ألم وبكاء… مستشفيات الإمارات تستقبل العشرات من أطفال غزة

القاهرة / أبوظبي - أمضت الفلسطينية أمّ محمد طوال الرحلة من العريش في مصر إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي وهي تبكي حاملةً ابنها الجريح ضمن دفعة أولى من أطفال فلسطينيين يتمّ إجلاؤهم تباعًا لتلقي العلاج في الإمارات.
وقالت أمّ محمد مرتدية حجابًا أزرق "ابني مصاب بشظية في العصب البصري والأطباء نصحوني بأن أعالجه في الخارج لأنه ليست هناك أدوية ولا مستشفيات” تعمل في غزّة. وأضافت "قدمتُ طلبًا لوزارة الصحة (التابعة لحماس) والحمدلله تمّت الموافقة عليه".
وفي وقت متأخر ليل الجمعة السبت، أخرج متطوّعون من الهلال الأحمر الإماراتي والمصري بحذرٍ طفلها الذي لم يتجاوز ثلاث سنوات، إضافة إلى سبعة آخرين مصابين أو مرضى، من سيارات إسعاف متوقفة على مدرج مطار العريش القريب من معبر رفح الحدودي مع غزة. ثمّ رُفعت منصّة حديد عملاقة تحمل أسرّة متنقلة وعليها الأطفال من مختلف الأعمار، إلى مستوى الطائرة لإدخالهم من بابها الخلفيّ. وكان يرافق معظمهم أحد أقاربهم.
وروت أمّ محمد التي كانت خائفة لأنها المرة الأولى التي تسافر في حياتها، أنها تركت زوجها المصاب في غزّة بعد أن "خضع لعملية جراحية دون تخدير" في مجمّع "الشفاء" الطبي، الذي أصبح منذ أيام محور العملية البرية التي ينفّذها الجيش الإسرائيلي. وتتهم إسرائيل حماس باستخدام المستشفى، وهو الأكبر في القطاع، مركزًا للقيادة، وهو ما تنفيه الحركة. وبحسب حكومة حماس، خرجت عن الخدمة 24 من المستشفيات الـ35 في قطاع غزة.
وتعاني المستشفيات التي لا تزال تعمل في قطاع غزّة المحاصر نقصا حادا في المعدّات الطبية والوقود وتدفّق عدد هائل من الجرحى والقتلى يتجاوز قدراتها الاستيعابية، في ظلّ لجوء عدد كبير من السكان إليها معتبرين أنها الأماكن الأكثر أمانًا في القطاع. ومن بين الأطفال الذين تمّ إجلاؤهم ليل الجمعة، فتى يبلغ 13 عامًا يحمل بيديه المخدّشتين، ابن عمّه البالغ عامين ورضّاعة حليب وعلى ظهره حقيبة سوداء. وروى المراهق الذي كان يرتدي قميصًا أحمر، أنه وابن عمّه فقدا ذويهما جراء الحرب ولم يعد لديهما أحد يهتمّ بهما في غزة. وهما آتيان إلى الإمارات ليعيشا مع جدّهما.
وخلال الرحلة إلى أبوظبي التي استغرقت أربع ساعات، كان معظم الجرحى يتألّمون. وراح فتى يبلغ 14 عاما ويجلس على كرسي متحرك، يبكي طوال فترة الرحلة في حين كان كوعاه وساقاه ملفوفين بضمادات. وأوضحت رئيسة فريق الإجلاء من مستشفى الشيخ خليفة مريم النعيمي لفرانس برس أن هناك “طاقمًا طبيًا كاملًا” من مستشفيات إماراتية في طائرة الإجلاء مؤكدةً استعداده للتعامل مع أيّ حالة خلال الرحلة. وقالت "نحن (نُعتبر) مستشفى متنقلا حاليا".
♦ المستشفيات التي لا تزال تعمل في قطاع غزّة المحاصر تعاني نقصا حادا في المعدات الطبية والوقود وتدفق عدد هائل من الجرحى والقتلى يتجاوز قدراتها الاستيعابية
وتراوحت الإصابات بين كسر في العمود الفقري أو في الساق وحروق إضافة إلى مريضة سرطان. وسيتلقى الأطفال، وهم المجموعة الأولى من ألف طفل سيتم إجلاؤهم، العلاج في مستشفيات إماراتية قبل إعادتهم إلى غزّة. وخلافًا للآخرين، كانت لُجين البالغة عشر سنوات والمصابة بسرطان في رئتيها، تبتسم وهي تحمل ورودًا حمراء قدّمها لها طاقم الطائرة. وأشارت والدتها إلى أن الطبيب المعالج في غزة رشّح اسم ابنتها لتستكمل علاجها في الخارج. وقالت أمّ لجين التي كانت مؤخرًا نازحة إلى إحدى مدارس القطاع، "لا يمكن أن أصف المعاناة” في غزة لاسيما "بالنسبة إلى الأكل والشرب".
وروت أن الرحلة من غزة إلى العريش ثم إلى أبوظبي، “كانت صعبة” مضيفةً أنه “عندما دخلنا إلى (الحدود) المصرية، كانت هناك صعوبة في الإجراءات، واستغرق الأمر وقتًا طويلًا بانتظار” استكمالها. وبدا الإرهاق واضحًا على وجوه الأشخاص الذين تمّ إجلاؤهم، إذ أنهم خرجوا من غزة عبر معبر رفح صباح الجمعة وأمضوا حوالي 12 ساعة عند الحدود المصرية لإنهاء ترتيبات سفرهم، وفق رواية عدد منهم. ومساءً انتقلوا إلى مستشفى في مدينة العريش لتقييم أوضاعهم الصحية قبل ركوب الطائرة.
وقال موفد الهلال الأحمر الإماراتي إلى مطار العريش محمد الكعبي ينودّ أن نقوم بعمليات إجلاء يومية” مضيفًا “إن شاء الله خلال الأسبوع المقبل نكون قد أجلينا من نتمكن من إجلائه لأن الوقت ثمين وهناك أرواح نخسرها". وتأتي رحلات إجلاء الأطفال ضمن سلسلة مبادرات إنسانية أعلنتها الإمارات، حيث أرسلت أبوظبي 51 طائرة تحمل 1400 طنّ من الإمدادات العاجلة في إطار حزمة مساعدات بقيمة 20 مليون دولار مخصصة لغزة.
وبعد ظهر السبت، أعلنت الإمارات أنها ستستضيف ألف فلسطيني مصابين بالسرطان من قطاع غزة من مختلف الفئات العمرية، لتلقي العلاج في مستشفياتها، وفق ما أوردت وكالة أنباء الإمارات "وام". وعند وصولهم صباح السبت إلى مطار أبوظبي، حمل متطوّعون فتى كانت ساقه ملفوفة بضمّادة ومثبتة بقضبان حديدية لإخراجه من الطائرة. وفي حين بدا وجهه شاحبًا وحزينًا، رفع الطفل شارة النصر بيده.