أمير قطر يندد بانتقادات حقوقية ويصفها بـ"افتراءات"

الدوحة – تسعى قطر منذ فترة ليست بالقصيرة إلى التشكيك في الانتقادات الأوروبية بشأن معاملتها للعمال الأجانب وحقوق النساء والمثليين، ليخرج أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الثلاثاء ويدافع عن بلاده، معتبرا أنها تتعرض لـ"حملة غير مسبوقة" من "الافتراءات" و"ازدواجية المعايير" بسبب استضافتها مونديال 2022، الذي تنطلق مبارياته في الإمارة في غضون أقلّ من شهر.
وقبل 26 يوما من موعد صافرة انطلاق المونديال الأكثر تكلفة على الإطلاق، تجد قطر نفسها أمام سيل متعاظم من الانتقادات والهجمات، بسبب مواضيع شتّى تتراوح من مناخ الإمارة الحارّ ومجتمعها المحافظ إلى سجلّها في مجال الحريّات وحقوق الإنسان، ولاسيما حقوق المرأة والعمّال المهاجرين.
وفي خطاب ألقاه في افتتاح عقد مجلس الشورى، قال الشيخ تميم "منذ أن نلنا شرف استضافة كأس العالم، تعرّضت قطر إلى حملة غير مسبوقة لم يتعرّض لها أيّ بلد مضيف".
وأضاف "لقد تعاملنا مع الأمر بداية بحسن نية، بل واعتبرنا أنّ بعض النقد إيجابي ومفيد يساعدنا على تطوير جوانب لدينا تحتاج إلى تطوير".
وفي انتقاده العلني النادر هذا، أعرب الشيخ تميم عن أسفه لأنّ "الحملة تتواصل وتتّسع وتتضمّن افتراءات وازدواجية معايير، حتى بلغت من الضراوة مبلغا جعل العديد يتساءل للأسف عن الأسباب والدوافع الحقيقية من وراء هذه الحملة".
وبذلت السلطات القطرية جهودا حثيثة لدحض الاتّهامات الموجّهة إليها، مذكّرة خصوصا بأنّها أجرت في السنوات الأخيرة إصلاحات لقوانينها.
ولفت الشيخ تميم في كلمته إلى أنّ قطر شهدت "نهضة تشريعية استكملت بموجبها قوانين أساسية تنظم مختلف أوجه الحياة والمعاملات في الدولة".
وإذ اعتبر أمير قطر أنّ "النقد مفيد فقط إذا كان قائما على معلومة صحيحة وعلى فهم للسياقات"، شدّد على أنّ "استضافة كأس العالم تجمع بين عناصر عدّة" وتحدّيات، من بينها "الانفتاح الحضاري والثقافي".
وأكّد الشيخ تميم أنّ استضافة بلاده لكأس العالم في كرة القدم هي "مناسبة نُظهر فيها من نحن، ليس فقط لناحية قوة اقتصادنا ومؤسّساتنا بل أيضا على مستوى هويتنا الحضارية".
وأضاف "هذا امتحان كبير لدولة بحجم قطر التي تثير إعجاب العالم أجمع بما حقّقته وتحقّقه".
وهذا الأسبوع نفت الدوحة بشدّة صحّة تقرير نشرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، واتّهمت فيه قوات الأمن القطرية باعتقال أفراد من مجتمع الميم وإساءة معاملتهم.
ويجرّم القانون القطري المثلية الجنسية، إلا أنّ المنظّمين شدّدوا على أنّ "الجميع مرحّب بهم" خلال المونديال.
وأنفقت الدولة الثرية بالغاز عشرات المليارات من الدولارات لبناء الأستادات وسائر المنشآت والبنى التحتية اللازمة لاستضافة الحدث الكروي الأبرز في العالم، وهي اليوم تخوض سباقا مع الزمن لإنجاز الأعمال المتبقية قبل انطلاق المونديال.
ويتوقّع أن يتدفّق إلى الإمارة الصغيرة البالغة مساحتها 11571 كلم مربّع، أكثر من مليون زائر خلال المونديال، الذي تجري مبارياته على مدى 29 يوما.
وتركّز القسم الأكبر من الاتهامات الموجّهة إلى قطر على حقوق العمال الأجانب الذين شيّدوا المنشآت والبنى التحتية في الإمارة.
وفي قطر أكثر من 2.5 مليون أجنبي من أصل إجمالي عدد السكان البالغ 2.9 مليون نسمة.
وما انفكّت نقابات دولية للدفاع عن حقوق العمال تندّد بظروف العمل في مواقع البناء في قطر، بدءا بمعايير السلامة ومرورا بساعات العمل في درجات حرارة الصيف الحارقة، وصولا إلى تعويض العمال الذين قضوا أو أصيبوا بجروح في العمل.
وإذ شدّد الشيخ تميم على أنّ "قطر حاليا أشبه بورشة عمل في التحضير والتجهيز للمناسبة"، ذكّر بأنّها المرة الأولى التي ستستضيف فيها دولة عربية هكذا مناسبة.
وقال "لقد قبلنا هذا التحدّي (...) إدراكا منّا لأهمية استضافة حدث كبير مثل كأس العالم في الوطن العربي".
وأضاف "هي بطولة للجميع، ونجاحها نجاح للجميع".
وتطالب منظمات حقوقية في مقدّمتها "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية" كلا من الدوحة والفيفا ببذل المزيد من الجهود لدفع تعويضات لهؤلاء العمّال، من خلال إنشاء صندوق تعويضات بقيمة 440 مليون دولار، أي ما يعادل جائزة كأس العالم.
لكنّ الإصلاحات الكثيرة التي قامت بها الدوحة قوبلت بإشادة من قبل نفس النقابات الدولية التي شنّت في السابق هجمات قوية ضدّ الدوحة.
وفي أعقاب زيارة قام بها هذا الأسبوع، قال لوكا فيسينتيني، الأمين العام لاتّحاد النقابات الأوروبية، إنّ "هناك المزيد من العمل الذي يتعيّن على الدوحة القيام به في مجال الإصلاحات، لكن ينبغي النظر إلى قطر على أنّها 'قصة نجاح'".
وأضاف "كأس العالم كانت بلا شك فرصة لتسريع التغيير، ويمكن لهذه الإصلاحات أن تشكّل مثالا جيّدا لتطبيقه في دول أخرى تستضيف أحداثا رياضية كبرى".
ودافع رئيس الاتّحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" جياني إنفانتينو عن قطر، مؤكّدا أنّ هذه النسخة من المونديال ستكون "الأفضل على الإطلاق، داخل الملعب وخارجه".
وتواجه قطر الكثير من التحديات، منها ما يتعلق بالتنوع العرقي والديني لجماهير المونديال، ومنها ما يتعلق بسلوكيات جنسية لفئات معينة مرفوضة من المجتمع القطري ولا تتماشى مع خصوصياته الدينية والأخلاقية كـ"مجتمع الميم"، وهو أمر يثير جدلا وكذلك دعوات من قبل منظمات دولية حقوقية تطالب الدوحة باحترام "الخصوصية الجنسية" لمجتمع الميم.
وفي حادثة جاءت بعد خطاب أمير قطر قد تفاقم الضغوط الحقوقية الدولية على الدوحة، أوقفت الشرطة القطرية اليوم الثلاثاء احتجاجا فرديا نظمه الناشط البريطاني بيتر تاتشل المؤيد لـ"حقوق مجتمع الميم" أمام المتحف الوطني للدولة الخليجية التي تستضيف نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم الشهر المقبل.
ووقف تاتشل الذي نظم احتجاجا مشابها قبل كأس العالم 2018 في روسيا، لأكثر من ساعة مرتديا قميصا يحمل عبارة معناها قطر مناوئة للمثليين، ويرفع لافتة كتب عليها "قطر تعتقل مجتمع الميم وتجبرهم على التحول عن ميولهم".
ووصل ضابطا شرطة بالزي الرسمي وثلاثة مسؤولين بملابس مدنية إلى مكان الاحتجاج. وقاموا بطي لافتة تاتشل وتصوير جواز السفر ووثائق أخرى يحملها، بالإضافة إلى وثائق رجل يرافقه. وغادرت الشرطة بعد مصافحة تاتشل الذي ظل على الرصيف.
وأبدى بعض نجوم كرة القدم مخاوفهم بشأن المشجعين الذين سيسافرون إلى قطر لحضور الحدث، وخصوصا أفراد مجتمع الميم والسيدات، الذين تقول جماعات حقوقية إن القوانين القطرية تنطوي على تمييز ضدهم.
ويقول منظمو الحدث في قطر الذي سيكون أول بطولة لكأس العالم تقام في دولة بالشرق الأوسط، إن الجميع، بغض النظر عن ميولهم الجنسية أو خلفياتهم، محل ترحيب مع التحذير أيضا من إظهار المشاعر على الملأ.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش الاثنين إن قوات الأمن القطرية اعتقلت قطريين من مجتمع الميم وأساءت معاملتهم في الشهر الماضي.
وقال مسؤول قطري في بيان إن مزاعم هيومن رايتس ووتش "تحوي معلومات خاطئة بشكل قاطع ولا لبس فيه".