"أنا يوسف يا أبي".. شخصيات تائهة على حافة الهاوية

عمان- تأتي رواية “أنا يوسف يا أبي” للكاتب الأردني باسم الزعبي لتلمس عددا من القضايا العامة والخاصة، فقد عرّجت على الهم الدولي والقضايا العربية الشائكة، كما اهتمت بالأسرة ومستجدات الانعزال التي أصّلت لها وسائل التواصل الاجتماعي، حتى غدا كل فرد من الأسرة مغلقا على عالمه.
تبدأ الرواية، الصادرة حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون”، بفقرة منفصلة وكأنها مقدمة؛ هي نفسها التي ينتهي بها آخر فصل في الأحداث، ويقول فيها الكاتب “تأمّل الصورة، بدت مألوفة، فيها شيء لا يستطيع تذكره، لكن يوسف يعرفه جيدا. اللقطة ذاتها، والقميص ذاته الذي تصوّر به مع أبيه في الصورة التي بقي يحتفظ بها طيلة سنوات عمره، تلك الصورة التي التقطتها ريمة”.
وبين فقرة البدء والختام أحداث وأحداث، وبحث عن هوية غير متكونة، واكتشاف لهوة أقدم عليها “محمد”، أحد أبطال الرواية، بوعي غير مكتمل، إثر قرار بين المراهقة والنضج، نتيجة لما تعرض له من ضغوط في حياته.
نقرأ في الرواية وصفا للبدايات بين “عون” (البطل الأول)، و”غالينا” (زوجته وأم أبنائه)، إنه شغف البدايات الذي يكتنف كل علاقة إنسانية في أول العهد وكأنه يؤرخ لميلاد ارتباط جديد بين روحين.
ومع تصاعد الأحداث يتبادل “محمد” و”عون” الأدوار، فيصبح “محمد” هو المسؤول عن نجاة والده، مثلما تصف الرواية “الحوار وضع محمدا أمام مسؤولية صعبة، لم يتوقعها يوما، هو الذي ظل طيلة حياته يرى في والده الرجل القوي الجبار، القادر على حل كل المشاكل، وتجاوز كل الهموم، الجاهز لتقديم المساعدة له في كل لحظة وحين… لم يحدث لوالده شيء سوى أنه فجأة أصبح محطما”.
وبين الأمواج التي تشتد حينا وتخفت حينا فتقذف بـ”محمد” من هوة إلى أخرى يبدأ إدراكه في النضوج فيرى الأمور على حقيقتها، فهو على حد تعبير المؤلف، بعد أن اختار لنفسه اسما آخر “كان يوسف صامتا يفكر طوال الطريق: ما الذي جاء بي إلى هنا؟ سأقاتل من؟ أنا لا أعرف ضد من سأقاتل اليوم؛ هل هو فصيل آخر منافس، أم الجيش السوري، أم الجيش الحر؟ في كل الأحوال لن يكون القتال ضد الأميركان أو ضد الروس أو الأتراك أو الإيرانيين، حتى الإيرانيين يجندون ميليشيات عربية من لبنان والعراق. يا لها من حرب قذرة”.
وتظل هناك قضية مصيرية تصحب “محمد” إلى خواتيم الرواية هي مأساته الخاصة، فيتساءل الزعبي على لسان محمد/ يوسف “كيف يمكن للإنسان أن يعيش باسمٍ آخر، باسم شخص حقيقي لم يعد على قيد الحياة؟ وهل يمكنه أن يعيش تفاصيل حياته؟ أن يصبح زوجا لزوجة الآخر، أبا لابنه، قريبا لأقاربه الذين لا يعرفهم، يحمل بطاقة هويته، لأنه يشبهه؟ إنهما صنوان، هل يمكن أن يعيش مشاعره؟ إنه في هذه الحالة يكون كمن يبيع روحه للآخر”.
كتبت الروائية سميحة خريس على الغلاف الأخير “ينضم الزعبي إلى جمعٍ من المثقلين بمهمة حمل الواقع كأنه صخرة سيزيف، لتكون هذه الرواية.. إنها إعادةُ سرد لما مرت به حياةُ يوسف، نموذج الشباب العربي الضائع، وهي عرض أمين لضياع جيل يبحث عن خلاصه وهويته، فهل يستطيع؟”، وأضافت “يكشف الروائي الانزياحات والانحرافات الفكرية والاجتماعية وظروفها، ويفكك مجمل العلاقات ليصل إلى عمق المسكوت عنه، في مواجهة صارخة وصريحة مع الراهن الذي يتفجر أحداثا دامية”.
ووفقا للناشر، تسير أحداث الرواية في خط زمني تصاعدي متوتر، وفي مدى محدود لا يتجاوز الخمس سنوات، لا يخلو من استرجاعات تكشف خلفية تلك الأحداث، وتؤثث الرواية بالتفاصيل، وتولّد حكايات تشكل بمجملها لبنات البناء الروائي، مضيفة قيمة لكل حدث. أما مكانيا فتتحرك الأحداث في أربعة أماكن رئيسة: الأردن، وروسيا، وسوريا، وتركيا، إضافة إلى الفضاء الافتراضي.
وعلى الرغم من أن الرواية تعرض عبر فصولها جميعا لكل المآسي التي مرت بالمنطقة خلال العقود الأخيرة من حروب وقعت على شعوبها، وفساد نخر مجتمعاتها، إلا أن المآسي لم تُصب أبطال الرواية باليأس، فهم لم يتوقفوا عن صناعة الحياة والأمل بما أتيح لهم من أدوات بسيطة.
ويخلص قارئ الرواية إلى أن شخصياتها لا تستكين لأزماتها، بل تقاوم بعد أن تصل إلى حافة الهاوية، لتنهض من جديد في فعلٍ يؤكد على تعلقها بالحياة وحقها بها.