أنقرة تعلن عن مفاوضات جديدة بين الصومال وإثيوبيا محملة أديس أبابا مسؤولية نجاحها

استبق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جولة المفاوضات الجديدة بين الصومال وإثيوبيا بتحميل أديس أبابا مسؤولية نجاحها، وهو أمر يعتقد متابعون أنه لا يخدم جهود الوساطة التي تفترض البقاء على مسافة واحدة من الطرفين.
أنقرة - تبدأ الصومال وإثيوبيا الاثنين سلسلة جديدة من المباحثات في أنقرة، وسط تشكك في إمكانية أن تحرز المحادثات أي نتيجة في خفض التوتر بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي. وجاء الإعلان عن المباحثات عبر بيان لوزارة الخارجية التركية الأحد، وبعد اتصال هاتفي جمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد السبت، أشار فيه إلى أنه تقع على عاتق أديس أبابا المسؤولية الأكبر عن إنجاح المفاوضات.
وأعلنت وسائل إعلام صومالية في وقت لاحق عن وصول وفد الحكومة الفيدرالية برئاسة وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي إلى العاصمة التركية أنقرة للمشاركة في المحادثات. وتريد تركيا من خلال الوساطة بين إثيوبيا والصومال تسويق أنها عنصر جامع، في ظل اتهامات تلاحقها بوجود دوافع توسعية خلف اهتمامها بالقرن الأفريقي، وخاصة بالصومال حيث تتمركز قوات عسكرية لها في البلد الأفريقي الذي يعاني من عدم الاستقرار.
وأوضحت الخارجية التركية أنه تمّ تقديم موعد المباحثات التي كانت مقررة في الثاني من سبتمبر القادم، والتي تستهدف إيجاد تسوية بين إثيوبيا والصومال للخلاف القائم بينهما بشأن اتفاقية مع أرض الصومال. وكانت أديس أبابا وقّعت مذكرة تفاهم مع أرض الصومال، تضمن لها الوصول إلى البحر. وأثارت المذكرة غضب مقديشو لأن أرض الصومال منطقة أعلنت استقلالها عنها من جانب واحد.
وأعلنت أنقرة دعمها لمقديشو في الخلاف الجاري مع أديس أبابا، الأمر الذي يطرح تساؤلات جدية حول ما إذا كان بإمكان أنقرة لعب دور الوسيط النزيه، وهل تملك مبادرة واقعية لجسر الهوة بين البلدين أم أن تدخلها لا يتجاوز عقد لقاءات من دون انتظار نتائج فعلية منها، خاصة في ظل تمسك الطرفين بمواقفهما.
وقال الرئيس التركي، في بيان نشر عقب اتصاله مع رئيس الوزراء الإثيوبي السبت، إن بلاده تواصل جهودها لإنهاء التوتر بين الصومال وإثيوبيا. وشدد أردوغان على أن اتخاذ إثيوبيا خطوات لمعالجة مخاوف الصومال بشأن وحدته وسيادته وسلامة أراضيه من شأنه أن يسهل المسار. ويرى مراقبون أن تصريحات أردوغان تعكس انحيازا إلى الصومال، وهو ما لا يخدم جهود الوساطة.
وعقد وزيرا خارجية إثيوبيا والصومال لقاء أول في أنقرة مطلع يوليو الماضي، بوساطة من نظيرهما التركي هاكان فيدان. وزار فيدان إثيوبيا في الثالث من أغسطس الجاري للقاء مسؤوليها، بينما أكدت الخارجية في أنقرة التواصل “على أعلى مستوى” مع الصومال منذ ذلك الحين. وأشارت الخارجية التركية في بيانها الأخير إلى أنها ستتطرق إلى “حاجات البلدين ومخاوفهما ومقاربتهما”.
وعلى مدى عقود اتسمت العلاقة بين إثيوبيا والصومال بالتذبذب، وسبق أن تواجه البلدان مرتين في نهاية القرن العشرين، وضاعف الخلاف الأخير التوتر بين البلدين. وتتحرك أديس أبابا على أساس أن مقديشو لا شأن لها بالاتفاق وأن أرض الصومال من حقها التوصل إلى تفاهمات مع دول خارجية بحُريّة تامة لكونها إقليما قائم الذات، فضلا عن كون مقديشو سبق وأن غضت النظر عن اتفاقات سابقة وقعها الإقليم مع دول أخرى.
◙ منذ لقاء نيروبي في التاسع والعاشر من مارس الماضي لم تحقق المباحثات غير المباشرة بين الصومال وإثيوبيا أي نتيجة
وقلل مسؤولون من فرص نجاح الوساطة التركية بسبب الغموض الذي يحف بها. وقال اثنان من المسؤولين في تصريحات سابقة لرويترز إن هدف المفاوضات ليس واضحا كما أن توقعات التوصل إلى اتفاق منخفضة. وأضاف أحدهم “رغم الشائعات التي تفيد بتخفيف الصومال حدة موقفه الرافض للانخراط في حوار حتى تسحب إثيوبيا الاتفاق، فإن الأمر يبدو مستبعدا”. وأردف قائلا “لا أرى مسارا إلى الأمام، ولا أتوقع أن تخرج المحادثات بنتائج”.
ويكتسي اتفاق إثيوبيا مع أرض الصومال أهمية كبرى ويحقق هدفا لطالما سعت إليه الحكومات الإثيوبية المتعاقبة منذ تحول إثيوبيا إلى دولة حبيسة، وذلك بعد استقلال إريتريا في العام 1993، ومن ثم حرمانها من الوصول إلى ميناءيْ عصب ومصوع على خلفية الحرب الإثيوبية – الإريترية عام 1998.
ويرى محللون أن حصول أديس أبابا على منفذ بحري مصحوب بقاعدة عسكرية على مدخل باب المندب والبحر الأحمر ومنهما إلى قناة السويس، بحسب ما نصت عليه مذكرة التفاهم، من شأنه أن يفسح المجال أمام إثيوبيا لتصبح صاحبة النفوذ الأقوى في القرن الأفريقي.
ويحقق الاتفاق مصلحة سياسية عظمى بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، حيث يكرس سيطرته على مقاليد الحكم في البلاد، في ظل النزاعات القائمة بين المكونات الإثنية في هذ ا البلد. وبالتالي فإن التخلي عن كل هذه المكاسب ليس واردا القبول به من قبل الحكومة الإثيوبية، مهما بلغت الإغراءات، وهو ما يعني أن فرصة نجاح الوساطة التركية تبدو منعدمة.
وذكّرت الخارجية التركية الأحد بأن الوزيرين الإثيوبي والصومالي “اتفقا على حل الأزمة بين البلدين” خلال لقاء في نيروبي في التاسع والعاشر من مارس الماضي، مشيرة إلى أن “المباحثات غير المباشرة بين البلدين منذ ذلك الحين لم تفض إلى أي نتيجة”.
وأضافت الوزارة “على رغم من التوترات المتصاعدة في المنطقة… قوبلت جهود تركيا لحل الأزمة وفتح قناة للحوار المستدام، بالترحيب”، لافتة إلى أن دولاً إقليمية أيدت جهود الوساطة التي تبذلها. ويرى مراقبون أن أحد دوافع التحرك التركي هو تجنب خيار التصعيد بين الطرفين، حيث أن أنقرة ملزمة، حسب اتفاقية للدفاع المشترك مع مقديشو، بالتدخل لصالح الأخيرة إذا تعرضت لتهديد.
وأصبحت تركيا حليفا وثيقا للحكومة الصومالية منذ زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى مقديشو لأول مرة في 2011، وتقوم بإمدادها بمساعدات تنموية وتساهم في تدريب قوات الأمن. ووقّع البلدان اتفاقية للدفاع في فبراير الماضي ستقدم أنقرة بموجبها الدعم الأمني البحري للصومال بهدف مساعدته على الدفاع عن مياهه الإقليمية.
وتقوم أنقرة ببناء مدارس ومستشفيات وتنجز مشاريع للبنية التحتية في الصومال، كما تقدم لمواطنيه منحا للدراسة في تركيا، وهو ما يضمن لها موطئ قدم في أفريقيا يطل على طريق شحن عالمي رئيسي. وتمكنت تركيا من استغلال الوضع الصعب الذي يمر به الصومال منذ سنوات من خلال الإسراع بتقديم الدعم الأمني والعسكري والاقتصادي إلى مقديشو، ما فتح الباب أمامها لوضع اليد على نفط الصومال.
وقبل أشهر قالت وزارة الطاقة التركية إن تركيا وقّعت مع الصومال اتفاق تعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي. وأضافت الوزارة أن اتفاق الطاقة يشمل استكشاف وتقييم وتطوير وإنتاج النفط في المناطق البرية والبحرية الصومالية.