أنصار الصدر يقتحمون القصر الجمهوري ومجلس الوزراء بعد اعتزاله السياسة

بغداد - اقتحم متظاهرون من أنصار التيار الصدري في العراق الاثنين مقري القصر الجمهوري ومجلس الوزراء في المنطقة الخضراء وسط بغداد، بعد إعلان زعيم التيار مقتدى الصدر اعتزاله النهائي للسياسة وغلق كافة مؤسساته عدا "المرقد الشريف والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر"، إثر انتقادات وجهها له المرجع الديني كاظم الحائري.
وأعلنت قيادة العمليات المشتركة حظر التجول الشامل في العاصمة بغداد، ويشمل العربات والمواطنين كافة، اعتبارا من الساعة الثالثة والنصف من ظهر الاثنين بالتوقيت المحلي.
ووجه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بتعليق المجلس لجلساته إلى إشعار آخر، "بسبب دخول مجموعة من المتظاهرين لمقر مجلس الوزراء المتمثل بالقصر الحكومي".
وأدان الكاظمي اقتحام المتظاهرين للمؤسسات الحكومية، وطالب الصدر بدعوتهم إلى الانسحاب.
وأظهرت مقاطع فيديو متظاهرين داخل قاعات القصر الجمهوري وآخرين يسبحون في مسبح القصر.
وتشهد الطرق المؤدية إلى المنطقة الخضراء توافد المئات من أتباع الصدر للمشاركة في المظاهرات الاحتجاحية، فيما تحولت المنطقة الخضراء الحكومية إلى ثكنة عسكرية.
وحاول أنصار الصدر إسقاط الكتل الإسمنتية المحيطة بالقصر الجمهوري داخل المنطقة الخضراء ببغداد، في وقت تجوب فيه سيارات مدينة الصدر شرقي بغداد، داعية المواطنين عبر مكبرات الصوت إلى التوجه نحو المنطقة الخضراء.
ودعا بيان لخلية الإعلام الأمني العراقية المتظاهرين داخل المنطقة الخضراء إلى "الانسحاب الفوري منها"، فيما قال بيان لقيادة العمليات العراقية المشتركة إنها مسؤولة عن "حماية المؤسسات الحكومية والبعثات الدولية وتلتزم بأعلى درجات ضبط النفس وعدم إراقة الدماء".
وفي وقت سابق الاثنين، قال الصدر في بيان نشره عبر حسابه على تويتر إنه يعتزل العمل السياسي نهائيا، بعدما "أردت أن أقوم الإعوجاج الذي كان السبب فيه القوى السياسية الشيعية".
وأشار الصدر إلى أن اعتزال الحائري "لم يكن بمحض إرادته"، مضيفا "إنني لم أدع يوما العصمة أو الاجتهاد ولا حتى (القيادة)، إنما أنا آمر بالمعروف وناه عن المنكر ... وما أردت إلا أن أقربهم (القوى السياسية الشيعية) إلى شعبهم وأن يشعروا بمعاناته".
وألمح الصدر إلى احتمال تعرضه للاغتيال، بعد أن ختم بيانه قائلا "إن مت أو قتلت فأسألكم الفاتحة والدعاء".
وأفاد البيان بإغلاق جميع المؤسسات التابعة للتيار الصدري باستثناء "المرقد الشريف والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر".
وكان كاظم الحائري، وهو مرجع التقليد لأنصار التيار الصدري، أعلن صباح الاثنين اعتزاله العمل الديني كمرجع بسبب المرض، وأوصى باتباع مرجعية المرشد الإيراني علي خامنئي، وتضمنت رسالة الاعتزال المنسوبة إلى الحائري هجوما ضمنيا على مقتدى الصدر.
وقال الحائري في رسالة اعتزاله "على أبناء الشهيدين الصدرين أن يعرفوا أن حب الشهيدين لا يكفي ما لم يقترن الإيمان بنهجهما بالعمل الصالح والاتباع الحقيقي لأهدافهما التي ضحيا بنفسيهما من أجلها، ولا يكفي مجرد الادعاء أو الانتساب، ومن يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين أو يتصدى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعية، فهو في الحقيقة ليس صدريا مهما ادعى أو انتسب".
ويحظى الحائري بمكانة خاصة وسط أنصار التيار الصدري، إذ كان محمد صادق الصدر والد مقتدى الصدر قد أوصى أبناءه باتباع الحائري من بعده.
كما أصدر الحائري عدة توصيات للشعب العراقي، أبرزها "الحفاظ على الوحدة والانسجام فيما بينهم وعدم التفرقة"، إضافة إلى "تحرير العراق من أي احتلال أجنبي ومن أي تواجد لأي قوة أمنية أو عسكرية".
وتابع "على العلماء وطلبة الحوزة الدينيّة والنخب الثقافية والكتّاب الواعين والمخلصين العمل على توعية أبناء الشعب، حتّى يميّزوا بين العدوّ والصديق ويدركوا حقيقة مصالحهم ولكي لا يتمّ استغفالهم والاستخفاف بهم ونزع الطاعة منهم".
وفور إعلان الصدر اعتزاله، أغلق المتحدث باسمه "وزير القائد" حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما نقلت وسائل إعلام عراقية عن اللجنة المنظمة لتظاهرات التيار الصدري أنها علقت أعمالها.
كما أصدر مكتب الصدر توجيها لأنصار التيار الصدري، يمنعهم من التدخل في الأمور السياسية والحكومية والإعلامية ورفع الشعارات والأعلام والهتافات السياسية، أو استخدام أي وسيلة إعلامية بما في ذلك منصات التواصل الاجتماعي باسم "التيار الصدري".
ويعيش العراق انسدادا سياسيا منذ إجراء الانتخابات البرلمانية في أكتوبر الماضي، والتي فاز فيها التيار الصدري بالعدد الأكبر من المقاعد بـ74 مقعدا، قبل أن يستقيل نواب كتلته من البرلمان في يونيو الماضي، بتوجيه من مقتدى الصدر، بعد الفشل في تشكيل حكومة أو انتخاب رئيس للجمهورية.
وفي الثلاثين من يوليو الماضي اقتحم محتجون عراقيون أغلبيتهم من أنصار التيار الصدري، البرلمان العراقي وأعلنوا الاعتصام فيه، ردا على ترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء.
وكان "التيار الصدري" قد دعا السبت إلى إقصاء جميع الأحزاب والشخصيات التي شاركت في العملية السياسية منذ الغزو الأميركي للبلاد في 2003، بما في ذلك التيار الصدري نفسه.
وقال محمد العراقي، المقرّب من مقتدى الصدر، في بيان نيابة عن الصدر، إن هذا المطلب "أهم من حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة"، وهو المطلب السابق للتيار الصدري.
وأفاد البيان بأن "الأهم هو عدم إشراك جميع الأحزاب والشخصيات التي اشتركت بالعملية السياسية منذ الاحتلال الأميركي عام 2003 وإلى يومنا هذا، بكل تفاصيلها، قيادات ووزراء وموظفين ودرجات خاصة تابعة للأحزاب، بل مطلقا بما فيها التيار الصدري.. أقول ذلك وبملء الفم"، مضيفا "هذا، بدل كل المبادرات التي يسعى لها البعض، بمن فيهم الأمم المتحدة مشكورة".
ويستبق قرار الصدر قرارا مهما من القضاء العراقي، ينتظر غدا الثلاثاء، بشأن إمكانية حل البرلمان.
وكان الصدر وجه أتباعه وأنصاره المرابطين في احتجاجات المنطقة الرئاسية بتنظيم دعاوى رسمية تتضمن المطالبة بحل البرلمان، وتقديمها إلى القضاء حتى يتسنى للأخير التحرك "دستوريا" إزاء هذا الأمر.
وسيكون اعتزال الصدر للسياسة في هذا التوقيت الحساس بالعراق، مرحلة مفصلية في الأزمة الحالية.
ويأتي اعتزال الصدر في ظل انسداد الحلول السياسية للأزمة في البلاد، وقد أدت مقاطعة قوى سياسية عراقية بارزة ومنها التيار الصدري، لاجتماع كان مقررا عقده الخميس الماضي، برعاية رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إلى تأجيله إلى إشعار آخر، في خطوة تكشف مدى تعثر الحلول.
ويتضاعف القلق في الشارع العراقي من استمرار الأزمة السياسية الأطول في البلاد منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، بعد دخول الميليشيات والجماعات المسلحة الحليفة لإيران على خط الأزمة، بالاصطفاف مع قوى "الإطار التنسيقي" ضد "التيار الصدري" الذي تصدّر الانتخابات الأخيرة التي أجريت في العاشر من أكتوبر من العام الماضي.