أنقرة تستفيد من صمت بغداد وأربيل لتوسيع حملتها شمال العراق

إسطنبول- نفذت تركيا ضربات جوية جديدة ليل الجمعة السبت ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في جبال شمال العراق، بحسب مصادر في البلدين.
ويقول مراقبون إن القوات التركية ستستفيد من موافقة غير معلنة من الحكومة الاتحادية في بغداد ومن حكومة إقليم كردستان في مدينة أربيل لتستمر في عملياتها وفق أجندة خاصة بها.
وقالت وزارة الدفاع التركية في بيان “بموجب حقنا في الدفاع عن النفس (…)، تم تنفيذ عمليات جوية ضد أهداف إرهابية في شمال العراق في مناطق كارا وقنديل وأسوس”.
وأوضح الجيش التركي الذي ينفذ غارات في المنطقة بانتظام، إنه ضرب 25 هدفا “من بينها كهوف ومخابئ وملاجئ ومستودعات ومنشآت” لحزب العمال الكردستاني الذي يشن حرب عصابات ضد السلطات التركية منذ عام 1984 وتصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون منظمة “إرهابية”. ووصف مصدر أمني في شمال العراق هذه الضربات بأنها “مكثفة”.
ووفق كمران عثمان، عضو منظمة فرق صناع السلام المجتمعية ومقرها في كردستان العراق، فقد استمرت الغارات لنحو 45 دقيقة. ولم يتم تسجيل أيّ إصابات بين المدنيين، بحسب المصدر الذي تحدث عن أضرار في الأراضي الزراعية.
تجد بغداد وأربيل في وصم حزب العمال الكردستاني بالإرهاب وتهديد الاستقرار وعرقلة التنمية مبرّرا مناسبا لعدم اعتراضهما على الحملة التركية
وأكد الجيش التركي أنه تمكن من “تحييد العديد من الإرهابيين”. وتندد بغداد بالعمليات العسكرية التركية على الأراضي العراقية. ولحزب العمال الكردستاني قواعد خلفية في إقليم كردستان العراق المتمتع بالحكم الذاتي والذي فيه أيضا قواعد عسكرية تركية منذ 25 عاما.
وسجلت منظمة فرق صناع السلام المجتمعية غير الحكومية أكثر من 230 غارة جوية تركية منذ 15 يونيو، تسبب بعضها في حرائق في الأراضي الزراعية وأدى الى نزوح سكان.
وأكد وزير الدفاع التركي يشار غولر الجمعة في مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية أن تركيا لا تزال “مصممة” على إنشاء حزام أمني في شمال العراق – كما هي الحال في سوريا – لمنع أي توغل “إرهابي” على أراضيها.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أكد منتصف يوليو أن جيشه تمكن من “تطويق” مقاتلي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
ويشعر سكان مناطق شاسعة من إقليم كردستان العراق أنّهم أصبحوا متروكين لمصيرهم في مواجهة الحملة العسكرية التركية المتصاعدة، ويقولون إنّها غير منضبطة في طريقة تنفيذها والأسلحة المستخدمة فيها، وإنّها آخذة في التوسّع بسرعة والتحوّل إلى احتلال دائم لمناطقهم، في ظلّ غياب أيّ نوع من ردّة الفعل عليها سواء من قبل الحكومة الاتّحادية العراقية أو من قبل حكومة الإقليم.
وتركّزت الحملة على محافظة دهوك التي شهدت خلال الأيام الماضية أكبر تدفق للقوات والآليات التركية الثقيلة على مناطقها، في ظل أنباء عن مخطط تركي لاحتلال ثلاثة أرباع أراضي المحافظة الواقعة بإقليم كردستان العراق والمتاخمة للأراضي التركية.
ويشكو سكان المناطق الريفية والجبلية بالمحافظة والذين يتركّز نشاطهم الاقتصادي على الزراعة بما في ذلك تربية الماشية وإنتاج عسل النحل وغراسة الأشجار المثمرة، من لجوء القوات التركية إلى القصف العشوائي بالمدفعية والطائرات النفاثة والمروحيات والمسيّرات في مراحل تمهيد الميدان و”تطهيره” من مقاتلي حزب العمّال، قبل إدخال القوات البرية وتركيز قواعد ثابتة ونشر أعداد كبيرة من نقاط التفتيش التي تقطّع أوصال المناطق وتعسّر تنقل السكان بينها والوصول إلى حقولهم ومراعيهم.
ومع حرارة الصيف بدأ القصف يتحوّل إلى كارثة بيئية بسبب كثرة الحرائق الناتجة عنه وسرعة انتشار النيران في مناطق تتميّز بكثافة غطائها النباتي.
مع حرارة الصيف بدأ القصف يتحوّل إلى كارثة بيئية بسبب كثرة الحرائق الناتجة عنه وسرعة انتشار النيران في مناطق تتميّز بكثافة غطائها النباتي
وبالتوازي، تشنّ تركيا بالتوازي مع حملتها العسكرية ضدّ عناصر حزب العمال الكردستاني في مناطق شمال العراق حملة دعائية مكثّفة يشارك فيها كبار مسؤوليها وتستخدم خلالها آلتها الإعلامية القوية بمختلف أذرعها ومنابرها، وذلك بهدف إسقاط الحزب أخلاقيا وقطعه عن حواضنه الشعبية في تلك المناطق تمهيدا للإجهاز عليه عسكريا.
وتقوم الحملة على عنصر ثابت يتمثل في وصم الحزب بالإرهاب والدموية، وآخر مستحدث يقوم على محاولة إقناع العراقيين، بمن في ذلك سكان مناطق إقليم كردستان العراق التي يتواجد فيها عناصر الحزب، بأن الأخير يهدد استقرار تلك المناطق ويعرقل تنميتها ويضر بدورتها الاقتصادية.
ولا تفتقر تلك الحملة إلى مساندة جهات عراقية وتحديدا كردية نمت لديها رغبة في التخلّص من الحزب الذي سهّلت في أوقات سابقة تواجده في مناطق نفوذها على أساس التضامن القومي معه، وباتت تجد مصلحة كبيرة في التقارب مع تركيا وعقد صفقات مربحة معها.
كما أنّ الحملة ذاتها تتوافق مع مصلحة حكومة الإقليم والحكومة الاتّحادية العراقية، وكلتاهما محرجتان من سلبيتهما إزاء توسّع الحملة العسكرية التركية في شمال العراق وتحوّلها إلى احتلال لمساحات شاسعة من محافظة دهوك موضع تركيز تلك الحملة في الوقت الحالي.
وتجد بغداد وأربيل في وصم حزب العمال الكردستاني بالإرهاب وتهديد الاستقرار وعرقلة التنمية مبرّرا مناسبا لعدم اعتراضهما على الحملة التركية.
وكان لافتا خلال الفترة القريبة الماضية تعدّد عمليات الكشف عن تورّط الحزب في أعمال إرهابية بالداخل العراقي، ما أثار التساؤل لدى جهات عراقية متابعة للملف: لماذا الآن، ولماذا بدا الأمر وكأنه اكتشاف مفاجئ، في ما حزب العمال الكردستاني متواجد على الأراضي العراقية منذ أكثر من أربعة عقود.
وجاء إعلان السلطات العراقية مؤخّرا عن توقيف شبكة تابعة لحزب العمال الكردستاني متورطة في إشعال سلسلة من الحرائق في إقليم كردستان العراق وتخطط لإشعال أخرى في بغداد ولاستهداف خط لنقل النفط، متوافقا تماما مع المنظور التركي للحزب الذي تقول أنقرة إنّ خطره لا يقتصر على تركيا وحدها إنما يشمل العراق الذي يوجد مقاتلو الحزب على أراضيه، وتدعو بغداد تبعا لذلك إلى التعاون معها إلى أبعد حدّ في مواجهتها العسكرية ضدّه.