنظمة المدافعة عن حرية الإعلام في باريس، إنه بينما يشعر بالارتياح لأن بابتشنكو على قيد الحياة، فإنه “من المثير للشفقة والمؤسف أن الشرطة الأوكرانية تلاعبت بالحقيقة، أيا كان دافعها، من أجل خدعة”.
وقال رئيس جهاز الأمن الأوكراني فاسيل غريتساك للصحافيين “لقد اعتقلنا معدّ هذه الجريمة قبل ثلاث ساعات في كييف”، مضيفا أن هذا الرجل تلقى 40 ألف دولار من “أجهزة الاستخبارات الروسية” لتدبير اغتيال الصحافي.
وقال الكرملين، الخميس، إنه سعيد لأن أركادي بابتشنكو على قيد الحياة، ولكن أقل ما يمكن أن يقال على تمثيلية مقتله هو أنها غريبة.