أمازون تسعى للهيمنة على سوق البقالة الأميركية

سياتل (الولايات المتحدة) - شرع عملاق تجارة التجزئة الإلكترونية أمازون في تنفيذ أكبر عملية إصلاح شاملة في قطاع البقالة بهدف الهيمنة على هذه السوق التي تنمو بشكل متسارع في الولايات المتحدة رغم الظروف السيئة والأزمات.
وتشمل عملية التطوير، التي تأتي بعد استحواذ أمازون على سلسلة هول فودز ماركت في شهر يونيو 2017، تجديد المتاجر واختبار مستودعات جديدة عالية الأتمتة، فضلا عن توصيل المنتجات الغذائية الطازجة إلى زبائن غير مشتركين ببرنامج برايم للمرة الأولى.
كما تخطط الشركة لدمج عروض متاجر سلاسل السوبر ماركت المتنوعة عبر منصات التجارة الإلكترونية من هول فودز وأمازون فريش وأمازون دوت كوم في عربة تسوق افتراضية واحدة، وهي خطوة يرجح أن يكون لها صدى إيجابي بين المتسوقين.
ويقول المختصون إن هذه التغييرات التي يُنتظر إدخالها على هذه السلاسل خلال الأشهر المقبلة تشكل أحدث جهود أمازون للاستحواذ على حصة أكبر من سوق البقالة الأميركية التي يقدر محللو بنك يو.بي.أس قيمتها بنحو 1.5 تريليون دولار.
وكانت الشركة الأميركية، التي تتخذ من سياتل مقرا لها، قد جلبت مجموعة من مديري التجزئة التقليدية ليساعدوها على تنفيذ خطتها وجاء على رأس هؤلاء توني هوغيت وهو مدير تنفيذي سابق لدى شركة تيسكو، التي جعلته مسؤولاً عن تنفيذ خطة الإصلاح.
ويتمتع هوغيت بخبرة كبيرة في قطاع البيع بالتجزئة عبر المتاجر التقليدية، ويرى أنه يواجه تحديا كبيرا في ظل هيمنة عمالقة تجارة التجزئة مثل وول مارت وكروغر على السوق.
وأظهر هوغيت في مقابلة مع بلومبرغ طموحاته لتحويل أمازون من خدمات البقالة المتخصصة بالأغذية العضوية وتوصيل حبوب الفطور والمناشف الورقية لتصبح وجهة تسوق يقصدها الساعون لتوفير المال وشراء جميع احتياجاتهم خلال زيارة واحدة.
وقال “نحن جادون بشأن تعزيز حصتنا في سوق البقالة وتقوم خطتنا على بناء علاقات قوية مع العملاء بمرور الوقت”.
ويراهن هوغيت على إمكانية أن تصبح أمازون متجرا شاملا للبقالة حيث تظهر استطلاعات الرأي أن الأسر تميل إلى التسوق من أسواق متعددة تحددها وفقاً لغرض التسوق الذي قد يكون لجلب المؤن الاعتيادية أو إعداد وجبة مميزة.
ويعتقد أنه بالإمكان خفض هذا العدد من أربع أو خمس سلاسل مختلفة إلى واحدة أو اثنتين، بحيث تكون أمازون إحداها.
وبدأت أمازون مطلع أغسطس الجاري بدعوة زبائنها غير المشتركين في برنامج برايم من عشرات المناطق الحضرية الأميركية، بما في ذلك بوسطن ودالاس وسان فرانسيسكو، كي يطلبوا منتجات البقالة عبر الإنترنت من متاجر ومستودعات أمازون فريش.
وظل شراء الأغذية الطازجة من أمازون فريش يقتصر على المشتركين في برنامج برايم مقابل 139 دولارا كرسوم اشتراك سنوية.
والآن تعتزم الشركة أن تعمم هذه الخدمة في الولايات المتحدة بحلول نهاية العام، لتشمل منتجات هول فودز ومتاجر البقالة الأخرى.
وتتراوح رسوم التوصيل بين 7.95 و13.95 دولار، أي ما يزيد بمقدار أربعة دولارات عن تكلفة التوصيل لأعضاء برنامج برايم.
ولم يخف زبائن أمازون مرارا تذمرهم لأنهم يضطرون لمراجعة قوائم منفصلة عبر الإنترنت لشراء احتياجاتهم المتنوعة، والتي تأتيهم في نهاية المطاف عبر رحلات توصيل مختلفة.
ومن هنا تتطلع الشركة إلى تبسيط عملية التسوق هذا العام أو في 2024 عبر تخزين المزيد من منتجات هول فودز في مستودعات أمازون، وإنشاء عربة تسوق افتراضية واحدة.
وقال هوغيت النائب الأول لرئيس القطاع العالمي لمتاجر البقالة في أمازون “ندرك أنَّ هنالك حاجة إلى تحسين تجربة التسوق”.
وخارج العالم الافتراضي تجدد الشركة متاجر أمازون فريش، حيث تبني منصات لبيع القهوة ودونتس كرسبي كريم قرب مداخلها.
وعلاوة على ذك تضيف ما يقرب من 1500 سلعة إلى ما كان يمثل تنوعاً محدوداً لمتجر ضخم بالنسبة إليها، وتحاول أن تجعله أكثر جاذبية باستخدام ألوان زاهية.
ولم يكن البعض من محللي سوق البقالة بالإضافة إلى المتسوقين يستسيغون تصميم أمازون فريش شديد البساطة.
التغييرات التي يُنتظر إدخالها على هذه السلاسل خلال الأشهر المقبلة تشكل أحدث جهود أمازون للاستحواذ على حصة أكبر من سوق البقالة الأميركية
وعلق بيتر أبراهام اختصاصي التسويق في لوس أنجلس، والذي ذهب إلى متجر أمازون فريش مرات كثيرة قبل أن يحجم عن زيارته، قائلا “لقد بدا تصميم المتاجر بلا روح”.
ويشابه منطق أمازون بأن تشتهر عبر عملها بهامش ربح منخفض فلسفة منافستها وول مارت، والذي يركز على استخدام منتجات الأغذية النمطية لاستقطاب المتسوقين، وإقناعهم بشراء المنتجات الأخرى المعروضة.
وقال شخصان مطلعان، طلبا عدم الكشف عن هويتيهما لكونهما يتطرقان لشؤون داخلية، لوكالة بلومبرغ إن “بلوغ عتبة الربحية في عام 2010 تطلب أن تتلقى أمازون طلبات بقالة بقيمة وسطية بلغت 115 دولارا”.
وبعد مضي عقد على ذلك، استلزم بلوغ تلك النقطة أن تتلقى طلبات تتراوح قيمتها بين 90 و100 دولار.
وقال هوغيت إن “الشركة لا تراقب اقتصاديات التوصيل استناداً إلى رقم بعينه نظراً لاختلافات تتعلق بسرعة توصيل الطلب والمسافات”، لكنه أكد أنها اتخذت “خطوات كبيرة” نحو تأسيس خدمة توصيل منزلي أكثر كفاءة.
وكانت أمازون قد أسست، على مدى السنوات القليلة الماضية، نشاطا تجاريا ضخما عبر الإنترنت لبيع سلع أساسية مثل المنتجات الورقية، والسلع المعلبة، وأغذية الحيوانات الأليفة، ومنتجات الصحة والجمال.
وزادت هذه المبيعات حينما أجبرت الأزمة الصحية في عامي 2020 و2021 العديد من الناس على شراء البقالة والمواد الاستهلاكية عبر الإنترنت للمرة الأولى.
لكن الشركة استطاعت لأعوام أن تستكشف كيفية تحقيق أرباح من بيع الأغذية الطازجة، فجرّبت مجموعة متوالية من المبادرات، إذ أنّ توصيل اللحوم والمنتجات الغذائية الطازجة صعب ومكلف من الناحية اللوجستية.

وكانت المتاجر المادية أحد الحلول المطروحة لبلوغ تلك الغاية، إذ يمكن أن تكون لها فائدة مزدوجة باعتبارها مواقع استلام من جهة، ومراكز صغيرة لتسليم الطلبات من جهة أخرى.
ومع ذلك لم يكن الاستحواذ على هول فودز في صفقة بلغت قيمتها 13.7 مليار دولار كافياً، لأن السلسلة لم يكن لديها سوى 530 متجرا تقريباً، مقارنةً بالآلاف من المتاجر التي تحمل علامة وول مارت.
ولذلك، أطلقت أمازون في 2020 سلسلة أمازون فريش للبقالة، التي توفر خدمة استلام الطلبات على جانب الرصيف، وتعمل كمركز لتوصيل الطلبات إلى المنازل.
واليوم ينصبّ التركيز داخل المتاجر المجددة على إضفاء لمسات البيع بالتجزئة التقليدية، وليس الازدهار التقني الذي أبرزته أمازون على نحو صاخب لدى افتتاحها.
وعلى سبيل المثال تركز الشركة حالياً على عدد قليل من المناطق والولايات الرئيسية، ومنها إلينوي وشمال فرجينيا وواشنطن، كبديل من محاولة التوسع في مناطق متعددة.
وتخطط لإقامة احتفاليات تسويقية لإعادة تقديم أول المتاجر التي خضعت للتجديد إلى المتسوقين في بلدات مثل شاومبورغ وأوك لاون قرب شيكاغو.
كما تخضع ثلاثة متاجر أخرى للتجديد في جنوب كاليفورنيا، فضلاً عن إمكانية تجديد المتاجر المتبقية وعددها 39 إن لاقى التصميم الجديد استحسان المتسوقين.
وقال هوغيت “يختلف تصميم المتاجر المجددة من حيث المظهر الخارجي والشعور داخلها تماماً عن متاجر أمازون فريش الأخرى. ويتجاوب الزبائن مع تجربة أكثر إشراقاً وبهجة وسلاسة”.