أمير الكويت يكشف إصلاحات شاملة لتعزيز الديمقراطية بثوبها الجديد

الشيخ مشعل يحدد ملامح الإصلاحات التي يعتزم تنفيذها، ويؤكد على أهمية الوحدة الوطنية ومكافحة الفساد متعهدا بتسليم الكويت لأهلها الأصليين خالية من الشوائب.
الاثنين 2025/03/24
خطاب تاريخي يرسم خارطة طريق المرحلة المقبلة

الكويت – ألقى أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح خطابا هاما تناول فيه جملة من القضايا التي تهم الشأن الكويتي، حيث ركز على الإصلاح السياسي والاقتصادي، وأكد على أهمية الوحدة الوطنية وضرورة مكافحة الفساد، وتطرق إلى قضايا الجنسية، وأكد على عودة الممارسة الديمقراطية في "ثوب جديد".

وجاء هذا الخطاب التاريخي بعد أقل من عام على حل مجلس الأمة وتعليق بعض بنود الدستور، ويعتبر بمثابة خارطة طريق للمرحلة المقبلة في الكويت، حيث يحدد ملامح الإصلاحات التي يعتزم أمير الكويت تنفيذها، ويؤكد على أهمية الوحدة الوطنية ومكافحة الفساد.

وقال الشيخ مشعل "مما أثلج الصدر وأفرح النفس وأسعد الخاطر ردود الأفعال التي صدرت من أهل الكويت الأوفياء المخلصين تجاه ما اتخذناه من قرارات إصلاحية، حيث أيدوها خلال استقبالنا لهم ولقاءاتنا بهم". وأوضح أن القرارات التي اتخذها تهدف إلى "تسليم الكويت لأهلها الأصليين خالية من الشوائب".

وأشار إلى أن تعطيل بعض مواد الدستور كان ضرورياً "لعلاج مرض عضال أصاب جسم الممارسة الديمقراطية فأهلكها" مضيفا "سيتم إعادة هذه الممارسة في ثوبها الجديد بإذن الله تعالى".

وفي مايو 2024، أصدر الشيخ مشعل، أمرا أميريا بحلّ مجلس الأمة ووقف بعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن 4 سنوات، وذلك في قرار يهدف إلى دراسة جميع جوانب المسيرة الديمقراطية.

ولفت في كلمة متلفزة آنذاك إلى مرور الدولة الخليجية بـ"أوقات صعبة كان لها انعكاساتها على جميع الأصعدة، مما خلق واقعا سلبيا".

وشدد على أنه "لن يسمح بأن تُستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة، لأن مصالح أهل الكويت أمانة ويجب صونها وحمايتها".

وتتعلق مواد الدستور التي تم تعطيلها بعمل مجلس الأمة ودوره في إصدار القوانين والمصادقة على الاتفاقيات، ويتولى الأمير ومجلس الوزراء اختصاصات المجلس.

ولم تكن خطوة حل مجلس الأمة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور مفاجئة لكثيرين، خصوصا بعد تأخر تشكيل حكومة جديدة وتصاعد التوتر بين أعضاء المجلس والحكومة، حسب مراقبين.

وانتخبت الكويت برلمانا جديدا في أبريل 2024، ليكون الأول في عهد أمير البلاد الحالي الذي تولى السلطة ديسمبر 2023، وبعدها استقالت حكومة محمد صباح السالم الصباح كخطوة دستورية بعد الانتخابات.

ثم عيَّن أمير الكويت أحمد عبد الله الأحمد الصباح رئيسا جديدا لمجلس الوزراء، وطلب منه تشكيل حكومة، لكنه لم يتمكن من تشكيلها، قبل أن يصدر الأمير قرار حل مجلس الأمة وتعليق بعض مواد الدستور.

ويعد إعلان أمير الكويت تعليق العمل ببعض مواد الدستور هو التعليق الثالث في تاريخ الحياة السياسية بالكويت.

وسبق أن تم اتخاذ إجراء مشابه لأول مرة عام 1976، خلال فترة حكم الشيخ صباح السالم الصباح، ومرة أخرى عام 1986 خلال حكم الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح.

وعادة ما تعرف الكويت أزمات سياسية بين مجلس الأمة والحكومة، أدت إلى حل المجلس مرات عديدة، وكذلك استقالة الحكومة.

وتضمّن جزء هام من خطاب أمير الكويت مساء الأحد ملف الجنسية الكويتية، حيث أكد أن "دعاة الفرقة ومثيري الفتنة يحاولون خلط الأوراق وترويج الإشاعات وتحريف الأقوال بهدف شق وحدة الصف، وإحداث التذمر والتشكيك في القرارات المتخذة بهذا الملف".

وشدد "حرصنا على الموازنة والمواءمة بين الحزم في كل ما يمس الوحدة الوطنية وتحقيق العدالة في قضايا الجنسية، وأن التعامل وفق القانون بعيدا عن المزايدات والضغوط السياسية، آخذين بالاعتبار إقامة التوازن بين تطبيق القانون ومراعاة الأبعاد الإنسانية والمعيشية، حريصين على المصارحة والمكاشفة ليعلم الجميع الحقيقة ويقطع الشك وسوء الظن".

كما أكّد أمير الكويت أنه "لا وحدة وطنية من دون ترسيخ الهوية، فالهوية الوطنية في قمة أولوياتنا، فهي لكل كويتي أصيل يحرص على تقدم وطنه وإعلاء شأنه، وهي تشكل قوتنا باعتبارها السياج الذي يحمي الكويت والحصن الحصين لمجابهة الشدائد وتحدي الصعوبات والتهديدات، وستظل وصيتي لكم التمسك بمكتسباتنا الوطنية ونهجنا الديمقراطي ومرجعيتنا الدستورية، وبما توارثناه من أسلافنا من الصفات والأفعال الحميدة".

وفي ديسمبر الماضي، صدر في الكويت، مرسوم أميري يقضي بالتعديل على قانون الجنسية الكويتية، ودخلت التعديلات حيز التنفيذ بنشر المرسوم في الجريدة الرسمية، وذلك في أعقاب استمرار سحب الجنسية الكويتية من الآلاف من حامليها، أغلبهم من النساء، اللائي حصلن عليها بزواجهن من مواطنين كويتيين، بموجب المادة الثامنة من القانون قبل التعديل الأخير.

وألغت التعديلات على قانون الجنسية الجديدة، نص المادة الثامنة التي تخول للمرأة الأجنبية المتزوجة من كويتي الحصول على الجنسية، ونصت المادة بعد تعديلها على أنه "لا يترتب على زواج المرأة الأجنبية من الكويتي أن تصبح كويتية".

كما ألغت التعديلات الجديدة جواز منح الجنسية الكويتية لأبناء الكويتية المتزوجة من أجنبي، وذلك بإلغاء البند الثاني من المادة الخامسة من قانون الجنسية، وكانت تنص قبل التعديل على جواز منح الجنسية لـ"المولود من أم كويتية، المحافظ على الإقامة فيها حتى بلوغه سن الرشد إذا كان أبوه الأجنبي أسيراً، أو طلق أمه طلاقاً بائناً، أو توفى عنها".

واستبدل التعديل الجديد، جواز منح الجنسية لابن الكويتية بمنحه معاملة الكويتي لحين بلوغه سن الرشد، وذلك في حال كان والده أسيراً أو متوفياً، أو طلق أمه طلاقاً بائناً.

وألغت التعديلات الجديدة حق من حافظ على إقامته في الكويت منذ عام 1965 بالتقدم لطلب الجنسية، وذلك بإلغاء البند الثاني من المادة الخامسة من قانون الجنسية، والذي كان ينصّ على جواز منح الجنسية الكويتية (لمن أقام في الكويت عام 1965، وما قبله وحافظ على الإقامة فيها حتى صدور المرسوم بمنحه الجنسية).

ودعا أمير الكويت المواطنين إلى تحلّيهم بالصبر "في ما يتعلق بالإصلاح، فما دُمّر كثير، وما عُبث به خطير".

وقال الشيخ مشعل "وفي هذا المقام، أبثّ إليكم جميعاً رسالة اطمئنان بأن السلبيات مدبرة والإنجازات مقبلة، وعلينا التمهل قليلاً لنجني ثمارها قريباً".

وأضاف "نتابع باهتمام شديد أعمال أجهزة الدولة، حيث نراقب ونتابع ونحاسب، ونوجه الحكومة إلى الإسراع في تنفيذ كافة المشاريع التنموية، وعلى وجه الخصوص الصحية والتعليمية والإسكانية، والانتهاء من إعداد التشريعات والقوانين التي يتلمس المواطنون من تطبيقها حرص الحكومة على مصالح الوطن ومصالحهم، وكذلك متابعة تنفيذ الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بهدف تحقيق الشراكة الاستراتيجية".

ووجّه الشيخ مشعل في خطابه الحكومة الكويتية إلى "الإسراع في تنفيذ كافة مشروعات الدولة التنموية، وعلى وجه الخصوص الصحية والتعليمية والإسكانية، والانتهاء من إعداد التشريعات والقوانين التي يتلّمس المواطنون من تطبيقها حرص الحكومة على مصالح الوطن ومصالحهم، وكذلك متابعة تنفيذ الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بهدف تحقيق الشراكة الاستراتيجية"، مُشيراً إلى كونه يتابع "باهتمام شديد أعمال أجهزة الدولة، حيث نوجّه ونراقب ونُحاسب".

وتابع "نحن متفائلون بغدٍ مشرق لوطننا العزيز، ستتوالى فيه الإنجازات والتطلعات، وفق ترتيب أولويات تنموية طموحة، تُحدث نقلة نوعية لن تتوقف بإذن الله في كافة مسارات التنمية المُستدامة، تتسم بالكفاءة والجودة، وتُعزز التنوع الاقتصادي والاستقرار المالي، وتؤدي إلى تخفيض وترشيد المصروفات العامة، في ظل بيئة تقوم على تنوّع مصادر الدخل والتقليل من الاعتماد على النفط، وإشراك القطاع الخاص المحلي والعالمي في مشروعات الدولة".

كما أكّد في خطابه على موقف دولة الكويت في "نهجها الدبلوماسي مع الدول الشقيقة والصديقة وقضاياها المُشتركة بمواقفها الثابتة التي تُعلي الحق وتقف في وجه الظلم"، وشدد على أن القضية الفلسطينية ستظلّ متصدرة قائمة أولويات سياستها الخارجية، وأنها "على موقفها المبدئي الداعم لحق الشعب الفلسطيني الشقيق لنيل كافة حقوقه المشروعة".