أوروبا تراهن على الانتخابات الأميركية لهزيمة ترامب في الحرب التجارية

تؤكد تقارير إعلامية ووثائق استخباراتية، أبرزها ما تّم تسريبه عن سفير لندن لدى واشنطن كيم داروش المستقيل حديثا، أن حظوظ الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الظفر بولاية ثانية وافرة جدا، ما يعني أن مرحلة “الصبر الاستراتيجي” على سياساته لن تؤتي أكلها. وعلى الرغم من ذلك ما زال الاتحاد الأوروبي يراهن على الانتخابات الأميركية القادمة لتحقيق اختراق في الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.
بروكسل - يشتهر الاتحاد الأوروبي ببطء التحرك، وهذا البطء قد يكون الوتيرة الوحيدة المناسبة لمواجهة الحروب التجارية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، فيما ارتفعت شعبية ترامب بعد أن تقلصت نسبة البطالة والمساعدات الاجتماعية خلال عهدته الأولى، ما يؤشر بقوة على مواصلته قيادة البلاد لولاية ثانية.
وفي حين ما زالت تهديدات الرئيس ترامب بفرض رسوم على صناعة السيارات الأوروبية، وغير ذلك من الإجراءات التجارية، حاضرة بقوة، فإن خط التفكير الوحيد لدى الاتحاد الأوروبي يرى أنه كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2020، قلّت رغبة ترامب في إثارة المزيد من النزاعات مع الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وبينهم الاتحاد الأوروبي.
وينطلق هذا التصور من أن ترامب سيخاطر بفقدان أصوات الناخبين الأميركيين الذين سيتضررون من أي إجراءات عقابية يفرضها الاتحاد الأوروبي على الصادرات الأميركية، ردا على أي تحركات من جانب إدارة ترامب.
وترى وكالة بلومبرغ أن الهدنة التجارية الحالية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما زالت قائمة على أمل الوصول إلى اتفاق تجاري أوسع بين الجانبين. وللحفاظ على الوضع الراهن، سيتجه الاتحاد الأوروبي إلى إبطاء وتيرة المفاوضات مع واشنطن ودفع المفاوضات إلى فترة حملة الانتخابات الأميركية، حيث سينصب تركيز إدارة ترامب على الفوز بولاية ثانية في تلك الانتخابات، بدلا من تصعيد المواجهة مع أوروبا، بحسب مسؤولين حكوميين أوروبيين.
ولكي يعطي انطباعا بأن المفاوضات تتحرك قدما، يعتزم الاتحاد الأوروبي تقديم تنازلات محدودة في موضوعات هامشية، مثل المعايير التنظيمية.
وأما الهدف الأكبر والمتمثل في عقد اتفاق شامل للعلاقات بين جانبي المحيط الأطلسي، فإنه ينتظر خسارة ترامب للانتخابات.
ورغم ذلك، تنطوي هذه الاستراتيجية الأوروبية على خطورة لأن ترامب يمكنه دائما مخالفة التوقعات ويتجه إلى التصعيد مع الاتحاد الأوروبي ويفرض المزيد من الإجراءات الحمائية في محاولة منه لاستمالة كتلته الانتخابية الرئيسية.
وفي الوقت نفسه يتزامن هذا الاقتراح الأوروبي، الذي ما زال ضمن مقترحات مطروحة على مائدة البحث الأوروبية ولم يصبح سياسة أوروبية رسمية، مع انتقال للسلطة مثير للجدل في الاتحاد الأوروبي.
والرئيسة القادمة للمفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، حليفة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أشارت إلى أنها لا تعتزم التراجع عن الاستراتيجية القوية للاتحاد الأوروبي في الدفاع عن مصالحه التجارية والتمسك بالنظام التجاري العالمي.
وفي مقابلة إعلامية يوم 16 يوليو الماضي، قالت فون دير لاين إن خطتها تستهدف “إقناع أصدقائها من الولايات المتحدة بأنه من الأفضل إيجاد حل وسط جيد والعمل معا”.
ويأتي ذلك في الوقت الذي فرضت فيه الولايات المتحدة رسوما على وارداتها من الصلب والألومنيوم من الاتحاد الأوروبي، كجزء من استراتيجية إدارة ترامب، لاستخدام مجموعة متنوعة من الآليات في إطار محاولاتها للتقليل من العجز التجاري الأميركي.
وتستند هذه الإجراءات العقابية على قانون أميركي يعود إلى فترة الحرب الباردة، ويعطي للرئيس سلطة فرض رسوم على بعض الواردات لاعتبارات الأمن القومي، وهو المبرر الذي يرفضه الاتحاد الأوروبي.
ورد الاتحاد الأوروبي على الرسوم، بفرض رسوم قيمتها حوالي 2.8 مليار يورو (3.1 مليار دولار) على سلع أميركية ذات حساسية سياسية بالنسبة للإدارة الأميركية مثل الدراجات البخارية والخمور.
وأمام الرئيس ترامب فرصة حتى نوفمبر المقبل لكي يتخذ قراره بشأن فرض رسوم على واردات الولايات المتحدة من السيارات ومكوناتها. وقد تصل نسبة هذه الرسوم إلى 25 بالمئة، في حين تقدر هذه الواردات بحوالي 350 مليار دولار سنويا، وهو ما يتجاوز قيمة السلع الصينية التي تخضع للرسوم الإضافية الأميركية، حيث تصل قيمة هذه السلع حاليا إلى 250 مليار دولار فقط.
و أعدت الولايات المتحدة قائمة منفصلة بسلع أوروبية قيمتها 25 مليار دولار ستخضع لرسوم إضافية، في حين من المتوقع أن يرد الاتحاد بفرض رسوم قيمتها 11 مليار دولار على سلع أميركية، في إطار النزاع بين واشنطن وبروكسل بشأن الدعم الحكومي غير القانوني المتبادل لشركتي صناعة الطائرات الأميركية بوينغ والأوروبية أيرباص.
وفي ملف منفصل، أشار الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتزر إلى احتمال قيام بلاده بفرض رسوم عقابية على فرنسا ودول أوروبية أخرى، تعتزم فرض ضرائب جديدة على شركات التكنولوجيا العملاقة مثل فيسبوك وغوغل.
ويرى مسؤولون أوروبيون أن التهديدات الأميركية بفرض رسوم تجارية، تستهدف إجبار دول الاتحاد الأوروبي على ضم الملف الزراعي إلى المفاوضات التجارية التي بدأت عقب لقاء الرئيس ترامب برئيس المفوضية الأوروبية المنتهية ولايته جان كلود يونكر في البيت الأبيض في العام الماضي.
ويتوقف نجاح الخطة الأوروبية على المدى الذي يمكن أن يصل إليه الرئيس ترامب في محاولة استقطاب ناخبيه الأساسيين في الولايات الزراعية، الذين تضرروا من الحروب التجارية الأميركية.
وكانت الرسوم العقابية الصينية على السلع الزراعية الأميركية قد ألحقت بالمزارعين الأميركيين خسائر جسيمة، في الوقت الذي اضطرب فيه تدفق حركة التجارة العالمية، مما أدى إلى تراجع حاد لثقة المزارعين في الرئاسة الأميركية.
وبحسب المسؤولين الأوروبيين، ما دام الصراع التجاري مشتعلا مع الصين، قد لا يجد ترامب الحماس الكافي لفتح جبهة جديدة مع أوروبا، بسبب الخسائر الحادة التي سيتعرض لها الاقتصاد الأميركي والمزارعون.
وكان الأميركيون والأوروبيون قد اتفقوا في واشنطن على “العمل معا من أجل الوصول إلى صفر رسوما، وصفر حواجز تجارية غير جمركية، وصفر دعما للسلع غير الصناعية”، لكن الجانبين الآن يختلفان بشأن الوصول إلى هذا الاتفاق.
وقالت سيسيليا مالمستروم مفوضة التجارة الأوروبية بعد لقاء الأميركيين في يوليو الماضي إنها كانت حاضرة في اللقاء والنتيجة كانت “دون شك” هي أن “المنتجات الزراعية لن تكون جزءا من المفاوضات”.
ولكن السفير الأميركي لدى الاتحاد الأوروبي جوردون سوندلاند، قال إن الاتحاد الأوروبي “أساء ترجمة” المناقشات، مضيفا أن يونكر قال بصراحة إن الملف الزراعي سيكون ضمن المفاوضات لكن تم رفع هذه الإشارة من البيان الإعلامي الصادر بعد المحادثات لتوفير غطاء سياسي لقادة الاتحاد الأوروبي.