أنقرة تضطر لتأميم الشركات المتعثرة

محللون يؤكدون أن الاقتصاد التركي يعاني من مشكلات هيكلية عميقة وأن تسارع تفشي الوباء في البلاد سيؤدي إلى تعميق مواطن الاختلالات العميقة.
الجمعة 2020/04/17
تعثر الشركات يعمق متاعب تركيا

يختزل تسارع انحدار الليرة التركية تفاقم مخاطر أزمة غير مسبوقة في ظلّ هشاشة القواعد المالية والاقتصادية بعد سنوات من السياسات الارتجالية الطائشة، ويبدو أن أنقرة بدأت تدرك خطورة الموقف حيث بدأت تخرج عن السياسات التي اعتمدتها على مدى عقدين من الزمن.

إسطنبول- سمحت تركيا لصندوق الثروة السيادي بالاستحواذ على شركات متعثرة من القطاع الخاص، ضمن سلسلة من التدابير الاقتصادية الرامية إلى مواجهة التداعيات القاسية لتفشّي فايروس كورونا.

وصوّت البرلمان التركي الخميس، على تمكين الصندوق من ضخ أموال نقدية أو الاستحواذ على أسهم في شركات استراتيجية بموجب إطار أعدّته الحكومة، لكنّ محللين يخشون من استخدامه في إنقاذ الشركات المقرّبة من حزب العدالة والتنمية.

ويضع التشريع الأساس لما يمكن أن يكون تحوّلا رئيسيا للسياسة من جانب الحكومة التركية لانتزاع السيطرة مرة أخرى على مساحات الاقتصاد بعد الوباء، حيث يمكن أن يخضع عدد متزايد من الشركات غير المالية للسيطرة المباشرة للدولة في السنوات القادمة.

وقالت وكالة بلومبرغ إن ذلك سيتطلّب من الحكومة أن تقترض أكثر وتستخدم المال في إنقاذ أو شراء شركات، في خروج عن الاستراتيجية المالية التي تبنّتها البلاد على مدار العقدين الماضيين.

وواصلت العُملة التركية انخفاضها وتراجعها الخميس، لليوم الخامس على التوالي، لتقترب من حاجز 7 ليرات للدولار وهو أدنى مستوياتها منذ ذروة أزمة العُملة في 2018، مع تأثر الميزانية العامة بشدّة من جرّاء تداعيات فايروس كورونا في حين أظهرت بيانات تلاشي صفقات الشركات الشهر الماضي.

ويواجه الاقتصاد التركي ركودا سيكون الثاني في أقلّ من عامين بسبب جائحة كورونا، بعد أن خرج من ركوده الأول في النصف الثاني من 2019.

وقفز عجز ميزانية الحكومة المركزية إلى 6.35 مليار دولار في مارس، من نحو 1.23 مليار دولار في فبراير، بسبب إنفاق جديد وتراجع حادّ لحصيلة الضرائب في ظل تفشّي الوباء.

ويجد الاقتصاد التركي الذي يعاني من التعثّر والهشاشة، جرّاء الأزمة التي تعصف به منذ أكثر من عامين، نفسه في وضع حرج، وغير قادر على الصمود في مواجهة الأزمة الناجمة عن فايروس كورونا المستجدّ.

براءت البيرق: لم نعقد اجتماع أو نطلب شيء من أي مؤسسة أو دولة
براءت البيرق: لم نعقد اجتماع أو نطلب شيء من أي مؤسسة أو دولة

وقالت شبكة سي.أن.بي.سي، الأربعاء، نقلا عن عدد من الخبراء، إنه بعد عامين تقريبا من ضعف العُملة، وارتفاع الديون، وتضاؤل احتياطيات العملات الأجنبية، وتزايد البطالة، أصبح الاقتصاد التركي في وضع سيء بشكل كبير للتعامل مع فايروس كورونا.

وقال جان سلجوقي، المدير الإداري لأبحاث الاقتصاد في إسطنبول، لشبكة سي.أن.بي.سي “ستكون هناك أوقات صعبة قادمة، لأن تركيا كانت بالفعل في وضع ضعيف من الناحية الاقتصادية الكلية قبل أن يجتاح وباء كورونا ويتسبّب بالأزمة”.

وكانت البطالة في يناير بلغت بالفعل 14 في المئة، أي قبل انتشار الوباء ومن المرجّح أن ترتفع إلى حدّ كبير بسبب الحجر الذي يفرضه فايروس كورونا.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تمويل 15 مليار دولار للشركات التي تضرّرت من الوباء، فضلا عن دعم البطالة وتأجيل الديون والديون العقارية على نطاق واسع.

لكنّ شبكة سي.أن.بي.سي قالت إن الإجراءات التي اتخذتها حكومة أردوغان أثارت مخاوف المستثمرين، بما في ذلك خطوة الاثنين لتقييد قدرة الأجانب على تداول الليرة في سوق المقايضات الخارجية.

وواجهت الليرة أزمة في 2018، وشهد هذا العام ارتفاع الدولار مقابلها بنسبة 13 في المئة. وأدت تحركات البنك المركزي التركي لدعم الليرة بشكل مصطنع عن طريق بيع الدولار إلى انخفاض إجمالي احتياطيات تركيا من العملات الأجنبية إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2009.

وبلغ احتياطي تركيا الأجنبي، باستثناء الذهب، 77.4 مليار دولار في نهاية فبراير، وفقًا لصندوق النقد الدولي. ومع ذلك، تقدر متطلبات التمويل التركية لعام 2020 بنحو 170 مليار دولار.

وقال أجاث ديمارايس، المسؤول في وحدة المعلومات الاقتصادية، لشبكة سي.أن.بي.سي “إذا واجهت أي دولة أزمة ديون سيادية، فهناك مخاطر من احتمال تأثير العدوى على الأسواق الناشئة”.

وأضاف أن “تركيا لديها احتياجات تمويل خارجية كبيرة، وقطاع خاص مثقل بالديون بالعملة الأجنبية، يضاعف من هذه المخاطر”.

وأشار إلى أن وحدة المعلومات الاقتصادية تتوقّع ركودا لمدة عام كامل في تركيا حيث “سينهار قطاع السياحة الكبير، الأمر الذي سيزيد الضغط على العجز المزدوج وعلى الليرة الهشة بالفعل”، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى غليان التضخم.

وقال سلجوقي “ليس لدى تركيا أنواع الموارد التي كانت تمتلكها قبل 10 سنوات للتعويض عن الانهيار الاقتصادي الناجم عن تداعيات انتشار فايروس كورونا… تركيا ستحتاج إلى أي نوع من الموارد يمكنها الحصول عليها”.

ويرى محللون أن أحد أسباب انحدار الليرة هذا الأسبوع هو رفض أردوغان بشكل قاطع أيّ قبول للدعم من صندوق النقد الدولي، والذي يقول العديد من المحللين إن تركيا ستحتاجه.

ونفى وزير المالية التركي براءت البيرق عقد أي اجتماع مع صندوق النقد، رغم تأكيد مديرة صندوق النقد كريستينا جورجيفا وجود تواصل بناء مع أنقرة.

ونسبت وكالة بلومبرغ إلى البيرق قوله “في تركيا، ندعم آليات مختلفة بين الدول لضمان استمرار التجارة العالمية؛ وغير ذلك، فإننا لم نعقد أي اجتماع أو نطلب أي شيء من أي مؤسسة أو دولة”.

العملة التركية اقتربت الخميس من حاجز 7 ليرات للدولار وهو أدنى مستوى منذ ذروة الأزمة المالية قبل عامين

وكان تأكيد جورجيفا وجود محادثات مع أنقرة قد أوقف تراجع الليرة نهاية الأسبوع الماضي، بسبب قناعة الأسواق بحاجة تركيا إلى خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي. لكن إصرار المسؤولين الأتراك على نفي تلك المحادثات أدى إلى التراجع الحاد للعملة التركية في نهاية التعاملات الأوروبية أمس بأكثر من ثلاثة في المئة لتصل إلى 6.79 ليرة
للدولار.

وصنفت موديز تركيا كواحدة من أقل الدول قدرة على التغلب على الصدمة التي سببها الوباء، ورجحت ألا يسجل اقتصادها أي نمو في العام الحالي وأن يتضرر قطاع السياحة بشكل خاص هذا الصيف.

وكانت الحكومة التركية قد أعلنت عن حزمة دعم تقل قيمتها عن 15 مليار دولار لتوفير الإغاثة للشركات المتضررة من تفشي الوباء، وهو رقم ضئيل قياسا بحجم الاقتصاد التركي وبرامج دعم الدول الأخرى.

ويقول محللون إن الاقتصاد التركي يعاني من مشكلات هيكلية عميقة، وأن تسارع تفشي الوباء في البلاد سيؤدي إلى تعميق مواطن الاختلالات العميقة، خاصة في ظل استخفاف قيادتها بتداعيات انتشار الفايروس.

10