ألمانيا تخشى تدخلا تركيا في الانتخابات العامة

الناخبون من أصول تركية كتلة انتخابية يوجهها أردوغان.
الاثنين 2021/06/28
المساجد جسر أردوغان لتوجيه الجالية التركية

بعد أن اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مباشرة النظام التركي بالسعي للتدخل في انتخابات الرئاسة الفرنسية القادمة، يخشى الساسة الألمان بدورهم حملات التضليل والاستقطاب التي قد تطال الناخبين الألمان من أصول تركية وبقية الجاليات المسلمة.

برلين - تستعدّ ألمانيا لخوض انتخابات عامة في سبتمبر المقبل، وسط تحذيرات من مسؤولين سياسيين من مساعي التدخل الأجنبي في سيرورتها، خاصة من تركيا التي لها سوابق في التدخل المباشر في انتخابات 2017، والتي دعا فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان آنذاك الناخبين الألمان من أصول تركية إلى عدم التصويت للائتلاف الذي تقوده المستشارة الحالية أنجيلا ميركل.

وأعرب رئيس البرلمان الألماني فولفجانج شويبله عن خشيته من محاولة التأثير من الخارج على الحملة الانتخابية المقبلة في ألمانيا وتشكيل الرأي لانتخابات البرلمان الألماني (بوندستاغ).

وقال شويبله، المنتمي إلى الحزب المسيحي الديمقراطي، في إشارة غير مباشرة إلى تركيا “المتهمون المعتادون يرفضون دائما الاتهامات، حتى لو كانت هناك دائما دلائل واضحة”.

وأضاف “ما يقلقني تحديدا هو أن هناك جزءا كبيرا نسبيا من السكان مندمجين جيدا في ذواتهم، ولكن -وهو أمر شرعي- يُطلع نفسه جزئيا أو على نطاق واسع من وسائل الإعلام الأجنبية”.

وذكر رئيس البرلمان الألماني أنه في حملات التضليل داخليا، يتعين على المجتمع أن يركز بشكل متساو على المعلومات والثقة وقوة النقاش النقدي، وقال “علينا أن ندرك الخطر، ويجب ألا نكل، وقبل كل شيء يجب ألا نتخلى عن أحد”. وستجرى الانتخابات العامة في ألمانيا في الـ26 من سبتمبر المقبل.

فولفجانج شويبله: المتهمون يرفضون الاتهامات حتى لو كانت هناك دلائل واضحة

وفي انتخابات أغسطس 2017، وصف أردوغان زعماء الحزب الحاكم في ألمانيا بـ”أعداء تركيا”، وقال إنهم يستحقون رفض الناخبين الألمان ذوي الأصول التركية لهم.

ويمكن لنحو مليون شخص من أصول تركية يعيشون في ألمانيا التصويت في الانتخابات. ودعمت غالبية هؤلاء أردوغان في استفتاء 2017 الذي سمح بتوسيع صلاحياته الرئاسية.

وهاجم الرئيس التركي ألمانيا قبل ذلك رغم قوة علاقتهما التجارية وشراكتهما في حلف شمال الأطلسي (ناتو).

وتُعتبر الجالية التركية في ألمانيا أهم وأكبر جالية تركية في الخارج ويصل عددها إلى ما يزيد عن ثلاثة ملايين. كما تعيش في ألمانيا جاليات عربية ومسلمة كثيرة منذ سنوات.

ويعيش أتراك ألمانيا وضعا محبطا إلى حد كبير، وذلك بسبب انقسامهم ما بين مؤيدين للبلد الذي يعيشون فيه، وغالبيتهم يحمل جنسيته، وبين مناصرين لبلدهم الأم، كما وجدوا أنفسهم بين مطرقة العنصرية الألمانية وسندان غضب أردوغان.

وتجد الجالية التركية في ألمانيا المنقسمة على نفسها أصلا في ظل الاستقطاب الحادّ الذي تسببت به حكومة حزب العدالة، نفسها اليوم في وضع أصعب مع تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا، والتي ساهمت فيها بشكل غير مباشر الهيئات الدينية التركية في ألمانيا، والتي دأبت على تحريض أتراك ألمانيا على أنّ ولاءهم هو للدين ووطنهم الأم، وليس للبلد الذي استقبلهم ووفر لهم فرص العمل والعيش الكريم.

ويمتلك أردوغان نفوذا على الوجود التركي في ألمانيا عبر المدارس والمساجد وغيرها من الجمعيات الإسلامية وهو ما يضمن له التأثير على توجهاتهم الانتخابية خدمة لأجنداته.

وتدير تركيا نحو 900 مسجد من قبل الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية الخاضع لسيطرة حكومة أردوغان.

وأثيرت مؤخرا مخاوف بشأن تأثير الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية، الذي يعتبر ذراع الحكومة التركية في ألمانيا، على الجالية المسلمة في البلاد، وتحريكها وفقا لأجندتها.

ويحذر الساسة الألمان من أنه يجب “منع استيراد أيديولوجية أردوغان الخطيرة إلى ألمانيا عبر المساجد”.

وسبق أن أجرت السلطات الألمانية تحقيقات مع هذا الاتحاد الذي يدفع الرواتب إلى الأئمة في المساجد المدارة من قبله، بسبب الشبهات بتورط بعض موظفيه في التجسس على معارضين أتراك مقيمين في ألمانيا.

وقبل أشهر، حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من محاولات تدخل من جانب تركيا في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة التي ستُجرى في 2022، في وقت لا يخفي فيه أردوغان مساعيه للإطاحة بماكرون عبر صناديق الاقتراع حين قال “آمل أن تتخلص فرنسا من مشكلة ماكرون في أسرع وقت ممكن”.

مخاوف كثيرة أثيرت بشأن تأثير الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية على الجالية المسلمة في البلاد وتحريكها وفقا لأجندتها

وقال ماكرون في إطار فيلم وثائقي بثته قناة التلفزيون الفرنسية “فرانس 5” حول الرئيس التركي “بالتأكيد، ستكون هناك محاولات للتدخل في الانتخابات المقبلة. هذا مكتوب والتهديدات ليست مبطنة”.

وفي إشارة إلى الجدل الحادّ حول مسألة الدين التي أثيرت بعد خطابه الخريف الماضي عن الانفصالية الإسلامية، انتقد الرئيس الفرنسي ما اعتبره “سياسة أكاذيب تتبعها الدولة وتنقلها وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة التركية”، وكذلك “من قبل بعض القنوات الكبرى التي تسيطر عليها قطر”.

وبدأ ماكرون حملة لإعادة انتخابه، ركّز خلالها على الملفات المتعلّقة بالإسلام والأمن، محاولا جذب الناخبين الذين قد يدعمون زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان. وأدى ذلك إلى نزاع مع أردوغان.

وفي انتخابات الرئاسة الفرنسية سنة 2012 دعم الفرنسيون من أصول تركية الاشتراكي فرانسوا أولاند في مواجهة اليميني نيكولا ساركوزي.

وكان دعمهم لأولاند بمثابة العقاب لساركوزي (الذي ترأس البلاد من 2007 إلى 2012) الذي جرّم عدم الاعتراف بأحداث عام 1915 في منطقة الأناضول التركية أواخر العهد العثماني والتي استهدفت الأرمن كـ”إبادة جماعية”، كما عاق بشكل جزئي مسيرة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

5