أمير الكويت يضع الحكومة أمام مسؤولياتها: تحديد الأولويات والإنجاز وفق جدول زمني محدد

الحكومة الكويتية الجديدة التي تتميّز عن سابقاتها بالعمل دون ضغوط وعراقيل برلمانية، ستكون في المقابل إزاء مسؤوليات جسيمة بسبب عملها تحت الرقابة المباشرة لأمير البلاد، ودخولها في سباق ضد الساعة لتدارك ما فات البلد من مشاريع حيوية لم تنجز وإصلاحات ضرورية لم تتم، وكل ذلك دون أن يكون لها أيّ عذر في حال الفشل في أداء مهامها التي أعاد الأمير تذكيرها بها خلال أدائها القسم أمامه.
الكويت- طالب أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد حكومة بلاده بـ”تحديد الأولويات وتوحيد الجهود وتسخير الطاقات وفق خطة عمل وجدول زمني محددين مع التركيز على متابعة الميدان بجولات تفقدية مستمرة”.
وتمتلك الحكومة المشكّلة حديثا برئاسة الشيخ أحمد عبدالله الصباح ميزة العمل لأول مرّة منذ سنوات، بمنأى عن الضغوط الكبيرة التي كان يسلّطها أعضاء مجلس الأمّة (البرلمان) على سابقاتها والعراقيل التي كانوا يضعونها في طريقها، وكثيرا ما كان يُنسب إليها الضعف في الأداء الحكومي وتعثّر إنجاز المشاريع والتأخر في إطلاق الإصلاحات.
لكنّ الحكومة الجديدة ستكون أمام مسؤوليات أكثر جسامة حيث ستكون تحت الرقابة المباشرة لأمير البلاد وستعمل تحت ضغط الوقت بعد أن ألزمها الأمير بوضع جدول زمني محدّد لعملها، فضلا عن كونها لن تجد أيّ عذر في حال تعثّرها بعد أن حرّرتها القرارات الأميرية الأخيرة المتمثلة في حل البرلمان وتعليق العمل بمواد في الدستور، من عبء الصراعات مع مجلس الأمّة، وضمنت لها الاستقرار الذي لم يكن متاحا لسابقاتها.
وقامت حكومة الشيخ أحمد العبدالله المشكّلة من ثلاثة عشر وزيرا الأربعاء بأداء اليمين الدستورية أمام الأمير الشيخ مشعل الأحمد بقصر بيان في العاصمة الكويت.
وأكد الأمير على ضرورة “مواصلة السير في سبل الإصلاح” وقال في كلمته بالمناسبة “ترسيخا لمبادئ العدل والشفافية والمصارحة نؤكد أننا في مرحلة جديدة من مراحل العمل الجاد المسؤول والعطاء المستمر اللامحدود”.
وخاطب أعضاء الحكومة بالقول “عليكم واجبات ومسؤوليات تحتم مواصلتكم العمل ليل نهار، وهذه ضريبة التكليف والاختيار؛ فكونوا لقسمكم بارّين بإنجازات فعلية على أرض الواقع تعود بالفائدة على أبناء الكويت”.
وحرص الأمير على تنبيه الحكومة إلى أنها لن تكون بمنأى عن المحاسبة والرقابة مشدّدا على ضرورة متابعتها “في تنفيذ أعمالها وواجباتها ومحاسبة من يقصر في أداء عمله”.
من جانبه تعهّد رئيس الحكومة في كلمته ببذل قصارى الجهود “لتحقيق كل ما فيه خير الوطن ومصلحة شعبه”.
والأحد الماضي شهدت الكويت تشكيل ثاني حكومة في عهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، والأولى بعد قراراته بحل مجلس الأمة وتعطيل بعض مواد الدستور.
ويشغل الشيخ فهد يوسف سعود الصباح في الحكومة الجديدة منصب نائب أول لرئيس مجلس الوزراء وزيرا للدفاع وزيرا للداخلية. ولم يخل اختيار الرجل لهذه المناصب السيادية الكبيرة من رسائل سياسية نظرا إلى كون عودته إلى الحكومة كانت مرفوضة بشكل مسبق من نواب البرلمان قبل أن يتمّ حلّه من قبل الأمير.
وكان النواب قد استبقوا توزير الشيخ فهد بتهديده بالاستجواب فور تسلمه مهامه بالحكومة، الأمر الذي عدّ سابقة في مستوى تدخل نواب البرلمان في اختصاصات غير اختصاصاتهم، وهو أمر أشار إليه الأمير في كلمته التي أعلن من خلالها عن القرارات والإجراءات الجديدة.
والجمعة الماضية قال الشيخ مشعل الأحمد في خطاب متلفز “أمرنا بحل مجلس الأمة ووقف بعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن أربع سنوات يتم خلالها دراسة جميع جوانب المسيرة الديمقراطية”.
ووصف الأمير الخطوة بأنها “قرار صعب لإنقاذ البلد وتأمين مصالحه العليا”، مشيرا إلى تدخلات حدثت من بعض النواب في اختيار الوزراء ووليّ العهد.
وبشأن التهديد النيابي المسبق للوزراء قبل استلام مهامهم، قال الشيخ مشعل الأحمد “لقد لمسنا خلال الفترات السابقة سلوكا وتصرفات جاءت على خلاف الحقائق الدستورية الثابتة. فهناك من هدد وتوعد بتقديم الاستجواب لمجرد أن يعود أحد الوزراء إلى حقيبته. وآخر اعترض على ترشيح البعض الآخر متناسين جهلا أو عمدا أن اختيار رئيس الحكومة وأعضائها حق دستوري خالص لرئيس الدولة ولا يجوز لأحد اقتحام أسواره أو الاقتراب من حدوده أو التدخل في ثناياه”.
وانتخبت الكويت برلمانا جديدا في أبريل الماضي، ليكون الأول في عهد أمير الكويت الحالي الذي تولى السلطة ديسمبر الماضي، وبعدها استقالت حكومة الشيخ محمد صباح السالم الصباح كخطوة دستورية بعد الانتخابات.
وأسفرت تلك الانتخابات عن تغيير محدود في تركيبة مجلس الأمّة تمثل في دخول 11 نائبا جديدا من أصل 50 عضوا منتخبا، الأمر الذي أشّر على استمرار حالة الجمود السياسي الذي طال أمده.
وتحظر الكويت الأحزاب السياسية لكن برلمانها كان يتمتع بصلاحيات كبيرة من بينها استجواب رئيس الوزراء والوزراء وإقرار القوانين ورفضها وإلغاؤها. لكن الأمير له الكلمة الفصل في شؤون البلاد وله صلاحية حل البرلمان.
وعين الأمير، الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح رئيسا جديدا لمجلس الوزراء في 15 أبريل الماضي وطلب منه تشكيل الحكومة الجديدة، لكنه لم يتمكن من تشكيلها لأسباب لم تنفصل عن الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، حيث رفض عدد من أعضاء البرلمان تولّي منصب وزاري في الحكومة وهو أمر يحتّمه دستور البلاد، بينما قدّم البعض الآخر ممن عُرض عليهم المنصب اشتراطات وصفت بالمجحفة وغير المقبولة.
◄ الحكومة مطالبة بإنجاز إصلاحات اقتصادية وتنفيذ مشاريع إستراتيجية وضمان الشفافية والمحافظة على المال العام
وأشار الأمير إلى هذا المعطى في كلمته حيث قال “بعد تعيين رئيس مجلس الوزراء وتكليفه بتشكيل الحكومة تم التواصل مع عدد من أعضاء مجلس الأمة لتأمين مشاركة البعض منهم في تشكيل الحكومة امتثالا والتزاما بأحكام المادة 56 من الدستور.. وإيذانا لبدء مرحلة جديدة من التعاون الإيجابي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية والعمل المشترك لتحقيق الإصلاح المنشود والإنجاز المأمول تلبية لطموحات وآمال المواطنين الذين يتطلعون لغد أفضل ومستقبل أكثر إشراقا، إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل لوجود تداعيات أسفرت عن عدم استكمال تشكيل الحكومة في ظل ما صدر من عدد من أعضاء المجلس من تباين تجاه الدخول في التشكيل الحكومي ما بين إملاءات وشروط البعض للدخول فيها حيث اشترط بعضهم شغل حقائب معينة بأعداد لا يمكن قبولها كما فرض بعضهم أسماء محددة ممّا وضعنا أمام موقف دستوري لا بد من العمل على معالجة أسبابه والحيلولة دون تكراره في المستقبل حرصا على مصالح البلاد والعباد”.
وعندما كان مجلس الأمة موجودا، كانت الحكومات الكويتية تقدم له برنامج عملها لمدة أربع سنوات وهي المدة الدستورية للبرلمان، إذ يراقب أداءها ويحاسب مسؤوليها.
وتعيش الكويت أزمات متتالية منذ سنوات بسبب الخلافات المستمرة والصراعات بين الحكومات التي يعيّنها الأمير والبرلمانات المنتخبة انتخابا مباشرا، الأمر الذي أعاق جهود الإصلاح الاقتصادي وعطّل كثيرا المشروعات التنموية التي تحتاجها البلاد.
وطالب الشيخ مشعل الوزراء بالإسراع في تنفيذ مشاريع إستراتيجية تنموية ومعالجة ملفات البنية التحتية وتطوير الرعاية الصحية والسكنية والتعليم، مع مراعاة “الشفافية والمحافظة على المال العام”.
كما طالبهم بتطوير كافة القطاعات الاقتصادية والاستثمارية، وصولا إلى اقتصاد مستدام، واستثمار الثروة البشرية، وتعزيز الابتكار والبحث العلمي، وتحسين بيئة الأعمال والخدمات الحكومية، والتحول الرقمي في الخدمات المقدمة منها.
وعلى المستوى الخارجي أكد ضرورة “تعزيز أواصر العلاقات الدبلوماسية مع الدول الشقيقة والصديقة وترسيخ الدور الإنساني لدولة الكويت”.