أنقرة تستميل الحكومة العراقية دون ترويض جميع الفاعلين فيها

السليمانية (العراق) - لم تنجح تركيا التي قطعت أشواطا متقدّمة في تطوير تعاونها الاقتصادي والأمني مع العراق، في بناء علاقات متوازنة مع مختلف القوى الفاعلة في المشهد العراقي، بما يحصّن ذلك المنجز من محاذير الانتكاس والتراجع.
ولم تمنع الأجواء الإيجابية السائدة على هامش تدشين خط للربط الكهربائي بين العراق وتركيا، الأحد، السفير التركي لدى بغداد أنيل بورا إينان من الهجوم على زوجة الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد شاناز إبراهيم أحمد واصفا تعليقاتها على العملية العسكرية لبلاده ضد عناصر حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية بأنّها “ادّعاءات”.
وينتمي رشيد وزوجته حزبيا إلى الاتّحاد الوطني الكردستاني الذي يتّخذ من محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق معقلا رئيسيا لنفوذه. وتراهن أنقرة على عزل الحزب في مقابل تمتين علاقاتها مع غريمه الكبير الحزب الديمقراطي الكردستاني، لكنّها تقامر بذلك باستثارة قوى شيعية حليفة للاتحاد وفاعلة بشكل كبير في السلطة الاتّحادية العراقية من خلال موقعها في الإطار التنسيقي المشكّل الرئيسي لحكومة محمد شياع السوداني.
ويظهر اختلاف مواقف القوى السياسية العراقية من العملية العسكرية التركية بشمال العراق أنّ الكثير من تلك القوى ماتزال عصية عن الترويض من قبل تركيا. وتشارك قوى مشكّلة لتحالف الفتح الممثل السياسي لميليشيات الحشد الشعبي حزب الاتّحاد الوطني اعتراضه على توغّل الجيش التركي في محافظة دهوك واحتلاله أجزاء منها وإقامته قواعد ثابتة على أرضها.
وقال خالد السراي عضو التحالف إن سيادة العراق خط أحمر ويجب الضغط على الحكومة لإيقاف هذه الانتهاكات التركية. وأضاف السراي متحدّثا الأحد لوسائل إعلام محلية أن “الخلافات السياسية بين إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد خلال الأوقات السابقة أدت إلى السماح للقوات التركية بالوصول إلى منطقة العمادية وإقامة معسكرات تابعة لها هناك”. وفي ذات السياق طالبت لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي رئيس الحكومة الذي يشغل أيضا منصب قائد عام للقوات المسلحة بالتحرك لإنهاء التواجد العسكري التركي على الأراضي العراقية.
وقال عضو اللجنة وعد القدو المقرّب من الحشد الشعبي إنّ التدخل التركي داخل الأراضي العراقية بات يتم بشكل سافر وإنّ تركيا تتمدد حاليا داخل الأراضي العراقية دون رادع. وشدّد على أنّ إخراج القوات التركية من مهام القائد العام للقوات المسلحة “إذ أن الاحتلال التركي بلغ ذروته داخل العراق ولابد للحكومة من التحرك الفوري لإنهائه”.
◙ اختلاف مواقف القوى السياسية العراقية من العملية العسكرية التركية بشمال العراق يظهر أنّ الكثير من تلك القوى لا تزال عصية عن الترويض من قبل تركيا
وفيما تحوّل الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى متعاون مع القوات التركية في حربها ضدّ حزب العمّال أصبح حزب الاتحاد موضع ضغوط وتهديدات تركية على خلفية اتهام المسؤولين الأتراك للسليمانية باحتضان مسلحي الحزب ومساعدتهم في حربهم ضدّ الجيش التركي.
وحذّر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في وقت سابق قيادات الاتّحاد من “الألاعيب ونصب الفخاخ” وطالبهم بـ”التوقف عن دعمهم لحزب العمال الكردستاني كما وجه إليهم تهديدا مباشرا بالقول “عندما تعمل مع حزب العمال الكردستاني ونرى ذلك، علينا أن نفعل شيئا ضدك، لأنه تم إنشاء هذه المنظمة لاستهدافنا. ولا يمكننا أن نسمح بحدوث ذلك”.
ولم توفّر أنقرة، زوجة الرئيس العراقي، من حملتها على أركان حزب الاتّحاد الوطني. وقال السفير إينان إنّ “اتهامات وادعاءات شاناز إبراهيم أحمد الموجهة لتركيا لا تعكس الحقيقة”، وأكد حرص بلاده على تعميق العلاقات مع العراق من خلال العمل على مشاريع ملموسة وليس عبر مناقشة الادعاءات التي لا أساس لها.
وجاء ذلك في معرض رد السفير على سؤال صحفي بشأن تعليق زوجة الرئيس العراقي على العملية العسكرية التركية الجارية بالشمال العراقي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقالت أحمد عبر حسابها في منصّة إكس إنّ المدنيين الأبرياء يضطرون إلى الفرار من منازلهم والبحث عن ملجأ في مخيمات النزوح بسبب التوغلات التركية في إقليم كردستان العراق. وأضافت أنّ 602 قرية على الأقل باتت تحت التهديد، مؤكّدة أن القوات التركية دمرت مدرسة وكنيسة آشورية.
واعتبرت أحمد أنّه ينبغي لشعب العراق أن يعرف ما إذا كان هناك أي اتفاق بين أنقرة وبغداد أو أنقرة وأربيل، يسمح لدولة مجاورة بمعاملة العراق كأرض خاصة بها. ورأت أنّه إذا “كان هناك مثل هذا الاتفاق فيجب توجيه الغضب الشعبي نحو السلطات العراقية والكردية. وإذا لم يكن هناك اتفاق، فنبغي لنا أن نشير بأصابعنا إلى تركيا باعتبارها دولة غازية”.
وردّ السفير بخطاب حادّ كسر قواعد البروتوكول الذي يفرض خطابا معينا تجاه زوجة رئيس دولة صديقة أطلقت للتو مشروع ربط كهربائي مع تركيا، قائلا “نحن أيضا رأينا هذه الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة. والادعاءات المذكورة لا تعكس الحقيقة إطلاقا".
وأضاف: “لدى تركيا رغبة في تطوير العلاقات مع العراق في كافة المجالات، وقد أكدنا بشكل متبادل على هذه الإرادة من خلال نحو ثلاثين اتفاقية تم توقيعها في مجالات التعاون خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيسنا رجب طيب أردوغان إلى العراق في أبريل الماضي". وذكر أن من بين مجالات التعاون تلك مكافحة الإرهاب مذكّرا بإعلان الجانب العراقي حزب العمال الكردستاني منظمة محظورة على أراضيه. كما أشار إينان إلى أن تركيا والعراق أظهرا التصميم اللاّزم للارتقاء بالعلاقات خاصة في مجال مكافحة الإرهاب، إلى نقطة أفضل على أساس المنفعة المتبادلة.