أنظار العالم تتجه لإيران مع انطلاق الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة

أيا تكُن نتيجة الانتخابات، فتأثيرها سيكون محدودا على توجّه البلاد لأنّ للرئيس في إيران صلاحيات محدودة على خلاف الصلاحيات الواسعة للمرشد الأعلى.
الجمعة 2024/07/05
من سيختار الايرانيون: جليلي المتشدد أم الإصلاحي مسعود بيزشكيان

طهران - تتجه أنظار العالم والجوار الإقليمي اليوم الجمعة إلى إيران مع انطلاق الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية والتي يتنافس فيها المرشّح الإصلاحي مسعود بيزشكيان الذي يدعو للانفتاح على الغرب، والمفاوض السابق في الملف النووي المحافظ المتشدّد سعيد جليلي المعروف بمواقفه المتصلّبة إزاء الغرب.

وتلقى هذه الدورة الثانية متابعة دقيقة في الخارج، إذ إنّ إيران القوّة الوازنة في الشرق الأوسط، هي في قلب الكثير من الأزمات الجيوسياسيّة، من الحرب في غزة إلى الملفّ النووي الذي يُشكّل منذ سنوات عدّة مصدر خلاف بين الجمهوريّة الإسلاميّة والغرب.

وتجري هذه الانتخابات التي من المقرر أن تُعلن نتائجها السبت، وسط حالة سخط شعبي عارم ناجم خصوصا عن تردّي الأوضاع الاقتصادية بسبب العقوبات الغربية التي أعيد فرضها على الجمهورية الإسلامية.

وهذا الاستحقاق الذي جرت دورتها الأولى في 28 يونيو نظّم على عجل لاختيار خلف لإبراهيم رئيسي الذي قُتل في حادث مروحية في 19 مايو الماضي في توقيت أدخل إيران في حالة ارتباك سياسي رغم أن الدستور ينظم آليات الحكم في حالات الشغور الرئاسي لأي سبب كان.

وفي الدورة الأولى التي جرت قبل أسبوع، بلغت نسبة الإقبال على التصويت 39.92 بالمئة من أصل 61 مليون ناخب، في أدنى مستوى لها على الإطلاق منذ قيام الجمهورية الإسلامية قبل 45 عاما، فيما كانت نسبة المشاركة في التصويت في ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته تناهز 80 في المئة.

وسيفصل الناخبون في الدورة الثانية بين بيزشكيان (69 عاما) الذي يدعو إلى الانفتاح على الغرب، وجليلي (58 عاما) المعروف بمواقفه المتصلبة في مواجهة القوى الغربية.

وفي الدورة الأولى نال بيزشكيان 42.4 في المئة من الأصوات في مقابل 38.6 في المئة لجليلي بينما حلّ ثالثا مرشحّ محافظ آخر هو محمد باقر قاليباف.

وكان بيزشكيان شبه مغمور حين دخل الانتخابات لكنّه تمكّن من تصدّر السباق مستغلا انقسام المحافظين الذين فشلوا في الاتفاق على مرشح واحد.

ودعا قاليباف أنصاره للتصويت لجليلي في الدورة الثانية، بينما يحظى بيزشكيان بدعم الرئيسين السابقين الإصلاحي محمد خاتمي والمعتدل حسن روحاني.

وفي المقابل دعت شخصيات معارضة داخل إيران وكذلك في الشتات، إلى مقاطعة الانتخابات، معتبرة أنّ المعسكرين المحافظ والإصلاحي وجهان لعملة واحدة.

وبيزشكيان طبيب جرّاح ونائب عن مدينة تبريز (شمال غرب) ولديه خبرة محدودة في العمل الحكومي تقتصر على شغله منصب وزير للصحة بين 2001 و2005 في حكومة الرئيس خاتمي.

وعُرف بكلامه الصريح، إذ لم يتردّد في انتقاد السلطات خلال الحركة الاحتجاجية الواسعة التي هزّت إيران إثر وفاة الشابة مهسا أميني في سبتمبر 2022 بعد توقيفها لعدم التزامها بقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

وخلال مناظرة متلفزة جرت بينهما مساء الاثنين، ناقش الخصمان خصوصا الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد والعلاقات الدولية وانخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات والقيود التي تفرضها الحكومة على الإنترنت.

وقال بيزشكيان إنّ "الناس غير راضين عنا"، خاصة بسبب عدم تمثيل المرأة وكذلك الأقلّيّات الدينية والعرقية، في السياسة، مضيفا "حين لا يشارك 60 في المئة من السكّان (في الانتخابات)، فهذا يعني أنّ هناك مشكلة" مع الحكومة.

وأعرب جليلي من جهته عن قلقه إزاء انخفاض نسبة المشاركة لكن من دون إلقاء اللوم على السلطة، لكنّ المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الذي دعا الأربعاء الناخبين إلى المشاركة في الاقتراع قال إنّه "من الخطأ تماما الاعتقاد بأنّ أولئك الذين لم يصوّتوا في الجولة الأولى هم ضدّ النظام".

وعلى الصعيد الاقتصادي، أكّد جليلي خلال المناظرة قدرته على تحقيق نموّ بنسبة 8 في المئة في مقابل 5.7 في المئة بين مارس 2023 مارس 2024. كما ذكّر بمعارضته أيّ تقارب بين إيران والدول الغربية.

وكان جليلي المفاوض في الملف النووي بين عامي 2007 و2013، معارضا بشدّة للاتفاق الذي أُبرم في نهاية المطاف بين إيران والقوى الكبرى بينها الولايات المتحدة والذي فرض قيودا على النشاط النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات.

أما بيزشكيان فأعلن أنه سيضع في أعلى سلّم أولويات حكومته إحياء الاتفاق، المجمّد منذ أن انسحبت واشنطن منه عام 2018 في خطوة أحادية ترافقت مع إعادة فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية.

وأيا تكُن نتيجة الانتخابات، فتأثيرها سيكون محدودا على توجّه البلاد لأنّ للرئيس في إيران صلاحيات محدودة. وتقع المسؤولية الأولى في الحكم في الجمهورية الإسلامية على عاتق المرشد الأعلى الذي يُعتبر رأس الدولة، أما الرئيس فهو مسؤول على رأس حكومته عن تطبيق الخطوط السياسية العريضة التي يضعها المرشد الأعلى.

وفي العاصمة طهران قال جواد عبدالكريم وهو طباخ يبلغ 42 عاما، إنه سيدلي بصوته الجمعة لكن "ما زلتُ لا أعرف لمن"، آملا في أن تساهم الحكومة الجديدة في إبطاء وتيرة التضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية.

وقالت فاطمة المتقاعدة البالغة 75 عاما، إنها ستمتنع عن التصويت لأنّ "كلا المرشحين (...) لا يهتمان بالناس إطلاقا". أما علي الطالب البالغ 24 عاما الذي فضّل عدم ذكر اسمه كاملاً، فقال إنّ الخيار الأفضل بالنسبة إليه هو بيزشكيان لأنه "قادر على فتح البلاد أمام بقية العالم".

وكان المرشح الإصلاحي قد دعا إلى "علاقات بنّاءة" مع الولايات المتّحدة والدول الأوروبية من أجل "إخراج إيران من عزلتها"، بينما جدّد جليلي تأكيد موقفه المتشدّد تجاه الغرب، معتبرا أنّ طهران لا تحتاج لكي تتقدّم أن تعيد إحياء الاتّفاق النووي الذي فرض قيودا مشددة على نشاطها النووي مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها.

وقال إن هذا الاتفاق "انتهك الخطوط الحمراء لطهران" من خلال القبول بـ"عمليات تفتيش غير عادية للمواقع النووية الإيرانية".

وخلال مشاركتها في مهرجان انتخابي مساء الأربعاء، قالت مريم الناروي (40 عاماً) إنّ جليلي يمثّل "الخيار الأفضل لأمن البلاد". وطوال مسيرته المهنية، تمكّن بفضل ثقة المرشد الأعلى به من أن يتبوّأ مناصب رئيسية في النظام.

وجليلي هو حاليا أحد ممثّلي المرشد الأعلى في المجلس الأعلى للأمن القومي، أعلى هيئة أمنية في البلاد.