"أمثال أكثم بن صيفي التميمي" استعادة لأقوال حكيم العرب

أكثم بن صيفي صورة صادقة ناطقة بحكمة العرب في العصر الجاهلي وتتجلى حكمته في ما يسوقه من أمثال وحكم.
الثلاثاء 2025/03/11
محمد بن معبر يجمع أمثال أكثم

الرياض- أنجز الباحث محمد بن أحمد معبر كتابًا جديدا يجمع فيه شتات مادته من مصادر مختلفة بعنوان “أمثال أكثم بن صيفي التميمي”. ويقع الكتاب في 224 صفحة تحتوي على مقدمة، وقسمين يتناولان حياة أكثم بن صيفي التميمي، وأمثاله مرتبة حسب حروف المعجم ويبلغ عددها 429 مثلًا في شتى شؤون الحياة.

وتأتي أهمية الكتاب في استعادة سيرة واحد من أشهر حكام العرب في الجاهلية على الإطلاق، كما يعتبر من المعمرين الذين تداولت العرب أقوالهم ومآثرهم على امتداد القرون، إذ كان حكيما وفارسا شجاعا ومستشارا خبيرا، وهو ما نقرأه في أمثاله ومقولاته التي لم تصدأ مع الزمن وصارت تشبه العبر الخالدة التي تحتاج إلى جمع وتحقيق.

 ومن الموضوعات التي يحتويها الكتاب نسب أكثم وسنه، أكثم من حُكام العرب، هل أسلم أكثم، أكثم في بلاط كسرى، منافرة القعقاع وخالد بن مالك النهشلي، يوم الكلاب الثاني، أسرى تميم عند النعمان بن المنذر، ملاحظات وتعقيبات، شذرات، مقدمة كتب أكثم ووصاياه، وموضوع عن صلة الباحث بأكثم بن صيفي التي جاءت عن طريق كتب الأمثال العربية التي ارتبط بها في سبيل إعداد بعض كتبه، ثم تطورت هذه الصلة إلى البحث عن أمثال أكثم بن صيفي وتقميشها.

 وبين الباحث أن أكثم بن صيفي يُمثل صورة صادقة ناطقة بحكمة العرب في العصر الجاهلي، وقد تجلت لنا حكمته في ما يسوقه من أمثال وحكم في كتبه ووصاياه، أو في ما يعرض له من المواقف التي يُطْلَبُ رأيه فيها، حتى قيل عنه: إنه حكيم العرب إلى جانب وصفه بالخطيب البليغ.

وقد برع أكثم في قول الأمثال، التي كانت تعتبر حكمة العرب قبل الإسلام وحتى في الإسلام، وبها كانت العرب تعرض كلامها فتبلغ بها ما حاولت من حاجاتها في المنطق. وهذا نجده جليا في ما يسوقه الباحث من أمثال أكثم.

 استعادة سيرة واحد من أشهر حكام العرب في الجاهلية
استعادة سيرة واحد من أشهر حكام العرب في الجاهلية

 وأوضح الباحث أنه نسب إلى أكثم بن صيفي الكثير من الأمثال، مؤكدًا أنه لا يجزم بصحة نسبتها كلها إليه، وإنما ينقل ما ذكرته الكتب من أمثال نسبت إليه بجميع الروايات، فعلى سبيل المثال نجد المثل: “رُب أكلة تمنع أكلَاتٍ”، وهذا قد نسبه السجستاني والعسكري إلى أكثم، ثم نجد العسكري في موضع آخر ينسبه إلى عامر بن الظرب العدواني، أما الميداني فنسبه إلى عامر بن الظرب، والمثل: “حَسْبُكَ من شَر سَمَاعُهُ”، نسبه السجستاني والعسكري إلى أكثم، وعاد العسكري في موضع آخر، فنسبه إلى فاطمة بنت الخرشب الأنمارية، أما المفضل الضبي والميداني فنسباه إلى فاطمة بنت الخرشب، وقد يرد المثل عند البعض فينسبه إلى أكثم، وعند البعض الآخر دون أن ينسبه إلى أحد.

ومن أشهر الأمثال الواردة في الكتاب على سبيل الذكر لا الحصر: “الدال على الخير كفاعله”، “رُب ملوم لا ذنب له”، “رضا الناس غاية لا تُدرك”، “الصدق منجاة”، “العجز مفتاح الفقر”، “تباعدوا في الديار وتقاربوا في المحبة”، “من مأمنه يؤتى الحَذِر”، “أول الحزم المشورة”، “إن قول الحق لم يدع لي صديقا”، “إن مع الذلة قلة”، “لا تهرف بما لا تعرف”، “أخوك من آساك”، “آفة الرأي الهوى”.

 وورد في الكتاب أن لكل قبيلة حكامًا يتحاكمون إليهم، ولأهل القرى والريف حُكامهم أيضًا، وكان للعرب أجمع حُكام ترجع إليها في منافراتها ومواريثها ومياهها ودمائها، لأنه لم يكن هناك بعد دين جامع يُرجع إلى شرائعه، فيُحكمُون أهل الشرف والصدق والأمانة والرئاسة والمجد والتجربة، ومن هؤلاء الحُكام أو الحكماء: الأفعى الجرهمي، عبدالمطلب بن هاشم، الزبير بن عبدالمطلب”، أبو طالب بن عبدالمطلب، حرب بن أمية، الوليد بن المغيرة، العلاء بن جارية، قيس بن عدي، ربيعة بن مخاشن، أكثم بن صيفي، حاجب بن زرارة، الأقرع بن حابس، وغيرهم كثير.

 وإنما ذكرهم الباحث لإثبات مكانة أكثم بن صيفي -كأحد حُكام وحكماء العرب- التي تحاول بعض المصادر المعاصرة الغض منها، وإدراجه ضمن الأساطير، وقد قيل عن أكثم: إنه كان قاضي العرب في زمنه، وهو من الخطباء البلغاء والحُكام الرؤساء، العالمين بالأنساب، وكانت العرب لا تقدم عليه أحدًا في الحكمة، ومما يروى عنه من الأحكام حكمه بأن الولد للفراش، وأنه بذلك أول من حكم في الجاهلية، وجاء الإسلام بتقريره.

 الجدير بالذكر أن أكثم بن صيفي عمر طويلًا وأدرك ظهور الإسلام، لكن اختلف في إسلامه وفي تاريخ وفاته، ومن الكتب التي أفردت في سيرته: “أخبار أكثم” لعبدالعزيز بن يحيى الجلودي، و”أكثم بن صيفي.. حياته وخُطبه وأمثاله وشعره” لعلي بن محسن بن عيسى مال الله، و”أكثم بن صيفي.. البليغ البلاغي” لمحمد بدري عبدالجليل، ورسالة ماجستير بعنوان “النثر الفني عند أكثم بن صيفي.. جمعًا وتوثيقًا ودراسة” لقاسم بن عبدالله القرني.

12