أهلا هلال رمضان

مجرد مشاهدة راصدي هلال رمضان وهم يعتمدون في عملية التحري على أحدث التلسكوبات المستوردة من الدول المتقدمة علميا وتكنولوجيا، يعود بنا إلى ماضي الآباء والأجداد عندما كانوا يعتمدون على الرؤية الشرعية بالعين والتي يتولاها أشخاص متميزون بحدة النظر وجودة البصر.
يروي ابن بطوطة تفاصيل ما شاهده من احتفال الناس بهلال رمضان عند وصوله إلى منطقة "أبيار" وهي اليوم إحدى قرى مركز كفر الزيات التابع لمحافظة الغربية بجمهورية مصر العربية، فيقول: "لقيت بأبيار قاضيها عزالدين المليجي الشافعي، وهو كريم الشمائل كبير القدر، حضرت عنده مرة يوم الركبة، وهم يسمون ذلك يوم ارتقاب هلال رمضان، وعادتهم فيه أن يجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين لشهر شعبان بدار القاضي، ويقف على الباب نقيب المتعممين، وهو ذو شارة وهيئة حسنة، فإذا أتى أحد الفقهاء أو الوجوه، تلقّاه ذلك النقيب، ومشى بين يديه قائلاً: بسم الله، سيدنا فلان الدين فيسمع القاضي ومن معه فيقومون له ويجلسه النقيب في موضع يليق به.
فإذا تكاملوا هنالك، ركب القاضي وركب من معه أجمعون،
وتبعهم جميع من بالمدينة من الرجال والنساء والصبيان وينتهون إلى موضع مرتفع خارج المدينة، وهو مرتقب الهلال عندهم، وقد فرش ذلك الموضع بالبسط والفرش، فينزل فيه القاضي ومن معه فيرتقبون الهلال، ثمَّ يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب وبين أيديهم الشمع والمشاعل والفوانيس، ويوقد أهل الحوانيت الشمع بحوانيتهم، ويصل الناس مع القاضي إلى داره، ثمَّ ينصرفون. وهكذا فعلهم في كل سنة”.
ومما يروى عن عهد السلطان محمد الناصر بن قلاوون أن رمضان جاءهم في الشتاء، فالتبست على الناس رؤية الهلال بسبب غيوم السماء، فاجتمعوا على عدم الصيام، لكن على الرغم من ذلك استطاعت زوجة المفتي أن ترى الهلال من فوق سطح منزلها، وكان بصرها قويا، فرأته عبر السحاب، ولما أخبرت زوجها بذلك صدّقها وذهب إلى السلطان قلاوون ليخبره أن زوجته رأت الهلال، واستدعاها السلطان وأحلفها اليمين، فصدقها الحضور وأُعلنت رؤية هلال رمضان رسميًّا من جديد وصام الناس.
وبعد ذلك تقرر توظيف زوجة المفتي رسميا في منصب شاهد رؤية هلال رمضان، وهو ما لم تحظ به امرأة قبلها أو بعدها.
وأورد ابن إياس في كتاب “بدائع الزهور في وقائع الدهور” ما جرى في مصر حين اختلف أهلها في صوم رمضان نظرا لتضارب رؤية الهلال حيث قال: “الناس في مصر المحروسة صاموا يوم السبت، بينما صام أهالي الإسكندرية ودمياط يوم الجمعة، ولم يعلم الناس بهذا النبأ إلا بعد انقضاء أيام العيد”.
ومما يذكر أن دولا عربية عدة كانت تعتمد على الحسابات الفلكية في تعيين بداية شهر الصيام ومن بينها تونس في عهد بورقيبة وليبيا في عهد القذافي قبل أن يعود بها ورثة السلطة إلى الرؤية بالعين المجردة من باب التمسك بالعادات والتقاليد ومجافاة العلم وترذيل ابتكاراته وصناعاته، ولكن في لحظة الجد يتم الاعتماد على التلسكوبات التي صنعها نفس من صنعوا الأقمار الصناعية وحددوا الخرائط الفلكي.