ألعاب الفيديو طريق سهل لنشر الأخبار المزيفة

مع استخدام مطوري ألعاب الفيديو تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بلغ التضليل الإعلامي عبر حسابات وسائل التواصل الاجتماعي ذروته، ويحذر الخبراء من اتساع الظاهرة ومن غياب الحلول في المستقبل القريب.
لندن- لم يدرك الملايين الذين شاهدوا مقطع فيديو عن أحدث نظام دفاع جوي ليزري إسرائيلي وشاركوه على وسائل التواصل الاجتماعي زيفه.
وأظهر المقطع العشرات من صواريخ حماس في سماء الليل، وتبعها وميض انفجارات في الجو حين أسقطها سلاح الليزر الإسرائيلي الجديد الذي لم يُنشر بعد.
وتداول رواد وسائل التواصل الاجتماعي لأسبوع المقطع الذي سجل الملايين من المشاهدات، قبل أن يكشف مدققو الحقائق زيفه. ثم أضاف فيسبوك وإكس علامة عليه تقول “هذه لعبة فيديو”.
وأصبحت لعبة المحاكاة العسكرية “أرما 3” منذ السابع من أكتوبر مصدرا للعديد من مقاطع الفيديو المستخدمة لنشر معلومات مضللة عبر حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي تجمع مئات الآلاف من المتابعين.
ويحذر خبراء التكنولوجيا والألعاب من أن المطورين يستخدمون الذكاء الاصطناعي لجعل الألعاب أكثر واقعية، ويعتمده البعض لإنتاج مقاطع مزيفة يصعب اكتشافها. ويوسع هذا نشر الروايات الكاذبة حول الأحداث والصراعات العالمية الحالية.
وقال مايكل كوك، المتخصص في الذكاء الاصطناعي في تصميم الألعاب وتطويرها في رويال كوليدج أوف لندن، إن “تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تتحرك بسرعة، وتعتمدها مؤسسات تطوير الألعاب في عملياتها الإبداعية، ويستغلها المعدلون”.
وهذا ما يشكل تحديا لشركات التواصل الاجتماعي التي تُستخدم مواقعها لنشر مقاطع الفيديو المزيفة ونشر الروايات الكاذبة.
وقال كوك لمؤسسة تومسون رويترز “لا نلاحظ في الكثير من الأحيان الأخطاء في الصور التي ينشئها الذكاء الاصطناعي عندما نلقي نظرة سريعة عليها على فيسبوك. وسيزداد الأمر سوءا قبل أن يتحسن. لكن الكثيرين لن يثقوا فيما يرونه على الإنترنت بعد اليوم للأسف”.
وتُمكّن “أرما 3” المستخدمين من تصميم اللعبة أو “تعديلها” على نطاق واسع لتشمل خرائط وأسلحة وآليات مختلفة دون مهارات تقنية متقدمة. وهذا ما يجعلها طريقة سهلة لإنشاء المقاطع ونشر الأخبار المزيفة.
وقال بافيل كريشكا، وهو المتحدث باسم شركة بوهيميا إنتراكتيف التي طورت “أرما 3” إن “العثور على مقاطع الفيديو الإخبارية المزيفة وفضحها يبقى جهدا جماعيا يشمل مطورينا ولاعبي أرما والمجموعات المرتبطة، والمنظمات المتخصصة في تدقيق الحقائق”.
وأضاف “لا توجد طريقة للقضاء على المشكلة نهائيا حتى بمساعدة هؤلاء المتخصصين”.
واعتُمدت أرما في 2022 لتصوير فيديو مدته 36 دقيقة يزيف مشاهد للغزو الروسي لأوكرانيا. واستُخدم في 2021 لإنتاج مقطع يزعم أنه غارة جوية باكستانية على أفغانستان.
وقال كريشكا إن الشركة كانت تتعامل مع مقاطع الفيديو هذه منذ 2009. كما تتفاقم المشكلة مع التطورات في محركات الألعاب، والبرمجيات التي يستخدمها المطورون لصنع الألعاب، والذكاء الاصطناعي.
وتبلغ قيمة صناعة ألعاب الفيديو العالمية حوالي 187.7 مليار دولار، وتشمل وحدات التحكم مثل أجهزة البلاي ستيشن من سوني وأجهزة الإكس بوكس من مايكروسوفت، بالإضافة إلى الألعاب نفسها.
وأوضح كريشكا أن لألعاب الفيديو عيوبها الواضحة التي تكشف عن مصدرها.
ويصعب التقاط صور لأشخاص يبدون طبيعيين وهم يتحركون وتتبع كيفية تحرك جزيئات النار والدخان والغبار بعد الانفجار.
وتتجاوز الجهات الخبيثة ذلك بتقسيم اللقطات المأخوذة من ألعاب الفيديو أو تصوير الشاشة بهاتف ذكي مع المبالغة في اهتزاز الكاميرا للإشارة إلى أن اللقطات مأخوذة من خطوط القتال الأمامية الحقيقية.
وقالت بيبا ألين كينروس، وهي محررة في منظمة فول فاكت للتدقيق في الحقائق بلندن، إن مدققي الحقائق يستطيعون اكتشاف منشأ الفيديو الأصلي، لكن تداولهم لها قد يسهل نشر المعلومات المضللة عبر الإنترنت في البداية.
وقد تندثر الدلالات مع تحسن التكنولوجيا المستخدمة في تصميم ألعاب الفيديو، حيث تسعى الشركات إلى خلق المزيد من الواقعية في ألعاب الجيل التالي.
وتتعرض منصات التواصل الاجتماعي لانتقادات بسبب ما يعتبر فشلا في معالجة المعلومات المضللة كما يجب. واشتد الضغط مع اندلاع الصراعات العالمية.
وتستخدم شركات وسائل التواصل الاجتماعي الذكاء الاصطناعي لإدارة المحتوى على منصاتها، لكن واقعية ألعاب الفيديو خلقت تحديات لأنظمتها.
وشهد فيسبوك في 2019 بث حادث إطلاق نار جماعي في كرايس تشيرش بنيوزيلندا مباشرة على المنصة. وقالت ميتا إن نظام الكشف التلقائي الذي تعتمده لم يتفطن للأمر بسبب نقص تنبيهات المستخدمين للمقطع الدامي وتشابهه مع محتوى ألعاب الفيديو.
خبراء التكنولوجيا والألعاب يحذرون من أن المطورين يستخدمون الذكاء الاصطناعي لجعل الألعاب أكثر واقعية
وكتب جاي روزين، نائب رئيس إدارة المنتجات في ميتا حينها، عبر منشور إن التحدي يتمثل في التمييز تلقائيا بين هذا المحتوى والمحتوى المشابه بصريا وغير الضار. وأضاف “على سبيل المثال، إذا حددت أنظمتنا الآلاف من مقاطع الفيديو من ألعاب الفيديو التي يبثها المشاركون مباشرة، فقد يفوت مراجعونا مقاطع الفيديو المهمة في العالم الحقيقي حيث كان يمكننا تنبيه السلطات المعنية لإرسال المساعدة على أرض الواقع”.
وتتوقع ألين كينروس أن يصعب تمييز ألعاب الفيديو عن الأحداث الحقيقية بمرور الوقت بسبب تطورها.
ويقول الخبراء إن عوائق توليد المعلومات المضللة تتراجع مع استمرار التطورات في مجال ألعاب الفيديو والذكاء الاصطناعي. وشددوا على أن القضية الأساسية الأكبر تبقى اجتماعية وليست تكنولوجية.
وقال ساشا ألتاي، وهو زميل باحث في مختبر الديمقراطية الرقمية بجامعة زيورخ، إن “ما يعزز المعلومات الخاطئة والمضللة هو لمسها لاهتمامات الناس وقيمهم وهوياتهم. لا تحتاج إلى تكنولوجيا متطورة بل إلى فهم الحاجة إلى رؤية ما يدعم روايات محددة. وهذا ما يفعله القادة الشعبويون. هم يحملون مكبرات الصوت ويصرخون فيها ما يريد جمهورهم أن يسمعوه”.