أميركا المشتتة تخير الجيش السوداني بين مسار جنيف والعزلة

الجيش السوداني يشعر بأن واشنطن ليست في وضع يسمح لها بالضغط عليه أو التفرغ لفرض حل حاسم وواضح، وهو أمر لم تفعله في السابق.
الثلاثاء 2024/08/13
موقف أميركي مهزوز

واشنطن – أعلنت الولايات المتحدة الاثنين أنها تريد بدء محادثات بشأن السودان هذا الأسبوع في سويسرا حتى في غياب ممثلي الحكومة السودانية التي أبدت تحفظات على الطرح الأميركي.

ويوحي الموقف الأميركي بأن واشنطن تخير الجيش السوداني بين المشاركة في مسار جنيف والتعرض للعزلة، لكن هذا التخيير لا يرتقي إلى مستوى الضغط أو التهديد، نظرا إلى معرفة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان بأن أميركا مشتتة بين عدة قضايا، وأن ليس بمقدورها أن تضغط عليه، وأنها لا تمتلك أساسا أوراق ضغط.

وقال المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيرييلو خلال مؤتمر صحفي في جنيف “أجرينا مع (ممثلي) الجيش السوداني نقاشات معمّقة، لكنهم لم يعطونا تأكيدا بعد” بشأن مجيئهم إلى سويسرا في 14 أغسطس، ولكن “سنمضي قدما في هذا الأمر (…)، وهذا ما تمّ توضيحه للطرفين”.

يبدو أن الضغط الأميركي على السودان غير جدي. وكان يمكن أن يصدر الموقف الحازم عن الرئيس جو بايدن أو وزير الخارجية أنتوني بلينكن

ويبدو من مستوى المبعوث أن الضغط الأميركي على السودان غير جدي. وكان يمكن أن يصدر الموقف الحازم عن الرئيس جو بايدن أو وزير الخارجية أنتوني بلينكن، لكن النزول به إلى المبعوث يجعله موقفا دون المستوى الذي يجعل البرهان يستجيب أو يتحسب لغضب واشنطن؛ ولذلك يرى أنه غير مضطر إلى المشاركة في مفاوضات دون مستوى شروطه، كما أنه لا يواجه انتكاسة ميدانية ليسارع إلى قبول الانخراط في المحادثات.

لكن الأهم أن الجيش السوداني يشعر بأن واشنطن ليست في وضع يسمح لها بالضغط عليه أو التفرغ لفرض حل حاسم وواضح، وهو أمر لم تفعله في السابق، فما الذي سيجعلها هذه المرة تكون أكثر جدية، وهي التي عجزت عن حسم مواضيع أكثر أهمية بالنسبة إلى مصالحها، فالقوات الأميركية مثلا تبدو عاجزة عن منع الحوثي من تهديد الملاحة في البحر الأحمر.

كما أن واشنطن غير قادرة على توفير ظروف النجاح لمبادرة الرئيس بايدن بشأن وقف الحرب في غزة، فلا هي نجحت في الضغط على إسرائيل ولا هي دفعت الوسطاء إلى الضغط على حماس لتنفيذ المبادرة ومنع أزمة كبرى على وشك أن تنفجر وقد تؤدي إلى حرب إقليمية بين إسرائيل من جهة وإيران وأذرعها من جهة أخرى.

ومن خلال الجولات الماضية لمفاوضات جدية خبر السودانيون ضعف ضغط الأميركيين على الفرقاء للتوصل إلى حل، ولهذا يرى البرهان أن منصة جنيف هي جزء ثان من لقاءات جدة، وأن أميركا هي نفسها هنا وهناك، ولا مبرر للخوف من ضغوطها.

وكانت حكومة السودان بقيادة الجيش السوداني عبّرت عن تحفّظات على الدعوة الأميركية لإجراء مفاوضات في جنيف، وعن اختلافها مع الولايات المتحدة بشأن المشاركين. وفي نهاية يوليو الماضي دعت واشنطن الطرفين المتحاربين إلى جولة جديدة من المفاوضات لمحاولة وضع حدّ للحرب المدمّرة والمستمرة منذ ما يقارب 16 شهرا.

lll

وقبلت قوات الدعم السريع الدعوة، لكن وزارة الخارجية السودانية طلبت إجراء المزيد من المناقشات مع الطرف الأميركي. وفي هذا السياق قررت الحكومة السودانية الجمعة إرسال وفد إلى مدينة جدة بالسعودية للتباحث مع وسطاء أميركيين حول شروط مشاركتها.

وأعلن رئيس الوفد السوداني وزير المناجم محمد أبونمو عبر منشور على موقع فيسبوك الأحد “انتهـاء المشاورات مـن دون الاتفاق على مشاركـة الوفد السوداني في مفاوضات جنيف”.

وفي وقت متأخر من مساء الأحد أعلن وزير الإعلام جراهام عبدالقادر في بيان بثه التلفزيون الرسمي أن الوفد السوداني لاحظ “عدم التزام الوفد الأميركي بدفع الميليشيا المتمردة (قوات الدعم السريع) إلى الالتزام بتنفيذ إعلان جدة” الذي تم التفاوض عليه العام الماضي، ولكنه لم يسفر سوى عن وقف إطلاق نار قصير الأمد في العام الماضي تمّ انتهاكه على الفور.

من خلال جولات المفاوضات خبر السودانيون ضعف ضغط الأميركيين على الفرقاء للتوصل إلى حل، ولا مبرر للخوف من ضغوطها

وذكرت تقارير محلية أن الوفد السوداني ناقش مع الجانب الأميركي ضرورة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه سابقا في منبر جدة أولا، وتحديد جدول أعمال للمفاوضات في جنيف، والدول التي ستقوم بمراقبة وقف إطلاق النار، وتلك التي ستراقب الاتفاق عند اكتماله، وعدم مشاركة الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد)، ويكون الوفد السوداني تحت قيادة مدنية وليست عسكرية.

وعدّلت الإدارة الأميركية دعوتها للبرهان بوصفه قائدا للجيش إلى دعوته بوصفه رئيسا لمجلس السيادة الانتقالي، تلبية لأحد شروطه لحضور اجتماعات جنيف، ليتضح لاحقا أنه كان يروم انتزاع موقف أميركي إيجابي لصالحه، وأراد أن ينتزع من واشنطن اعترافا رسميا به كرئيس للمجلس، دون أن يكون له الاستعداد التام للذهاب إلى جنيف والتفاوض هناك، وجاءت فكرة إيفاد وفد مدني لتأكيد هذه الصيغة وعدم حصر وضعه في السودان كقائد للجيش فقط.

وقالت واشنطن إن محادثات جنيف التي ترعاها السعودية وسويسرا ستضمّ الاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات العربية المتحدة والأمم المتحدة بصفة مراقبين. وأشار وزير الإعلام إلى أن قيادة الجيش “ترفض وجود أي مراقبين أو مسهّلين جدد”.

وأثنى المبعوث الأميركي توم بيرييلو السبت على إطلاق مسار جديد في سويسرا “من أجل وضع حدّ للأزمة في السودان” حيث تدور الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023.

1