أوروبا تتوعد بتدمير الجيش الروسي في حال استخدام النووي

فلاديمير بوتين يمكن أن يشل أوكرانيا دون الحاجة إلى أسلحة نووية.
الجمعة 2022/10/14
نراقب تطورات الجبهة ونقرر في حينها

تركزت المخاوف العالمية في الفترة الأخيرة حول التلويح الروسي باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا، لكن تساؤلا ما يزال مطروحا يتعلق بتبرير اللجوء إلى هذه الأسلحة رغم أن موسكو لم تستنفد بعد ما لديها من أسلحة مدمرة أخرى.

بروكسل - قال منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الخميس إن أي هجوم نووي ضد أوكرانيا سيكون له رد عسكري قوي يتم فيه “تدمير” الجيش الروسي، في إشارة غير مباشرة إلى تحرك حلف شمال الأطلسي، فيما لا يزال أمام روسيا، حسب محللين، شل أوكرانيا دون اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية.

وفيما لم يعلن حلف شمال الأطلسي صراحة دخوله على خط الحرب حال استخدام موسكو للأسلحة النووية في أوكرانيا، تؤشر تصريحات بوريل على ذلك بصفة غير مباشرة.

ويقتضي التضامن الدفاعي داخل حلف شمال الأطلسي دفاع الشركاء عن بعضهم البعض في وجه الهجمات الخارجية.

ويقول الباحث ليون هدار إن جزءا كبيرا من النقاش في واشنطن وغيرها من العواصم الغربية تركز في الأيام القلائل الماضية على تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المفترض باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا، ردا على التحديات التي تواجه ما يعتبرها المصالح القومية الأساسية لموسكو.

ويضيف هدار الصحافي والزميل السابق في معهد كاتو أنه مع ذلك، وبينما نتأمل في شبح نشر روسيا لترسانتها النووية التي يمكن أن تؤدي إلى “أزمة الصواريخ الكوبية الثانية”، نحتاج إلى تذكيرنا بأن قوة عظمى عالمية يمكن أن تشل قوة صغيرة أو متوسطة الحجم دون اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية.

وبمجرد استخدام القوة الكاملة لأسلحتها التقليدية في أوكرانيا، ستجبر روسيا واشنطن على نفس الوضع الذي لم يفز فيه أحد بعد الغزو السوفياتي للمجر عام 1956، عندما خلصت إلى أن إنقاذ ضحية عدوان موسكو سيتطلب تدخلا عسكريا أميركيا مباشرا.

وخلافا لذاكرتنا التاريخية الجماعية، فإن الغارة الوحيدة الأكثر تدميرا في تاريخ البشرية لم تكن تفجير الولايات المتحدة للقنبلة الذرية فوق هيروشيما وناغاساكي باليابان، بل الغارة الجوية بالقنابل الحارقة على طوكيو من قبل القوات الجوية الأميركية خلال ليلتين في مارس 1945.

ليون هدار: بوتين يضغط من أجل صفقة تضمن المصالح الروسية

وخلفت تلك الغارة ما يقدر بنحو 100 ألف قتيل مدني ياباني وأكثر من مليون مشرد. وعلى سبيل المقارنة، أدى القصف الذري لناغاساكي إلى مقتل ما بين 40 و80 ألف شخص.

وكانت الهجمات الكثيرة على القوات العسكرية وكذلك على السكان المدنيين خلال الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك بالقاذفات والصواريخ الألمانية التي استهدفت المدن البريطانية، والقصف المدمر لبرلين ودريسدن وغيرها من المراكز الحضرية الألمانية من قبل القوات الجوية الأميركية والبريطانية، مدمرة بنفس قدر التأثير المحتمل لقنبلة نووية تكتيكية، إن لم يكن أكثر.

وأسقطت الولايات المتحدة وحلفاؤها أكثر من 7.5 مليون طن من القنابل على شمال فيتنام خلال حرب فيتنام. وفي حين أنها دفعت هانوي إلى المشاركة في مفاوضات السلام في عام 1972، فشلت التفجيرات الأميركية في إجبار الفيتناميين الشماليين على الخضوع وتسببت في معاناة مروعة للسكان المدنيين.

ومن ناحية أخرى، فإن حملة القصف الجوي التي شنها حلف شمال الأطلسي (ناتو) على يوغوسلافيا خلال حرب كوسوفو في عام 1999، فضلا عن استخدام القذائف لمهاجمة بلغراد وبريشتينا، شكلت نقطة تحول في تلك الحرب وأجبرت زعيم يوغوسلافيا آنذاك سلوبودان ميلوسيفيتش على الموافقة على اتفاق سلام، مما أدى إلى سقوطه في نهاية المطاف.

ومن هذا المنظور يتساءل هدار لماذا يستخدم بوتين الأسلحة النووية قبل استخدام القوة الكاملة للقوة الجوية لبلاده وغيرها من الأسلحة التقليدية بما في ذلك الصواريخ من أجل إجبار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على الموافقة على صفقة من شأنها أن تضمن المصالح الروسية؟

وقال إنه يتعين على بوتين أن يدرك أنه من الممكن أن يفشل قصف كييف ولفيف وغيرهما من المراكز الحضرية الأوكرانية في تركيع الأوكرانيين، بنفس الطريقة التي لم يؤد بها القصف الأميركي واسع النطاق التدريجي لهانوي إلى استسلام شعب فيتنام الشمالية بشكل كامل

وشجاعة الأوكرانيين في ساحة المعركة يمكن أن تدفع بوتين إلى التفكير في احتمال استعدادهم للقتال حتى الموت. أو ربما، بنفس الطريقة التي أُجبر بها ميلوسيفيتش في صربيا على الخضوع للمطالب الغربية في أعقاب الهجمات المحبطة على بلغراد وبريشتينا، فإن زيلينسكي سوف يتعرض لضغوط من شعبه للتوصل إلى اتفاق مع “الشيطان الروسي”.

وعموما، يتساءل هدار هل من المنطقي حقا أن ينتحر الشعب الأوكراني على المستوى الوطني من أجل منع روسيا من احتلال أربع مناطق في الجزء الشرقي من البلاد؟

ويضيف أن أوكرانيا لا تمتلك أسلحة نووية يمكن أن تهدد قوة عظمى عالمية مثل روسيا. وحتى في ظل السيناريو الأسوأ من وجهة نظر روسيا، لن تتمكن القوات الأوكرانية من دخول موسكو وفرض حل سياسي للحرب على الكرملين.

فشل روسيا في كسب التفوق الجوي في أوكرانيا يعود لافتقارها إلى الخبرة في استخدام القوة الجوية كأداة إستراتيجية

والسؤال الوحيد هو ما إذا كانت أوكرانيا ستمتلك القدرة العسكرية والإرادة السياسية لإجبار بوتين على الانسحاب من الأراضي الأوكرانية المحتلة.

وعلاوة على ذلك، فإن استخدام الأسلحة النووية للمرة الأولى منذ عام 1945 يشكل أمرا محفوفا بالمخاطر قد يؤدي إلى رد عسكري غربي يمكن أن يشعل حربا عالمية شاملة والاستخدام المحتمل للأسلحة النووية الإستراتيجية، ناهيك عن تحويل المجتمع الدولي بأكمله، بما في ذلك الصين والهند، ضد روسيا.

ويتساءل خبراء عسكريون غربيون لماذا لم تستفد روسيا، التي تمتلك أكثر من1500 طائرة مقاتلة وخبرة واسعة في قصف أهداف في سوريا وجورجيا، من ميزتها الكبيرة على أوكرانيا، وهي قوتها الجوية، في القتال الدائر في أوكرانيا؟

وقد يعكس فشل روسيا في كسب التفوق الجوي في أوكرانيا، كما يقترح بعض المحللين، افتقارها إلى الخبرة في استخدام القوة الجوية كأداة إستراتيجية، أو على الأرجح أن القوات الجوية الروسية قد أعاقت قدراتها الكاملة.

وفي حين أن القوات الروسية ستعاني بالتأكيد من العديد من الخسائر إذا شنت هجمات جوية واسعة النطاق على أوكرانيا، فإن التكاليف التي ستتكبدها أوكرانيا وسكانها المدنيون ستكون ساحقة.

ومن المحتمل أن تكون إستراتيجية بوتين الآن هي إجبار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وفي هذه العملية، الكونغرس والشعب الأميركي، وكذلك حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، على تقرير ما إذا كانوا على استعداد للمخاطرة بمواجهة مباشرة مع روسيا في أوكرانيا، أو التراجع والبدء في الضغط على كييف لعقد اتفاق مع موسكو.

5