أمير قطر في واشنطن كمنقذ لأوروبا في مواجهة روسيا

رهان أوروبي على الدور القطري لتجاوز الأزمة المرتقبة مع روسيا رغم ضعف إمداداتها الاحتياطية.
الخميس 2022/01/27
الدوحة تريد تلميع صورتها بالتقرب من واشنطن

الدوحة- تمنعت قطر عن التجاوب مع دعوات ضخ الغاز إلى الأسواق، وكانت تقدم الحجج التجارية من قبيل أنها لا تستطيع تغيير عقود طويلة الأمد مع عملائها لتلبية مطالب أميركية وأوروبية عاجلة، لتكسب سياسيا من خلال تقديم أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني نفسه كمنقذ في مرحلة حرجة من المواجهة في أخطر منطقة عالميّا كانت دومًا نقطة اشتعال.

وتقول قطر إنها لا تقدر على ضخ كميات جديدة في الأسواق، وإنها ترتبط بعقود طويلة الأمد مع العملاء، وتحتاج إلى من يقنعهم بوجوب تجاوز تلك العقود أو تعديلها، وهو الدور الذي تَعْرض الولايات المتحدة لعب دور الوساطة فيه خلال زيارة أمير قطر إلى واشنطن.

ويرى متابعون لأزمة الغاز أن تحجج الدوحة بالتزاماتها المسبقة، بدل الاستجابة الفورية، يعكس موقفا ذكيا يرفع عنها الحرج من جهة ضخ كميات إضافية، ومن جهة ثانية يمنع أي توتر في علاقتها بروسيا ويرسل إليها رسالة مفادها أن الدوحة لا تسعى لوضع اليد على جزء من حصتها في السوق الأوروبية.

وتقول تقارير إن أمير قطر، الذي سيزور الولايات المتحدة الاثنين القادم، سيناقش خلال لقائه الرئيس الأميركي جو بايدن مسألة تزويد أوروبا بالغاز في حال قررت روسيا وقف إمداداتها بسبب التصعيد الحاصل في الملف الأوكراني.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية تواصلت الإدارة الأميركية مع الدوحة ومنتجي طاقة رئيسيين آخرين لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم تقديم المساعدة إذا شنت روسيا هجوما على أوكرانيا وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على موسكو.

ويشير المتابعون إلى أن الحاجة إلى قطر في إنقاذ أوروبا من بوابة إمدادات الغاز قد توفر للشيخ تميم، الذي سيكون الزعيم الخليجي الأول الذي يلتقي به بايدن منذ استلامه الحكم، فرصة لإثبات أن بلاده حليف يمكن للإدارة الأميركية الرهان عليه على المدى البعيد، خاصة بعد الدور الذي لعبته في أفغانستان بفتح قنوات التواصل مع حركة طالبان والمساعدة على ترشيد سلوكها.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتلقى فيها القطريون دعوات ملحة من أوروبا بشأن توريد الغاز تحسبا لتوتر العلاقة مع روسيا، فقد سبق أن تواصلت الحكومة البريطانية مع قطر في مسعى للتوصل إلى صفقة غاز طويلة الأمد تجعل منها “مورد الملاذ الأخير”.

ويقلل الخبراء في مجال الغاز من حجم الرهان الأوروبي على الدور القطري لتجاوز الأزمة المرتقبة مع روسيا، محذرين من أنه ليس لدى الدوحة الكثير من الإمدادات الاحتياطية لتوجيهها بشكل سريع إلى أوروبا، إذ يتم التعاقد على معظم الكميات في صفقات طويلة الأمد.

وقالت مصادر لرويترز إنه “ينبغي على الولايات المتحدة أو غيرها إقناع عملاء الغاز القطري بوجوب السماح بإعادة توجيه الغاز المخصص لهم إلى أوروبا كحل قصير الأمد”.

والأحد قالت وكالة بلومبيرغ الأميركية إن مباحثات الرئيس بايدن مع أمير قطر ستتناول “إمكانية تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي المسال”.

ونقلت الوكالة عن مصادر مطلعة قولها إن “الإدارة الأميركية ستبحث مع قطر إمكانية تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي المسال، في حال غزت روسيا أوكرانيا ونقصت إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا”.

وعلى المدى البعيد تتوقع قطر أن ترتفع صادراتها من الغاز الطبيعي المسال ارتفاعا كبيرا. لكنّ مصدرا قال إنه “من أجل ضمان أمن الطاقة يجب على الاتحاد الأوروبي التفكير في الالتزام بعقود طويلة الأمد للغاز الطبيعي المسال لتجنب صدمات الإمدادات في المستقبل”.

أوليفييه دورغان: هامش المناورة ليس نفسه إطلاقًا بالنسبة إلى أوروبا

ويمثّل الغاز الروسي أكثر من 40 في المئة من واردات الغاز الأوروبية وقد يؤدي نضوبه -جراء عقوبات غربية أو إجراءات روسية مضادة- إلى زيادة أكبر في تعرفة الطاقة لدى الملايين من الأسر.

ويرى المحامي المتخصص في العقوبات الاقتصادية أوليفييه دورغان أن “هامش المناورة ليس نفسه إطلاقًا بالنسبة إلى أوروبا” مقارنة بالولايات المتحدة، مشيرًا إلى وجود خطر “أن تعاقب أوروبا نفسَها”.

من جهته يشير مدير معهد “بروغل غونترام وولف” إلى أن “هناك احتياطات أوروبية” لكنها لا تؤمّن الحاجات سوى “لبضعة أسابيع”. واعتبر أن “الاحتياطات ستنفد وسيكون إذًا من الصعب جدًا تعويض واردات الغاز الروسي بنسبة 100 في المئة بغاز من قطر أو من دول منتجة أخرى”.

وحذرت روسيا الأربعاء من أن فرض عقوبات على الرئيس فلاديمير بوتين شخصيا لن يضره بل ستكون له “عواقب مدمرة سياسيا” بعد أن قال بايدن إنه سيبحث مثل هذه الخطوة إذا غزت روسيا أوكرانيا.

وتخشى بعض الدول الأوروبية أن يؤدي فرض عقوبات قاسية على موسكو إلى إلحاق الضرر باقتصادياتها لأنها قد تدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى قطع أو تقليص إمدادات الغاز خلال منتصف الشتاء.

ومؤخرا وجهت الدول الغربية اتهامات إلى روسيا بشأن حشد قواتها قرب الحدود الأوكرانية، فيما هددت واشنطن بفرض عقوبات على روسيا في حال “شنت هجوما” على أوكرانيا.

ومن جهتها رفضت روسيا الاتهامات بشأن تحركات قواتها داخل الأراضي الأوكرانية، ونفت وجود أي خطط “عدوانية” لديها تجاه أوكرانيا.

ورغم فرض عقوبات أوروبية بعد ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، لا تزال موسكو خامس أكبر سوق تصديرية بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، مع صادرات بقيمة 81.5 مليار يورو من يناير حتى نوفمبر 2021. وهي أيضًا ثالث أكبّر مورّد للقارة العجوز بعد الصين والولايات المتحدة، بحسب هيئة “يوروستات” الأوروبية للإحصاءات، وقد بلغت قيمة الواردات الروسية 142 مليار يورو في الأشهر الـ11 الأولى من العام الماضي.

وأقرّت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين في مؤتمر خلال منتدى الاقتصاد العالمي في 20 يناير الحالي بأن “هذه العلاقة التجارية مهمّة بالنسبة إلينا”. وجاء تصريحها في سياق تصاعد التوترات بين الغرب وروسيا وفي وقت أطلقت موسكو مناورات عسكرية على الحدود مع أوكرانيا.

 

1