أوسلو تونسية: حوار بين الحكومة والنقابة وأرباب العمل برعاية النرويج

تونس- أثارت الزيارة الجماعية التي يقوم بها إلى النرويج الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي بصحبة رئيس منظمة أرباب العمل سمير ماجول ووزيرين من حكومة نجلاء بودن (الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد، والشؤون الاجتماعية مالك الزاهي) تساؤلات بشأن اللجوء إلى أوسلو لعقد حوار تونسي – تونسي بدلا من عقده في الداخل، وما تحيل إليه عاصمة النرويج من ذكرى المفاوضات التي جرت بين الفلسطينيين وإسرائيل في تسعينات القرن الماضي.
وقالت أوساط سياسية تونسية إن سفر ممثلين عن الحكومة مع أمين عام اتحاد الشغل ورئيس منظمة أرباب العمل (أوتيكا) في وفد مشترك يظهر بلا شك رغبة في إجراء حوار بعيدا عن الأجواء المشحونة في تونس، في ظل تصعيد في الخطاب من مختلف الأطراف خاصة بين اتحاد الشغل وحكومة بودن المستهدفة من خطط الحوار الوطني وخرائط الطريق التي تعرضها النقابة والمنظمات الحليفة لها.
واعتبرت الأوساط السياسية التونسية أن هذه الزيارة توحي وكأن التونسيين يبحثون عن أوسلو خاصة بهم بعد أن فشلوا في إدارة الحوار في الداخل، وهذه مقدمة لتدويل الملف التونسي في ظل ارتباط أغلب الأطراف المشكلة للمشهد التونسي بأجندات خارجية معروفة بالرغم من التصريحات التي تصدر من هنا وهناك لتنفي تأثير الخارج على الصراع السياسي الذي لم يتوقف في البلاد منذ ثورة 2011.
وتتنزل زيارة النرويج تحت عنوان دفع الحوار الاجتماعي وإرساء الثقة والتعاون بين الأطراف الاجتماعية، وذلك بدعوة من وزارة الخارجية النرويجية والكونفدرالية النرويجية للمؤسسات والكونفدرالية النرويجية للنقابات.
وفي تغطية للزيارة نشرتها صحيفة “المغرب” التونسية، دعا الطبوبي إلى الاستفادة من تجربة النرويج مع الأخذ بعين الاعتبار التحديات الاقتصادية والاجتماعية المستجدة في تونس وخاصة في ما يهمّ ملفات الحماية الاجتماعية ودور الدولة في التعليم والصحة والنقل وضرورة الاستفادة من نموذج الدولة الراعية في النرويج.
وأثارت الزيارة جدلا في الأوساط السياسية التونسية بين من اعتبرها زيارة غير مدروسة وقلل من دور النرويج في التوسّط بين الفرقاء التونسيين، وبين من حمّل مختلف الأطراف السياسية في السلطة والمعارضة مسؤولية الالتجاء إلى وسيط خارجي لإدارة حوار كان يفترض أن يتم في تونس.
وقال ناجي جلول رئيس الائتلاف الوطني التونسي إن الوفد الرباعي “ذهب إلى العنوان الخطأ لأن النرويج ليس لها أي تأثير على تونس”.
وأضاف جلول، وهو وزير سابق، في تصريح لـ”العرب”، “بات واضحا أن الرئيس قيس سعيد غير قابل للحوار لأن كل المحاولات في إقناعه بتنظيم حوار قد فشلت”.
وتحيي “مفاوضات” أوسلو، بالنسبة إلى اتحاد الشغل واتحاد أرباب العمل، الأجواء التي أحاطت بحصولهما على جائزة نوبل للسلام ضمن ما كان يعرف بالرباعي الراعي للحوار في تونس في 2013، لكنّ مراقبين يقولون إن الوضع مختلف جذريا، لافتين إلى أن حوار 2013 كان له ما يبرره بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية التي كانت تهدد البلاد، لكن الآن الوضع مستقر، وهناك مؤسسات منتخبة من واجبها أن تتحمل مسؤولية إدارة الأزمة من دون فرض أجندات عليها من أي جهة كانت.
وقال الناشط السياسي نبيل الرابحي إن “الاتصالات (بين الفرقاء) في الداخل موجودة ولا نعطي الزيارة أكثر من حجمها بل هي عادية وتجربة مهمة لتونس، والحوار لا أحد ضدّه ولا أحد معه، والرئيس سعيد ليست لديه مشكلة مع الحوار.. لكن مع من سيتحاور؟”.
وشدد الرابحي في تصريح لـ”العرب” على أن “أعمدة الحوار غير متوفرة والرئيس يرفض الجلوس مع من دمّروا تونس والفاسدين واتحاد الشغل لا يعرف مع من يجلس.. أعتقد أنه لن تكون هناك عودة إلى حوار على شاكلة 2013”.
وأعلن اتحاد الشغل عن مبادرة للحوار الوطني بمشاركة عمادة (نقابة) المحامين ورابطة حقوق الإنسان، لكن هذه المبادرة جاءت غامضة وهي تطلب من رئيس الجمهورية الإشراف على “الحوار الوطني” من دون الإشارة إلى حقه في القبول أو الرفض.
ويشير مسؤولون في الاتحاد إلى أنهم يريدون تغيير الحكومة الحالية وتشكيل حكومة كفاءات جديدة، والهدف وفق المراقبين هو قطع الطريق على الإصلاحات التي شرعت فيها حكومة بودن والتي تضمنها قانون المالية لسنة 2023، وهي تتماشى مع الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي، وهو ما يرفضه الاتحاد ويتحرك لإفشاله من خلال الضغط لتغيير الحكومة.
وقال الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل سامي الطاهري الثلاثاء إن “كل الحكمة في ظل الوضع الراهن تكمن في تغيير حكومة بودن”.
وسبق للطبوبي أن قال في ديسمبر الماضي إنه “آن الأوان لتعديل حكومي ينقذ ما تبقى، ويعيد للعديد من الوزارات نشاطها ويُخرجها من الركود والعطالة”.
وأضاف “لقد نبّهنا إلى أننا إزاء حكومة بلا رؤية وبلا برنامج ويغلب عليها الارتجال والغموض وانعدام الانسجام، وتتحرك بنفس آليات الحكومات السابقة، أي غياب الشفافية وازدواجية الخطاب واللجوء إلى الحلول السهلة والاكتفاء باستنساخ نماذج تنمية بالية وفاشلة”.
وضمن نفس المسار أعلن بسام الطريفي، رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي تشترك في مبادرة الاتحاد، الاثنين أن تغيير حكومة بودن أصبح أمرا ملحا ومستعجلا، داعيا إلى تشكيل حكومة كفاءات وطنية.