أنا سائق أوبر.. من حقي أن أعرف من يسيّرني

استياء من تطبيق خفي يقود الموظفين ويتخذ قرارات الطرد دون مستندات ملموسة.
الأحد 2020/12/20
أين يأخذني هذا التطبيق العجيب؟

يطرح زخم اقتصاد الوظائف المؤقتة التي فرضها فايروس كورونا، مثل منصة التنقل “أوبر”، علاقات متشابكة بين السائق والتطبيق، حيث يطالب سائقون ومن ورائهم نقابات بالكشف عن الخوارزميات التي تحرك هذا التطبيق، مثل معايير اتخاذ القرارات في حالات الطرد.

لندن – يواجه سواق شركات “أوبر” في أنحاء العالم تحديات كثيرة نظرا للتشابك الحقوقي والتكنولوجي في أنشطتهم حيث لا يوفر التطبيق شفافية في البيانات تمكن السائق من معرفة من يسيّره، وليس هنالك طابع ملموس يبرر حالات الطرد بالنظر إلى استناد الشركة على معايير غير واقعية تعتمد على مراقبة البيانات وتحركات السواق.
وفي هذا السياق تزايدت شكاوى ومعاناة سواق شركة أوبر، وتحدث عدد منهم عن فصول من معاناتهم اليومية.

يقول عبد الرزاق هادي، وهو سائق شركة أوبر في لندن، على حسابه الخاص إنه ليس مدير نفسه لأن “سير العمل يتحدد من خلال خوارزمية غامضة”.

وأكد هادي أنه لا يستطيع تحسين العمل وكسب المزيد من المال، ما دفعه إلى اتباع الإجراءات القانونية ضد أوبر، والتي يمكن أن تشكل سابقة لجميع العاملين في اقتصاد الوظائف المؤقتة. وقال هادي، البالغ من العمر 41 عاما “لا أعرف ما الذي يحدث، يمكنني فقط رؤية ما يقدمه لي التطبيق”.

وكان هادي واحدا من بين 10 سائقين رفعوا دعاوى قضائية ضد أوبر، مطالبين بالوصول الكامل إلى بياناتهم الشخصية وإلقاء نظرة على طريقة عمل خوارزميات الشركة، وهي قضية يقول المحامون إنها يمكن أن تحسّن من ظروف عمل الملايين في هذه الوظائف في أوروبا.

تعد أوبر جزءا من الشركات التي تعتبر نفسها “منصات”، أين يمكن للعمال الحصول على عمل بطريقة مرنة وفقا لشروطهم الخاصة. وتزدهر خاصة لأن ارتفاع معدلات البطالة يدفع المزيد من الأشخاص إلى اقتصاد الوظائف المؤقتة.

وتعدّ الدعوى المرفوعة في يوليو الماضي واحدة من اثنتين ضد أوبر في هولندا التي تحتضن مقر الشركة الأميركية الدولية. بينما تواجه شركات أخرى شكاوى مماثلة من عمال الوظائف المؤقتة بشأن حقوق البيانات.

تأتي الدعاوى القضائية في الوقت الذي توسعت فيه حركة عالمية غير رسمية لعمال الوظائف المؤقتة في ظل جائحة فايروس كورونا، حيث نظم السائقون وعمال التوصيل من الولايات المتحدة إلى الهند إضرابات للمطالبة بتحسين الأجور وظروف العمل.

قال ماثيو فيني، وهو مدير مشروع التقنيات الناشئة في معهد كاتو بواشنطن، إن الأشخاص الذين أصبحوا عاطلين عن العمل بسبب الإغلاق الاقتصادي لجأوا إلى أجزاء مزدهرة من القطاع، مثل خدمات توصيل الطعام. وهذا أمر جيد خلال هذه الأوقات الاقتصادية الصعبة لأن اقتصاد الوظائف المؤقتة يوفر للبعض طريقة مناسبة لكسب بعض المال.

يقول باحثون ودعاة إن الوباء ضاعف من مستوى المراقبة التي يخضع لها العمال في جميع أنحاء العالم، مع سلسلة من التطبيقات والبرامج التي تقيس مدى إنتاجيتهم أو ما يحصلون عليه.

قال جيريمايا آدامز براسل، الباحث في جامعة أكسفورد الذي يركز على اقتصاد الوظائف المؤقتة، لرويترز في مقابلة عبر الهاتف “يمكن لأوبر كتابة برامج في كاليفورنيا والتحكم في السائقين من جاكرتا إلى كيب تاون”.

حفزت هذه المخاوف مجموعة متزايدة من الأبحاث التي تحلل كيفية عمل تطبيقات اقتصاد الوظائف المؤقتة على أجهزة العمال، ما يسمح للأشخاص مثل هادي بالسعي إلى المزيد من التحكم في بياناتهم.

وقال المحامي الهولندي الذي يمثل السائقين، أنطون إيكر “إنهم يعالجون البيانات في أوبر، ويمكنهم استخدامها لتتبع السلوك. ويعتمد السائقون بشكل كبير على أوبر في عملهم، وليس لديهم أي قدرة على المساومة”.

وقال المتحدث باسم أوبر، ريك جانسي كوك، إن “فرق الخصوصية لدينا عملت بجد لمعالجة جميع البيانات والمعلومات المطلوبة من هؤلاء السائقين”.

وأضاف في تعليقات عبر البريد الإلكتروني أن الشركة تستخدم “مؤشرات واقعية” لمطابقة اتجاه سير السائقين مع الركاب، مثل القرب واتجاه السفر وأي تفضيل للرحلات.
تعهدت أوبر بتحسين جودة عمل المنصة وأمنها، بما في ذلك إتاحة آلية تقدير أرباحها لدى أكثر من 40 في المئة من السائقين الأميركيين الناشطين في أكثر من 30 مدينة بحلول نهاية العام.

اقتصاد الوظائف المؤقتة

جيريمايا آدامز: يمكن لأوبر كتابة برامج في كاليفورنيا والتحكم في السائقين من جاكرتا إلى كيب تاون
جيريمايا آدامز: يمكن لأوبر كتابة برامج في كاليفورنيا والتحكم في السائقين من جاكرتا إلى كيب تاون

قبل الوباء، كان من المتوقع أن يزداد حجم اقتصاد العمال المؤقتين من 43 مليون عامل في 2018 إلى 78 مليونا في 2023، وفقًا لتقرير صادر عن شركة ماستركارد الدولية.

وعلى الرغم من أن الخبراء يؤكدون صعوبة قياس حجم القطاع خلال الجائحة، إلا أن تقريرا صدر في يونيو عن وكالة الأبحاث غارتنر انتهى إلى أن ما يقرب من ثلث أصحاب العمل يستبدلون العاملين بدوام كامل بعاملين ومتعاقدين.

لكن نمو القطاع السريع أدى إلى زيادة التدقيق من جانب الجماعات الحقوقية في شكاوى العمال بشأن ظروف العمل. ويقول عمال أوبر الذين يتخذون إجراءات قانونية في هولندا إن الشركة تصنّف السائقين وفقا لعدد من المعايير التي تعتمد عليها الخوارزميات التي تخصص للوظائف.

قال هادي إن الوصول إلى هذه البيانات يعدّ أساسيا للسائقين لاتخاذ قرارات حول أفضل طريقة لإدارة أعمالهم، مثل مكان وموعد اختيار الركاب، أو ما إذا كان الأمر يستحق الحصول على قرض لاقتناء سيارة جديدة.

لكن طلبات المعلومات التي قدمها السائقون إلى أوبر بموجب لوائح البيانات الأوروبية أسفرت عن القليل من البيانات، كما يقول المدعون، الذين يطلبون من محكمة مقاطعة أمستردام إجبار الشركة على تسليم أي بيانات عنهم سعت إلى الحصول عليها والكشف عن كيفية استخدامها.

وحسب جانسي كوك، “أرسلت المعلومات التي يحق للسائقين الحصول عليها على الفور ولكننا لن نشارك في أي بيانات من شأنها أن تنتهك حقوق الركاب، مثل تقييمات كل راكب والتعليقات والشكاوى”.

واجهت شركات أخرى شكاوى مماثلة من العمال حول جمع البيانات وكيفية استخدامها.

في أكتوبر الماضي، واجهت منصة التوصيل المملوكة لمتاجر تارغت الأميركية رد فعل عنيف بعد أن غيرت الطريقة التي تحدّد بها أجور السائقين، إذ تحوّلت إلى نظام يعتمد على خوارزمية تقول الشركة إنها تقيس الجهد الذي يبذله العمال في الوظيفة.

قال ويلي سوليس، العامل في المنصة التي تدعى “شيبت” من دالاس بولاية تكساس، عبر الهاتف “يقولون إنهم يدفعون مقابل الجهد، لكننا لا نعرف ما الذي يقيسونه حقا”.
أكّدت شيبت في تعليقات عبر البريد الإلكتروني إن نظام الدفع الجديد لم يغير متوسط أجر العمال، وأن لديهم خيار القبول أو الرفض عند مراجعة الطلب.

الطرد الإلكتروني

سائقو أوبر يطالبون بالوصول الكامل إلى بياناتهم الشخصية والنظر في طريقة عمل خوارزميات الشركة
سائقو أوبر يطالبون بالوصول الكامل إلى بياناتهم الشخصية والنظر في طريقة عمل خوارزميات الشركة

قال آدامز – براسل من جامعة أكسفورد إن الخوارزميات تُستخدم بشكل متزايد لتحديد معدلات الأجور ولاتخاذ قرارات التوظيف والفصل التي يمكن أن تؤدي إلى قرارات أكثر عدلا.

وأوضح “لدينا أدلة تجريبية غير محدودة على أن تحديد المدراء البشريين للأجور أمر رهيب. انظر إلى التفاوت في الأجور بين الجنسين. يمكنك تصور أن يقوم النظام الآلي بعمل أفضل أو أكثر عدلا”.

لكنه أضاف أن هذا الاتجاه يثير مخاوف بشأن الشفافية والتمييز أيضا.

في أكتوبر الماضي، رفع إيكر دعوى قضائية ثانية يتهم فيها أوبر بالطرد الروبوتي، وهي ممارسة تجعل الخوارزميات تتخذ قرارات الفصل وحدها. ويقول إنها غير قانونية بموجب النظام الأوروبي العام لحماية البيانات.

وتضم القضية أربعة سائقين آخرين من بريطانيا والبرتغال يقولون إن أوبر طردتهم دون حق في طلب الاستئناف بعد أن “اكتشفت الخوارزمية نشاطا احتياليا”، وهو ما ينفيه السائقون.

ويطلب السائقون من محكمة هولندية إلغاء عمليات الفصل، بحجة أنهم لم يتلقوا سوى تفسير بسيط للطرد ولم يتم تزويدهم بأدلة داعمة.

وقال ياسين أسلم، رئيس الاتحاد البريطاني للسائقين والناقلين، الذي يدعم دعوى السائقين “إننا نشهد نموذجا عن عالم العمل الأورويلي حيث لا يتمتع العمال بحقوقهم وتتم إدارتهم بواسطة آلة”.

أنكرت أوبر أن الطرد روبوتي، قائلة “يقوم اثنان من أعضاء فريق أوبر المدربين بمراجعة جميع الحقائق والظروف في كل حالة قبل الوصول إلى نتيجة قرار بإلغاء ملف السائق في أوروبا أم لا”. وقال إيكر إن الحالتين يمكن أن “تشكلا سابقة للسائقين الآخرين وللمنصات الأخرى وجميع الأشخاص في هذا الاقتصاد”.

قال آدامز – براسل إن الآليات التكنولوجية التي طورتها منصات العمل الجماعي لإدارة عمالها بطريقة جماعية تنتشر لتستخدم في أجزاء أخرى من الاقتصاد.
وتابع “نشهد استخدام البيانات الضخمة في الموارد البشرية، في التوظيف، والطرد، والاستبقاء”.

وشهدت شركة باثلايت الأميركية الناشئة التي تسمح لمراكز الاتصال بإدارة الموظفين من خلال خوارزمية تعيّن درجات للموظفين بناء على الأداء، ازدياد قدرتها ثلاثة أضعاف في الاستخدام العالمي منذ الوباء.

قال المدير التنفيذي ألكسندر كفامي إنه يقيس مؤشرات مثل سرعة تحرك العمال خلال المهام. ويمكن لكل من العمال والرؤساء رؤية النتيجة في الوقت الفعلي، ما يسمح للعمال بالتكيف بسرعة لتلبية توقعات مديريهم.

وتابع في مقابلة هاتفية “يكمن هدفنا في تمكين العاملين في الخطوط الأمامية من السيطرة على الوضع”.

في الهند، ألزمت منصات الخدمات الرئيسية السائقين بتثبيت التطبيق الوطني لتتبع جهات الاتصال مع مرضى كوفيد – 19.

في يونيو الماضي، حذر الاتحاد الهندي لعمال النقل المعتمد على التطبيقات من إمكانية استخدام البيانات “بطريقة انتقامية أو استغلالية”، بما في ذلك لاستهداف العمال الذين قد يحاولون تكوين نقابات، من خلال تتبع وقت اجتماعهم مع بعضهم البعض.

قال أورفاشي أنيجا، مؤسس مجموعة التكنولوجيا والسياسة “تاندم ريسيرش” في غوا بالهند “الآن وبسبب الوباء، إنك تعاني من تتبع الموقع طوال الوقت بغض النظر عما إذا كنت تعمل أم لا”.

وتقول الشركات إن هذا مبرر لأسباب تتعلق بالسلامة.

قال تطبيق توصيل الطعام الهندي زوماتو في تعليقات عبر البريد الإلكتروني إن “الفكرة هي إبقاء الأفراد، وكذلك السلطات، على اطلاع في حال مرّ شركاؤنا في التوصيل عبر شخص أثبتت إصابته بفايروس كورونا”.

تحاول بعض المجموعات مساعدة العاملين في الوظائف المؤقتة على استخدام أدوات المراقبة لصالحهم.

ويعمل دان كالاتشي، وهو باحث في معمل الوسائط التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، على بناء أدوات تقنية لتحليل كيفية عمل تطبيقات اقتصاد الوظائف المؤقتة على أجهزة العمال.

وقال “بهذه الطريقة، يمكن لمنظمي العمل، أو العمال أنفسهم، رؤية المعلومات التي تجمعها التطبيقات عنهم واتخاذ قرارات أفضل”.

ونجح كالاتشي في ترميز برنامج شاتبوت مجانيا لعمال شيبت، ما سمح لهم بتحليل رواتبهم تلقائيا في ظل نظام الدفع الخوارزمي الجديد لحساب التغيير في معدل الأجور.

وكجزء من طلب البيانات في هولندا، يطلب هادي وزملاؤه نقل المعلومات من أوبر مباشرة إلى صندوق بيانات أنشأه اتحادهم لبناء قوة تفاوضية جماعية. قال مدير الصندوق، جيمس فارار، إن “الصندوق، الذي تأسس في 2019، يهدف إلى تجميع البيانات من العاملين عبر منصات مختلفة وتحليلها لإبلاغ المزيد من الإجراءات القانونية”.

وأكّد أن نظرة على مقدار ما يجنيه السائقون في الساعة التي يقضونها على الطريق يمكن أن تُغذّي مطالبات الحد الأدنى للأجور.

يقول هادي إن راتبه انخفض بنسبة 30 في المئة منذ 2014، ويتقاضى الآن في المتوسط أقل من الحد الأدنى للأجور في بريطانيا البالغ 8.72 جنيهات إسترلينية (11.70 دولارا) في الساعة.

وحسب كوك “يختار السائقون العمل بطرق مختلفة جدا وهذا ما يُصعّب تحديد ما يكسبه سائق معين في أي وقت”.

أظهرت دراسة حديثة شاركت فيها الشركة مع جامعة أكسفورد أن السائقين في لندن كانوا يتقاضون راتبا “أعلى بكثير من الحد الأدنى للأجور، بمعدل 11 جنيهاً للساعة بعد دفع التكاليف”.

حقوق العمال

تطبيق ينتشر في دول كثيرة
تطبيق ينتشر في دول كثيرة

قال فارار إن الرؤى المتعلقة بمعالجة البيانات يمكن أن تستخدم للقول بأن العاملين هم موظفون وليسوا مقاولين.

وفازت شركات القطاع في كاليفورنيا في نوفمبر الماضي، بعد إجراء مدعوم من الصناعة يعرف باسم بروب، حيث نجح 22 في اجتياز تصويت على مستوى الولاية، ما عزز مناصب العمال كمقاولين مستقلين.

ومع ذلك، قضت محكمة العمل في بريطانيا في 2016 بحق سائقي أوبر في التمتع بحقوق العمال مثل الإجازات مدفوعة الأجر وإجازات الراحة في قضية رفعها فارار هي اليوم أمام المحكمة العليا في البلاد.

في سبتمبر الماضي، قضت المحكمة العليا الإسبانية بأن ركاب تطبيق غلوفو لتوصيل الطعام ومقره برشلونة هم موظفون وليسوا مستقلين.

قال فارار إن تقديم مثل هذه الحالات أصبح صعبا مع الأتمتة، إذ يتم إخفاء قرارات الإدارة خلف رموز الخوارزميات.

في نوفمبر الماضي، أعلن مؤتمر النقابات العمالية البريطاني أنه سيطلق فريق عمل للذكاء الاصطناعي للضغط من أجل المزيد من الشفافية والتحقيق في التمييز التكنولوجي المحتمل في مكان العمل.

وفي لندن، قال هادي، إن الوباء قلل من الزبائن. ويأمل أن تمنحه الدعوى القضائية وسيلة لفهم كيفية تحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية دون خسارة المال.

17