أوبرا دمشق تحتفي بشيخ الملحنين فيلمون وهبي

دمشق - في غيابه قالت فيروز “كل الذين تركتهم اشتاقوا لك، وكل الذين سيأتون سيحبونك”، كانت شهادة بحق “شيخ الملحنين” كما لقبه النقاد في زمانه، الموسيقار اللبناني فليمون وهبي الذي امتلك عبقرية في التلحين كانت عصية على التقليد، موهبة فطرية استثنائية عشقها الجمهور السوري، واحتضنها في أمسياته الدمشقية بحضوره منذ سبعينات القرن الماضي إلى اليوم بعد رحيله.
فيلمون سعيد وهبي (1916 – 1985) ملحن ومؤلف موسيقي قدم أروع الألحان الشرقية المميَّزة من دون أن يدرس الموسيقى وحتى من دون أن يتقن العزف على العود، أو على غيره من الآلات الموسيقية التي لا غنى لأي ملحن عن استخدامها خلال ممارسة التلحين.
وهبي الذي أنتج الكثير من الأنماط الغنائية استخدم فيها كلمات من الحياة اليومية لامست وجدان المستمع لها بكل ما تحمله من حالات الحب والشوق والفرح، كما برع فيلمون في التمثيل على المسرح الرحباني إلى حد وصفه بالعمود الفقري لهذا المسرح، وكان الأخوان رحباني يلقبانه بـ”فاكهة المسرحية اللذيذة”.
وكان الموسيقار الراحل أول من نشر الأغنية اللبنانية في العالم العربي وخصوصًا في مصر منذ منتصف خمسينات القرن الماضي من خلال أغان أداها أشهر نجوم الزمن الجميل مثل صباح ونجاح سلام ووديع الصافي. وترجمت بعض أعماله وألحانه في أوروبا على يد أساتذة موسيقيين مثل الإيطالي إدواردو بيانكو والبريطاني رون غودوين.
كانت تجربة هذا الموسيقار، الغنية بنظم الألحان الطربية متعددة المقامات والصعبة ومتنوعة الألوان، هي المشروع الموسيقي الجديد للفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله من خلال أمسيتها الغنائية التي أقامتها هيئة دار الأسد للثقافة والفنون على مدى يومين متتاليين، نتيجة الإقبال الكبير عليها من الجمهور الذواق للفن الأصيل.
تجربة هذا الموسيقار الغنية بنظم الألحان الطربية هي المشروع الموسيقي الجديد للفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية
الأمسية، التي احتضنها مسرح الأوبرا، جاءت بأصوات سورية شابة أكاديمية من طلاب وخريجي المعهد العالي للموسيقى، والتي تكرس هدف الفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية بدعم المواهب الشابة وصقلها واحتضانها وتقديمها للجمهور السوري، كما تضعها على درب الاحتراف بثبات وتمكن وإتقان.
برنامج الأمسية، الذي تجاوز الساعة من الزمن، سافر معه الجمهور إلى الزمن الجميل، واستعاد خلاله أجمل الأغاني لكبار الغناء العربي من وديع الصافي ونصري شمس الدين ونجاح سلام وصباح، أما فيروز فكان لها الحيز الأكبر من الأمسية لكون فليمون وهبي قدم لها أجمل الألحان التي اتسمت بالطابع الشرقي، وخلقت نمطا مختلفا عما قدمته فيروز يضاف إلى رصيدها وأرشيفها الكبير.
أربعة عشر لحنا قدمت في الأمسية التي بدأت بصوت لاميتا ايشوع وبكل ما يحمل صوتها من رشاقة وإحساس عال أدت “بكرم اللولو وفايق يا هوى ودخل عيونك حاكينا”، وبرخامة صوت ومساحة خاصة فيها أدت مايا زين الدين أغاني “من عز النوم، وليلية بترجع يا ليل، وطيري يا طيارة طيري”.
وبحيوية صوتها وخامته الجميلة أدت سيلفانا دياب أغنيتي “برهوم حاكيني والشب الأسمر جنني”، وبقدرته على الارتجال وبخيال المغني المتمكن وبقدرته على استخدام التقنيات الصوتية الاحترافية قدم رماح شلغين أغنتيْ “هالدلعونية ويامرسال المراسيل”.
وبنضج موهبته وبصمته الجديدة التي يحاول فيها بلال الجندي تكريسها من خلال المزج بين إحساسه الأكاديمي وإحساسه الداخلي وقدرته العالية على التناغم مع الفرقة الموسيقية قدم “كتبنا وماكتبنا ويا طير الطاير”، وبجرأة صوته وشغفه واهتمامه بتفاصيل النغمة الشرقية والنوطة الدقيقة وبمخزونه الثقافي وتطويعه في الأداء أدى فادي زرقا أغنيتيْ “ترحلك مشوار وهدوني هدوني”.
يشار إلى أن الفرقة الوطنية للموسيقى العربية التي تأسست عام 1990 تضم سبعين عازفا ومغنيا عالي الاحتراف، يعملون على تقديم كل أشكال وقوالب الموسيقى العربية الآلية والغنائية.
ويجدر التذكير بأن عدد ألحان الفنان فيلمون وهبي فاق الألفي لحن. كما شارك في العديد من المهرجانات اللبنانية والعربية انطلاقًا من مهرجانات بيت الدين إلى مهرجانات بعلبك الدولية ومهرجانات الأرز وجبيل ومعرض دمشق الدولي ومسرح البيكاديلي فمسرح الكابيتول وستاركو وغيرهما، برفقة رفاق الدرب فيروز والأخوين الرحباني وصباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين.
خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990) تألم فيلمون وهبي كثيرًا لتركه بلدته كفرشيما قسرًا، كي يمكث في بلدة بعبدات زهاء عشرين عامًا، ورغم ذلك واصل مسيرته الإبداعية مقدمًا أروع الألحان لفيروز، ومنها “فايق يا هوا” و”لما عالباب منتودع” و”يا ريت”.