أموال "قذرة" تؤمن شبكات النفوذ الروسي في بريطانيا

رغم حدة التوتر الدبلوماسي بين موسكو ولندن، تبدو السلطات البريطانية أقل جدية في محاصرة لوبيات الضغط الروسية على أراضيها والتي تتخذ من نفوذها المالي سبيلا لاختراق الدوائر السياسية العليا في البلاد. وتتهم المعارضة العمالية حزب المحافظين الحاكم بإتاحة المجال أمام تدفق هائل لأموال مشبوهة جزء منها غذى حملاته الانتخابية منذ 2010.
لندن – ندد تقرير برلماني بريطاني بتهاون لندن إزاء ثروات روسية مصادرها مشبوهة في بعض الحالات وتعمل على اكتساب نفوذ في دوائر البلاد العليا، فيما تتهم الحكومة البريطانية أطرافا روسية بمحاولة التدخل في الانتخابات التشريعية عام 2019 من خلال نشر وثائق حكومية مسرّبة حصلت عليها بشكل غير مشروع.
ويقول الخبير في منظمة الشفافية الدولية بن كودوك إنّ “المملكة المتحدة تأوي مليارات الجنيهات لثروات روسية مشتبه فيها”، مضيفا أنّ مليارا على الأقل من تلك الأموال جرى استثماره، غالبا بلندن، في قطاع العقارات الفاخرة.
وبالنسبة إلى الأستاذ المتخصص في الشأن الروسي بجامعة “يو.سي.أل” في لندن، بيتي دنكن، فإنّ الأمر يتعلق “بمئات المليارات من الجنيهات” التي خرجت من موسكو في التسعينات إبّان عمليات الخصخصة واسعة النطاق، وجرى استثمارها في لندن.
ويشجب التقرير البرلماني الصادر عن لجنة الاستخبارات البرلمانية الثلاثاء الماضي ما يصفه بتهاون الحكومة البريطانية إزاء مبالغ هائلة جرى استثمارها في القطاع العقاري ومدارس نخبوية ومؤسسات ثقافية مرموقة، كما يندد بهبات ضخمة تقدّم إلى سياسيين، خاصة المحافظين، أو تدفع إلى مكاتب محاماة وعلاقات عامة سعيا إلى ولوج دوائر البلاد العليا، أو حتى لشراء السمعة.
ويقول التقرير إنّ “النفوذ الروسي في المملكة المتحدة يمثّل الوضع الطبيعي الجديد”، لافتا إلى أنّ “روسا كثرا يتمتعون بعلاقات وثيقة” مع الرئيس فلاديمير بوتين انخرطوا بشكل واسع في أوساط الأعمال التجارية والمجتمع البريطاني، خاصة في “لندنغراد”، في إشارة إلى الاسم الذي يعطى أحيانا إلى هذه العاصمة ولمجتمعها الروسي البارز.
وفي حين لم يستعرض النواب أسماء في تقريرهم، ويشيرون إلى صعوبة الوقوف على أدلة دامغة حول التدخلات الروسية، سواء خلال حملة التحضير لاستفتاء بريكست أو استفتاء استقلال أسكتلندا في 2014، ولكنّهم يعتبرون أنّ السلطة التنفيذية “تجنبت فعلا” التحقيق.
ويلفت كودوك إلى أنّ “مانحين روسا يتمتعون بصلات ببوتين يشاركون باستمرار في حفلات تبرعات ويخالطون شخصيات بريطانية نافذة”.
وألقي الضوء بشكل كبير على “غسل الأموال القذرة” في لندن إبان الفضيحة التي لاحقت “دويتشه بنك” بخصوص تحويلات مالية مشبوهة بين فروع البنك في موسكو ولندن.
ويذكّر الخبر في منظمة الشفافية الدولية بأنّ الحكومة البريطانية “وعدت في 2016 بإنشاء سجل للمالكين الحقيقيين” لمساكن فخمة غالبا ما كان يتم استملاكها من خلال شركات صورية، ولكن بلا نتيجة بالرغم من “أنّه أمر يمكن وضعه سريعا”.
ووفقا لدنكن، فإنّ المنظمات البريطانية لمكافحة الجريمة تحتاج إلى أدوات ووسائل أكثر لملاحقة أثرياء قريبين من السلطة في روسيا يحمون أنفسهم بأفضل مكاتب المحاماة اللندنية.
ويؤكد النائب العمّالي كريس براينت أنّ السفير الروسي سعى إلى إزاحته عن رئاسة لجنة برلمانية حول روسيا في 2009 لأنّه لم يكن مقرّبا إلى الكرملين.
ووفقا له، فإنّ المحافظين أتاحوا المجال أمام “تدفق هائل لأموال مشبوهة”، جزء منها “غذى حزب المحافظين” منذ 2010، حيث اتهم المحافظين، في صحيفة “ذي غارديان” العام الماضي، بـ”فقدان الذاكرة عمدا” بشأن سنوات من جهود موسكو “لإضعاف نظامنا السياسي”.
وأما ضابط الاستخبارات البريطاني السابق كريستوفر ستيل الذي أعدّ ملفا حول علاقات مزعومة للرئيس الأميركي دونالد ترامب مع روسيا، فقد قال أمام اللجنة البرلمانية البريطانية إنّ “النخبة الروسية نجحت في خلق لوبي مصالح نافذ في المملكة المتحدة من خلال نفقات باذخة واستثمارات”.
وقال ستيل إنّ للكرملين “اهتماما خاصا بالمملكة المتحدة، يلامس الهوس”.
ويسمّي كودوك ودنكن أسماء بعض أبرز المانحين الروس لحزب المحافظين وهم ليوبوف تشرنوخين وهي زوجة وزير سابق في عهد بوتين، وألكسندر ترمركو مدير سابق لمجموعة تصنّع السلاح للجيش الروسي. ويرفض الرئيس السابق لحزب المحافظين برندن لويس هذه الاتهامات، مشيرا إلى انّ حزبه “يرفض تبرعات خارجية”.
وبينما يثني كودوك ودنكن على الترسانة التشريعية البريطانية لمكافحة تبييض الأموال، إلا أنّهما يبديان أسفهما لعدم تطبيقها بشكل صارم، حيث غالبا ما تغض الوكالات العقارية ومكاتب المحاماة والعلاقات العامة، وكذلك “الوسطاء”، الطرف عن مصدر الثروات الروسية.
ويشير خبراء إلى وجوب منع وجود برلمانيين بريطانيين في مجالس إدارة شركات روسية “كي لا يتصرفوا كأعضاء جماعات ضغط”.
والخميس الماضي، اتهمت الحكومة البريطانية “جهات روسية” بمحاولة إحداث بلبلة حول انتخابات ديسمبر 2019 عبر تسريب وثائق بشأن المفاوضات التجارية بين لندن وواشنطن.
وأطلقت الحكومة تحقيقا بشأن مصدر التسريبات بعدما انتشرت تفاصيل عن المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن اتفاق تجاري محتمل لفترة ما بعد بريكست على موقع “ريديت” للتواصل الاجتماعي.
ورغم أن الاتهام لم يستهدف الكرملين مباشرة إلا أنه سيتسبب على الأرجح في تدهور العلاقات المتوترة أساسا بين لندن وموسكو.
وارتفع منسوب التوتر بين الطرفين بعدما اتّهمت بريطانيا روسيا بمحاولة اغتيال العميل المزدوج السابق سيرجي سكريبال في مدينة سالزبري الإنجليزية عام 2018.
ويتوقع أن يزداد التوتر الدبلوماسي بعد نشر تقرير طال انتظاره بشأن التدخل الروسي المحتمل في استفتاء بريكست الذي جرى عام 2016 من قبل لجنة الاستخبارات والأمن التابعة للبرلمان البريطاني في قادم الأيام.