أوتنابشتم الدولي للإبداع نموذج متطور لمهرجان ثقافي جامع

المهرجانات الثقافية والفنية فعاليات مهمة تقدم الوجه الحضاري لأي بلد، ومؤخرا تعددت المهرجانات المميزة في العراق، معيدة إلى البلد الذي عانى من تقلبات كثيرة في السنوات الأخيرة حضوره الثقافي والفني المعهود، وهو الذي طالما كان رائدا في الثقافة العربية، ومن بين هذه التظاهرات المختلفة مهرجان أوتنابشتم الدولي للإبداع الذي يحتفي بالمبدعين أينما كانوا.
بغداد - شهدت العاصمة العراقية بغداد مساء الاثنين انطلاق فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان أوتنابشتم الدولي للإبداع، والتي حملت هذا العام اسم الفنان العراقي محسن العلي.
وشهد المهرجان حضورا فنيا وثقافيا وسياسيا لافتا، جمع نخبة من نجوم الفن العراقي والعربي، إضافة إلى شخصيات إعلامية ودبلوماسية بارزة، وكان من أبرز الحضور الفنانة الكويتية حياة الفهد، والفنان السعودي عبدالمحسن النمر.
تكريم واحتفاء
أعربت الفنانة حياة الفهد في تصريح لها عن سعادتها البالغة بعودتها إلى بغداد بعد غياب دام أكثر من ثلاثة عقود، حيث قالت إن “هذه زيارتي الثانية إلى العراق بعد زيارتي الأولى عام 1989، وقد أسعدتني كثيرا حفاوة الاستقبال، كما أدهشني ما شهدته بغداد من تطور عمراني وجمال في شوارعها.”
وأضافت الفهد “أنا اليوم في قلب بغداد بمناسبة تكريمي في مهرجان أوتنابشتم، ببادرة طيبة من الصديق العزيز فريد لفتة”، مؤكدة “تغمرني السعادة بلقاء إخوتي الفنانين العراقيين، وأتمنى أن تبقى هذه المحبة والجمعة دائمتين، وأن يظل العراق وجهة للمهرجانات والسياح.”
من جانبه، أكد رئيس ومؤسس مهرجان أوتنابشتم الدولي للإبداع فريد لفتة أن “المهرجان في دورته الثالثة يمثل نافذة مهمة للتعبير عن الوجه الحقيقي لبغداد، مدينة الثقافة والحضارة”، مشيرا إلى أن “هذه التظاهرة الفنية باتت محطة سنوية ينتظرها الفنانون والمبدعون من مختلف أنحاء الوطن العربي.”
وقال لفتة في تصريح له إن “مهرجان أوتنابشتم ليس مجرد حدث فني، بل هو رسالة محبة وسلام من بغداد إلى العالم. نريد أن نُظهر أن العراق، رغم كل التحديات، ما زال منبعا للفن والإبداع والثقافة.”
وأضاف أن “الدورة الحالية، التي حملت اسم الفنان الكبير محسن العلي، تأتي تقديرا لعطاءاته الكبيرة في الساحة الفنية العراقية، كما أن حضور فنانين كبار مثل حياة الفهد وعبدالمحسن النمر وعدد من النجوم العرب، هو تأكيد على مكانة المهرجان وصداه في المحيط الثقافي العربي.”
ويعتبر الممثل والمخرج المسرحي محسن العلي من أبرز التجارب الفنية العراقية، ولم يقتصر حضوره على الخشبات بل قدم الكثير للشاشتين الكبيرة والصغيرة. وهو الذي بدأ رحلته الفنية مخرجا إذاعيا، ومن ثم ولج التلفزيون ليكون ممثلا يشار له بالبنان حينما كان الحظ حليفه عندما اختاره المخرج عبدالهادي مبارك ليجسد شخصية تلفزيونية في برنامج “الباب المفتوح”، البرنامج الذي ساهم في اكتشاف الكثير من الوجوه الفنية العراقية التي أصبحت نجوما فيما بعد حتى لقب بـ”صانع النجوم”.
المهرجان يحتفي في دورته الثالثة بالفنانين الكويتية حياة الفهد والسعودي عبدالمحسن النمر وعدد من النجوم العرب
أخرج العلي العديد من المسرحيات التي لاقت نجاحا جماهيريا كبيرا كمسرحية “بيت وخمس بيبان” ومسرحية “أطراف المدينة” ومسرحية “مقامات أبوسمرة” وغيرها، فضلا عن أعماله الإنتاجية للكثير من المسلسلات والأفلام والبرامج داخل العراق وخارجه. وصار اسمه علامة فارقة في خارطة الفن العراقي لما له من منجزات فنية ثرية استثنائية في مجال التلفزيون والمسرح والإذاعة والإنتاج والإخراج والتمثيل قد يصعب على غيره تحقيقها.
وأشار فريد لفتة إلى أن “المهرجان يشهد تطورا ملحوظا في كل دورة، من حيث نوعية الضيوف، والمحتوى الإبداعي، والاهتمام الإعلامي”، مضيفا “نحن نسعى جاهدين إلى تقديم بغداد كعاصمة حاضنة للإبداع، ومصدر إشعاع ثقافي لا ينطفئ.”
وختم حديثه بالقول “أشكر جميع من ساهم في إنجاح هذه الدورة، وأتطلع إلى مستقبل واعد لهذا المهرجان الذي نحلم بأن يتحول إلى منصة دولية تحتفي بكل ما هو جميل ومُلهم.”
بدوره أشار مدير المهرجان حسين الطائي إلى أن “مهرجان أوتنابشتم يمثل حدثا ثقافيا بات علامة فارقة في المشهد الإبداعي العراقي والعربي، ومظهرا من مظاهر استعادة بغداد لمكانتها كمركز إشعاع حضاري.”
وقال الطائي في تصريح له إن “مهرجان أوتنابشتم يجسد هوية بغداد الثقافية ويُعيدها إلى واجهة المشهد العربي كعاصمة للثقافة والفكر والفن”، مبينا أن “هذه التظاهرة الثقافية تشكّل فرصة ثمينة لتلاقي العقول المبدعة، وتعزيز الحوار الثقافي بين الشعوب.”
بناء الأمل
المهرجان يشهد تطورا ملحوظا في كل دورة من دوراته من حيث نوعية الضيوف والمحتوى الإبداعي والاهتمام الإعلامي
أضاف الطائي “نحن أمام نموذج متطور لمهرجان ثقافي استطاع أن يجمع نخبة من الفنانين والمبدعين والإعلاميين من داخل العراق وخارجه، في أجواء تسودها المحبة والتقدير للإبداع الإنساني.”
وأكد أن “تسمية هذه الدورة باسم الفنان الكبير محسن العلي تمثل وفاءً لقامة إبداعية أثرت الساحة الفنية العراقية لعقود”، مشيرا إلى أن “تكريم الرموز الفنية هو أحد أركان بناء ذاكرة ثقافية متجددة.”
وختم مدير المهرجان بالقول إن “استمرارية هذا المهرجان، وتطوره من عام إلى آخر، يدل على إصرار القائمين عليه على ترسيخ ثقافة الجمال والإبداع، وهو أمر نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى في عراقنا الذي يستحق أن يُحتفى به وبأهله.”
ويُعد أوتنابشتم أول مهرجان يقام سنويا للاحتفاء بالمبدعين العاملين في مختلف الاختصاصات ودعمهم لإكمال مسيرتهم الإبداعية، كما يُعد أول مهرجان يعتمد في اختيار المبدعين الذين يتم تكريمهم على لجان تضم فنانين كبارا وأكاديميين معروفين.
ويهدف هذا الحدث الفني إلى تكريم كل من وضع بصمة وأبدع في أي مجال من مجالات الإبداع المختلفة سواء كانت الفنية أو الأكاديمية أو الرياضية أو غيرها.
واختار منظمو المهرجان أوتنابشتم كاسم اشتقاقا من شخصية أوتنابشتم الأسطورية المذكورة في ملحمة جلجامش، وهي إحدى الشخصيات التي تحدثت عنها الملحمة قائلة إنها الشخصية الوحيدة التي منحتها الآلهة الخلود لبنائها سفينة وإنقاذها البشرية من الفناء بالطوفان. وهكذا، يسعى المهرجان لتخليد الأعمال الإبداعية ودعم أصحابها لمقاومة النبوءات المشؤومة كما قاومها أوتنابشتم.