أمل تحقيق الوفاق بين السلطتين في الكويت يتلاشى مبكرا

الكويت - كشفت جلسة برلمانية عقدها مجلس الأمّة الكويتي عن اتّساع الهوّة بين حكومة الشيخ محمّد صباح السالم وأعضاء البرلمان، وضيق مساحة الوفاق بين السلطتين والذي دعت إليه القيادة الجديدة في البلاد ممثلة بالأمير الشيخ مشعل الأحمد ليكون أرضية لاستقرارهما وتحسين أدائهما الذي شهد على مدى السنوات الأخيرة عثرات متكرّرة بسبب كثرة الخلافات واشتداد المناكفات بينهما.
ولم يتمكّن البرلمان الكويتي الأربعاء من عقد جلسته المقرّرة سلفا وذلك بسبب غياب أعضاء الحكومة الذي جاء، بحسب مصادر محلية، احتجاجا على ما شهدته جلسة الثلاثاء من أجواء تصعيدية أشاعتها النبرة العالية للنواب تجاه أعضاء مجلس الوزراء.
ورفع رئيس مجلس الأمّة أحمد السعدون جلسة الأربعاء، معلنا عن تلقيه اتّصالين من قبل كل من رئيس الحكومة الشيخ محمّد الصباح ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء شريدة المعوشرجي أبلغاه خلالهما بأن الحكومة لن تحضر الجلسة، وموضّحا أنّ الجلسة القادمة ستكون يومي الخامس والسادس من شهر مارس القادم.
ويعتبر أعضاء الحكومات الكويتية بموجب دستور البلاد أعضاء في البرلمان يكتسبون عضويتهم بشكل آلي حال تعيينهم في مناصبهم على أن لا يزيد عددهم عن ثلث العدد الجملي لأعضاء المجلس.
كما يفرض القانون حضورا ضروريا لحدّ أدنى من ممثلي الحكومة لعقد الجلسات البرلمانية، وهو شرط تلجأ إليه الحكومات أحيانا لتعطيل عقد الجلسات التي لا ترغب في انعقادها لسبب أو لآخر.
وأثار قيام الحكومة بتعطيل عقد الجلسة البرلمانية حفيظة نواب المجلس. وهاجم النائب سعود العصفور غياب الحكومة عن جلسة الأربعاء واصفا غيابها عن جلسة مناقشة برنامجها بـ”العبث والتعطيل الذي لا يمكن قبوله”.
وأضاف العصفور قوله في مؤتمر صحفي “البلد معطل فعليا ولا نملك رفاهية الانتظار ولا سعة الوقت في ظل حاجة ملحة للعمل وبشكل فوري ومتسارع لإصلاح الأوضاع والمنافسة في إقليم يتسابق على الفرص”.
وقال النائب حمد العليان من جهته عبر حسابه في منصة إكس “للحكومة عدد من البدائل الدستورية للتعامل مع قرارات ومواقف مجلس الأمة، لكن الأكيد أنه ليس من بين هذه البدائل الامتناع عن حضور الجلسات وتعطيل البرلمان”.
وانطلق التوتّر خلال جلسة الثلاثاء من تصويت مجلس الأمّة على إلغاء قرار سابق كان قد اتّخذه السعدون بشطب كلام من مَضْبَطة المجلس كان أدلى به النائب عبدالكريم الكندري في جلسة سابقة واعتُبر خروجا عن النص لاحتوائه على ملاحظات موجّهة لأمير البلاد.
وقال الكندري دفاعا عن موقفه إنّه لم يخطئ في مداخلته التي شطبت وإنّه صدق مع الأمير وتكلم بكل أمانة.
ومع تصويت البرلمان بأغلبية مريحة على إلغاء قرار السعودن بدا للحكومة أنّ المجلس يتحدّاها ويكسر إرادتها.
ولم يكن الجدل حول كلمة النائب سوى واجهة لخلاف حكومي – نيابي أعمق ذي صلة بطبيعة الخارطة التشريعية التي وضعها النواب وأظهروا إصرارا على عدم التنازل عنها فيما بدت الحكومة بصدد التهرّب من مناقشتها لاحتوائها على بنود تقوم على زيادة الامتيازات والدعوم التي تقدّمها الدولة للمواطنين بما يخالف التوجّه لإصلاح اقتصاد البلاد وماليتها العمومية.
وكان مجلس الوزراء قد طلب مهلة قرابة شهر للمزيد من دراسة بنود الخارطة التشريعية وسط شكوك عميقة في نواياه عبّر عنها بوضوح نواب البرلمان في جلستهم مضمّنين كلماتهم تهديدات مبطّنة للحكومة في حال رفضها إقرار البنود الاجتماعية في الخارطة وعلى رأسها زيادة علاوة غلاء المعيشة ورفع القرض الحسن للمتقاعدين.
وذكّر النائب مهند الساير بأن الحكومة طلبت خمسة وعشرين يوما لمناقشة الخارطة التشريعية والقوانين المتفق عليها مع الحكومة السابقة، وأنّه على مجلس الوزراء الالتزام بالسقف الزمني للمهلة والإيفاء بالتزاماته عند انقضائها.
وانتقد الساير قرار وقف التعيينات في القطاع العمومي قائلا إنّه تسبب بضرر للشباب. وطالب الحكومة بأن تقوم بدورها في التعامل مع التعيينات والحقوق الوظيفية للناس.
الحكومة الكويتية طلبت خمسة وعشرين يوما لمناقشة الخارطة التشريعية والقوانين المتفق عليها مع الحكومة السابقة، وأنّه على مجلس الوزراء الالتزام بالسقف الزمني للمهلة
وكان أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد قد أصدر قبل أشهر حين كان لايزال وليا للعهد قرارا بـ”وقف قرارات التعيين والترقية والنقل والندب والإعارة في جميع أجهزة الدولة لمدة ثلاثة شهور قابلة للتجديد”.
وجاء ذلك لضبط فوضى عارمة اجتاحت مجال التعيينات في الوظائف بسبب دخول عوامل المحسوبية والترضيات عليها.
ومن جهته وجّه النائب مبارك الحجرف نقده لحكومة الشيخ محمّد الصباح من زاوية عدم تأمينها التواصل المطلوب في عمل الحكومات المتعاقبة، متسائلا في مداخلته “هل لدينا حكومات تمتلك منهجية وأطرا أم أن كل حكومة لديها رؤية مختلفة عن الحكومة الأخرى”، مضيفا قوله “أحب أن أبعث التفاؤل، لكن التفاؤل يتطلب حسن نوايا وعملا من الحكومة. والتجارب السابقة تبرهن أن المتغطي بالحكومة عريان”.
وأضاف الحجرف أنّ “الحكومة ليس لها منهج واضح تجاه قوانين تحسين معيشة المواطن، لذلك طلبت التأجيل”.
وطالب النائب مبارك الطشة الحكومة بأن لا تتحجج بالميزانية للتهرّب من تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، محذرا من محاولة كسب الوقت ومؤكّدا أن النواب لن يقبلوا سوى بإقرار الزيادات المطلوبة في الرواتب التقاعدية والقرض الميسّر الخالي من الفوائد (القرض الحسن).
وذهب النائب فارس العتيبي إلى اعتبار جلسة الخامس من مارس القادم فيصلا بين النواب والحكومة، قائلا “التعاون موجود وأيدينا ممدوة للتعاون، وفي المقابل لن نتنازل عن حق المواطن ومعيشته”، مضيفا “مع الغلاء الفاحش أصبح دخل الفرد لا يكفيه مع أسرته. فإلى متى تؤجل الحكومة مصلحة المواطنين وتهرب إلى الأمام”.