ألغام الحرب تهدد حياة المدنيين في ليبيا

مقتل وجرح أكثر من 400 شخص في حوادث مرتبطة بذخائر غير منفجرة بعد الحرب.
الجمعة 2024/06/07
مخلفات تهدد مستقبل الليبيين

طرابلس - تمثل مخلفات الحرب في ليبيا تهديدا كبيرا للمدنيين وتحديا للسلطات وكذلك للمنظمات الدولية التي تسعى لإزالة الألغام والمتفجرات خاصة بعد تقارير تشير لمقتل وجرح العديد من الليبيين نتيجة انفجار بعض تلك المخلفات.
ويرى متابعون للشأن الليبي أنه بعد أربعة أعوام على انتهاء الحرب الدامية حول السيطرة على طرابلس بين ميلشيات حكومة الوفاق السابقة والتي بات الكثير منها مواليا لحكومة الوحدة الوطنية وبين قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر التي قدمت من الشرق، لا يزال الليبيون يواجهون خطراً يهدد حياتهم بشكل يومي ويتمثّل بمخلّفات الحرب من ذخائر وألغام غير منفجرة، على الرغم من الجهود المضنية التي بذلتها السلطات وأجهزة الدفاع المدني لإزالتها.
وأصيب أو قُتل أكثر من 400 شخص في حوادث مرتبطة بذخائر غير منفجرة بعد الحرب، وسجّلت 35 من تلك الحوادث العام الماضي فقط، وكان من بين ضحاياها 26 طفلا.
ويروي الطفل محمد صالح فرحات (10 أعوام) لحظة انفجار جسما معدنيا في الحائط بعد أن طرقه على الارض، فيقول "خرجت ذات يوم الساعة 11 بالتوقيت المحلي، رفقة اثنين من أصدقائي للعب في الباحة الخلفية للمنزل... التقطنا جسماً معدنياً وقمنا بطرقه لبضع دقائق قبل القائه بعيدا، فانفجر لحظة ارتطامه بالأرض.
وسقط محمد مضرّجا بالدماء، وركض صديقاه هاربين من دون معرفة ما الذي حدث. كانا يجريان والدماء تسيل من نقاط مختلفة من جسديهما الى أن التقى بهما شخص نقلهما إلى المستشفى.
ويقول همّام (12 عاما) الذي يقيم في قسم إيواء الأطفال في مصحةّ بطرابلس حيث يتلقّى العلاج "وجدنا قطعة معدنية في حائط المزرعة. ظننا أنها قطعة خردة، الى أن مرّ بنا جار لنا وطلب منا رميها لأنها قذيفة. رميناها بخوف، وبعد ثوان، سمعنا انفجارا قويا وسقطنا على الأرض".
ويضيف الطفل الذي يحمل ضمادات في أماكن مختلفة من جسمه، وقد تسبّبت شظية بتضرّر أعصاب قدميه، "لم نفهم أنها ذخيرة سلاح"، متابعا بحزن "أنا آسف، لن نلعب هناك مرة أخرى".
يرقد قربه شقيقه ليث الذي يصغره بعام، وهو يتلقى العلاج من إصابة طفيفة. ويقول بدوره "لم نكن نتوقع، كنا نلعب فقط".
وبين أبريل 2019 يونيو 2020، شنّ المشير خليفة حفتر، هجوما عسكرياً للسيطرة على العاصمة الليبية، لكن قواته انسحبت من دون تحقيق هدفها.
وبحسب تقرير لوزارة الخارجية الأميركية، قامت قوات مجموعة "فاغنر" المدعومة من الكرملين والداعمة لقوات حفتر في الحرب بزرع ألغام أرضية أثناء انسحابها من ضواحي طرابلس. كما أن قوات موالية له تركت عبوات ضمن ألعاب أو أواني طهي...
وتنتشر هذه المخلفات في مناطق جنوب طرابلس يقطنها أكثر من نصف مليون شخص من أصل ثلاثة ملايين هو العدد الإجمالي لسكان العاصمة.
ويرى صالح فرحات (42 عاما)، والد محمد، أن المنطقة التي يقطنون فيها باتت "منكوبة"، مطالبا بتكثيف الجهود لتنظيف رقعة جغرافية سكانية واسعة من مخلّفات الحرب والألغام التي تهدّد سكان جنوب طرابلس.
ويقول الأب لخمسة أطفال من باحة منزله حيث وقع الانفجار، "شهدت هذه المنطقة اشتباكات ومعارك عنيفة منذ العام 2011، ونسمع بين الحين والآخر عن تعرّض أحد الجيران لبتر طرف نتيجة انفجار مفاجئ".
ويتابع بحسرة "لم تقم الدولة بالجهد الكافي لنزع ورفع الألغام والمخلّفات... أنا أب مكسور لدي ابن وحيد وأربع بنات أشعر بالحزن العميق لإصابة ابني الخطيرة".
ويقول الفريق الطبي المتابع لحالة محمد إن شظايا عدة أصابت جسده، لكن الشظية الأخطر استقرّت في دماغه، وحالته مستقرة الآن، لكنه سيحتاج إلى برنامج علاجي طويل ومكثّف.
ومنذ سقوط نظام الزعيم معمر القذافي في 2011، تشهد ليبيا فوضى عارمة وتحكمها حكومتان واحدة في الغرب برئاسة عبدالحميد الدبيبة وأخرى في الشرق مدعومة من البرلمان الليبي وخليفة حفتر.
وناشد عضو بلدية أبو سليم في منطقة طرابلس الصديق العباسي جميع الأطراف المعنية بتوفير المعدّات التقنية الحديثة لإعادة مسح المنطقة المنكوبة من مخلّفات الحرب، قائلا إن "الأمر يجعل السكان خائفين وحياتهم في خطر".
وأكد العباسي أن بلدية أبو سليم الواقعة جنوب العاصمة من أكثر المناطق التي تضرّرت في الحرب الأخيرة، إذ تسبّبت الاشتباكات العنيفة في انتشار واسع لمخلفات الحرب"، إذ شهدت عمليات عسكرية مكثفة.
وأعلن المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام في مطلع مايو عن خطط مشتركة لتطوير مكافحة الألغام بالتعاون مع مركز جنيف الدولي لإزالة الألغام لأغراض إنسانية وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وسبع منظمات غير حكومية.
ووفقا للأمم المتحدة، نجحت ليبيا في تنظيف حوالى 36 بالمئة من الأراضي الخطرة التي تمّ تحديدها، إلا أن حوالى 436 مليون متر مربع لا تزال "ملوثة."
واعتبرت مديرة دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في ليبيا فاطمة زريق أن هذه الأرقام "لا تسلّط الضوء على التحدّيات الخطيرة التي نواجهها فحسب، بل تؤكد أيضا على الأهمية الحيوية للشراكات الدولية، مضيفة "يمكننا تعزيز قدرات قطاع الأعمال المتعلقة بالألغام، وضمان مستقبل أكثر أمانًا للجميع".
وأوضحت أن تطوير استراتيجية ليبيا لمكافحة الألغام سيفضي في نهاية المطاف إلى "تعظيم تأثير جهود الأعمال المتعلقة بالألغام وتقليل المخاطر التي تتعرض لها المجتمعات المحلية".
ووفقا لمسؤول بوزارة الدفاع الليبية، فإن الاستقرار السياسي وحده من سيسمح في نزع كل مخلفات الحرب والألغام، معتقدا "أن سلطة تنفيذية موحدة تستطيع خلال فترة تتراوح بين 5 إلى 10 أعوام من الانتهاء من عمليات تطهير كل الأراضي الليبية من مخلفات الحرب".