أمير قطر في موسكو للعب دور "الوسيط الشامل" لحل الأزمات

موسكو – تعكس زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى روسيا رغبة الدوحة في توسيع دائرة وساطتها لتشمل ملفات أخرى مثل الحرب في أوكرانيا وعلاقة روسيا بسوريا والوجود التركي هناك، لتلعب الدوحة بذلك دور “الوسيط الشامل” خاصة مع اقتراب وساطتها في غزة من نهايتها.
ولا يريد القطريون، الذين تعودوا على الأضواء، أن يقف دورهم عند انتهاء الوساطة بين حماس والإسرائيليين، وقبلها بين طالبان والأميركيين، ولذلك يشحنون دبلوماسيتهم على نطاق أوسع في ظل وجود أزمات كبرى تنتظر تدخّل وسطاء أثبتوا مطاولتهم وصبرهم إلى أن يتم الوصول إلى نتيجة، ومنهم قطر.
وتوجد على رأس هذه الأزمات أزمة أوكرانيا التي سيجد القطريون طريق الوساطة فيها مفتوحا؛ فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتقبل دور قطر، والأوكرانيون يبحثون عن وسيط منقذ، أيا كان. كما أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يمانع في تولّي قطر مهمة الوساطة في الملف.
أمير قطر لا يحصر زيارته إلى موسكو في الملف الأوكراني، وسيكون الملف السوري عنصرا رئيسيا على طاولة اللقاء مع بوتين
وتخدم الظروف قطر لتأخذ فرصتها في لعب دور الوسيط بين موسكو وكييف، خاصة أن وسطاء آخرين بدأوا ولم يستكملوا مثل السعوديين، الذين استقبلوا محادثات أميركية وروسية حول أوكرانيا، واستضافوا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
فالمحاولة السعودية توقفت عند منتصف الطريق رغم أن الأطراف المتدخلة في الملف تفاءلت وتوقعت نجاح الرياض في الوصول إلى نتيجة. وجرى حديث عن قمة بين ترامب وبوتين في المملكة، وعن لقاءات روسية – أوكرانية مباشرة للتوصل إلى تسوية شاملة.
كما تبددت جهود أخرى في قضايا أصغر مثل تبادل أسرى بين روسيا وأميركا، أو روسيا وأوكرانيا، من دون التأثير المباشر في مسار الحرب.
وقالت روسيا وقطر إن بوتين سيبحث مع الشيخ تميم خلال اجتماعهما في موسكو الخميس الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب في أوكرانيا.
وتحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرارا عن رغبته في إنهاء “حمام الدم” في الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات في أوكرانيا. غير أن موسكو قالت إنه ليس من السهل الاتفاق على تسوية، وهو ما يدفع إلى التساؤل عما إذا كان أمير قطر سينجح في تحقيق اختراق في الملف من شأنه أن ينهي الحرب.
ولا يحصر أمير قطر زيارته إلى موسكو في الملف الأوكراني فقط، فهناك مؤشرات على أن الملف السوري سيكون عنصرا رئيسيا على طاولة بوتين والشيخ تميم الذي استقبل قبل تحوله إلى موسكو الرئيس السوري أحمد الشرع. ولا شك أن تزامن الزيارة مع السفر إلى روسيا لم يكن من قبيل الصدفة.
ويرى مراقبون أن الدوحة هي الطرف الأقرب إلى فتح قنوات تواصل بين موسكو ودمشق على قاعدة واضحة؛ فلديها علاقة خاصة مع القيادة السورية الجديدة مأتاها الدعم السخي الذي قدمه القطريون إلى الثورة السورية على مدى أكثر من عشر سنوات، فضلا عن مسارعتها إلى مساعدة حكومة الشرع على تجاوز مسائل حيوية مثل قضية الكهرباء. وأضاف الشرع خلال لقائه الشيخ تميم في الدوحة مساء الثلاثاء “لن ننسى لدولة قطر موقفها الصادق ودعمها الثابت للشعب السوري.”
ويعتبر الروس أن القطريين سيكونون أكثر تعاونا في حل مشكلة القواعد الروسية مع حكومة الشرع، على عكس الوسيط التركي الذي راهنت عليه موسكو بعد سقوط بشار الأسد. ولعل تركيا أسهمت في تعقيد وضع الوجود الروسي في سوريا بسبب حرصها على الاستئثار بقواعد في البلد.
وتشحن قطر دبلوماسيتها على نطاق واسع، فقبل التوجه إلى روسيا استقبل الشيخ تميم، بالإضافة إلى الشرع، الرئيس اللبناني جوزيف عون وأبدت الدوحة اهتماما بدعم لبنان بشكل مباشر.
وأعلنت قطر عن تجديد هبة بمبلغ 60 مليون دولار لدعم رواتب الجيش اللبناني، بالإضافة إلى 162 آلية عسكرية، وهو ما يعني أنها تضع نفسها طرفا معنيا بإنجاح المسار الانتقالي في لبنان، ودعم الجيش للعب الدور المطلوب منه لبنانيا وأميركيا لتولّي السيطرة على السلاح ضمن مقاربة مرحلة ما بعد حزب الله.
الظروف تخدم قطر لتأخذ فرصتها في لعب دور الوسيط بين موسكو وكييف، خاصة أن وسطاء آخرين بدأوا ولم يستكملوا مثل السعوديين
وقال الكرملين إن محادثات بوتين مع أمير قطر في موسكو ستركز على “قضايا راهنة” وبالأساس تجارية، فضلا عن عدد من القضايا التي تحظى باهتمام دولي.
وقال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، للصحافيين “سيجري بالتأكيد تبادل وجهات النظر بين بوتين وأمير قطر في ما يتعلق بالشؤون الأوكرانية… وأمور إقليمية.” وأضاف “احتمالات الصراع كبيرة في المنطقة وتلعب قطر دورا كبيرا ومهما جدا في محاولات تسوية العديد من الأزمات.”
وكان آخر لقاء بين بوتين وأمير قطر في يوليو الماضي على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي انعقدت في أستانة عاصمة كازاخستان.
وقامت قطر بسلسلة من المحاولات للتوسط بين روسيا وأوكرانيا، وساعدت في ترتيب عودة أطفال من كلا البلدين بعد إبعادهم عن آبائهم خلال الحرب.
وقال وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي لوكالة تاس الروسية إن المناقشات بين الزعيمين ستتناول ملفات أوكرانيا وسوريا وقطاع غزة، بالإضافة إلى قضايا تتعلق بالطاقة، منها الغاز الطبيعي المسال. وأضاف “أدى الصراع الروسي – الأوكراني إلى أزمة عالمية في سلاسل التوريد نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية.”
وتابع الخليفي قائلا “يسهم حوارنا المستمر في هذا المجال في استقرار أسواق الطاقة، ما يدعم بدوره متانة الاقتصاد العالمي ويساعد في التغلب على أزمة سلاسل التوريد.”
وأشار إلى أن قطر اضطلعت بدور مهم في الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران، وكذلك مع روسيا، في محاولة لإيجاد حل سلمي للأزمة الإيرانية. وقال الكرملين إنه يثمن عاليا “الحوار السري حول العديد من الموضوعات، بما في ذلك القضايا الأكثر حساسية” مع قطر.