أكراد سوريا يثبّتون أركان نظامهم الإداري الجديد بإجراء انتخابات بلدية

الإدارة الذاتية تدعو المنظمات الدولية إلى مراقبة سير العملية الانتخابية.
الأربعاء 2024/05/22
مرحلة جديدة

قطعت الإدارة الذاتية الكردية أشواطا كبيرة في فرض أمر واقع جديد في شمال سوريا وشرقها، من ذلك الانتخابات البلدية التي تعتزم إجراءها الشهر المقبل، والتي سبقها إقرار دستور جديد، وإرساء مؤسسات من قبيل مفوضية انتخابات ومحكمة دستورية.

الحسكة (سوريا) - تستعد الإدارة الذاتية لإقليم شمال سوريا وشرقها لإجراء أول انتخابات بلدية بعد التغييرات الهيكلية التي أدخلتها على المنظومة الإدارية، في توجه يهدف إلى تكريس أمر واقع في المنطقة، يقوم على تركيز نموذج شبيه بإقليم كردستان في شمال العراق. ودعت الإدارة الذاتية الثلاثاء المنظمات الدولية الحكومية منها وغير الحكومية إلى مراقبة سير العملية الانتخابية للاستحقاق البلدي المقرر إجراؤه في الحادي عشر من يونيو المقبل.

وقالت الإدارة في بيان إنها فتحت باب الترشح للانتخابات، ووزعت البطاقات الانتخابية على الناخبين، في حين لا تزال مستمرة في العمل على تحديد مراكز الاقتراع وتسميتها. ودعت في بيانها المنظمات إلى مراقبة سير العملية الانتخابية، ومراقبة افتتاح مراكز الاقتراع والتأكد من استعداداتها.

ورحبت بمتابعة هذه المنظمات لعملية التصويت، والتأكد من توفير الظروف الملائمة للناخبين للإدلاء بأصواتهم، ومراقبة عملية فرز الأصوات و”التأكد من نزاهتها”. وحثت أبناء المنطقة التي تسيطر عليها على التوجه إلى صناديق الاقتراع، والإدلاء بأصواتهم “بكل حرية” لمن يرغبون في أن يمثلهم في البلديات.

وسبق أن أجرت الإدارة الذاتية انتخابات بلدية في عام 2016 لكن الاستحقاق المقبل يكتسي أهمية خاصة لكونه يأتي بعد إصلاحات هيكلية، تضمنت توحيد كل مناطق سيطرتها تحت اسم “إقليم شمال شرق سوريا” وإقرار دستور له تحت عنوان “العقد الاجتماعي”.

وتزامنت تلك الخطوات مع تشكيل “مفوضية عُليا للانتخابات” و”محكمة دستورية”. ويقول متابعون إن الإدارة الذاتية الكردية حرصت على استثمار الظرفية الداخلية والإقليمية، والدعم الأميركي في سياق بناء نهج مؤسساتي يكرس أمرا واقعا بدأ العمل عليه منذ عام 2013. وفي تعميم منفصل أشارت الإدارة الذاتية الثلاثاء إلى أنه تحق للنازحين والمهجرين من محافظات سورية أخرى، ويقيمون في مناطق سيطرتها، المشاركة في الانتخابات المقبلة.

وكانت الإدارة الذاتية بدأت الأحد في توزيع البطاقات الانتخابية على الناخبين في مناطق سيطرتها، تمهيدا للاستحقاق المرتقب. وبموجب المادة السابعة من قانون الانتخابات الذي تم إقراره العام الجاري، تُمنح البطاقة الانتخابية لمن أتم سن الثامنة عشرة، ويكون من أبناء شمال سوريا وشرقها.

وصادق مجلس الشعوب الديمقراطي (برلمان) في السابع من أبريل الماضي على قانون البلدية واتحاد البلديات الديمقراطي. وأصدر مجلس الشعوب الديمقراطي في فبراير قانون المفوضية العليا للانتخابات التي تتكون من 20 عضواً، مدة عضويتهم أربع سنوات قابلة للتجديد، وتم تعيين كل من روكن ملا إبراهيم وحسين الشيخ لرئاسة مشتركة للمفوضية.

◙ الانتخابات المقبلة تكتسي أهمية خاصة لكونها تأتي بعد إصلاحات هيكلية تضمنت إقرار دستور تحت عنوان العقد الاجتماعي

وقال الرئيس المشترك للمفوضية العليا للانتخابات حسين الشيخ “يتألف قانون الانتخابات البلدية من 29 مادة، وينظم القانون الأسس والإجراءات البلدية ويشمل نظام الانتخاب، وإجراءات انتخاب الرئاسة المشتركة للبلدية وأعضاء المجلس البلدي، والأحكام المتعلقة بالدوائر الانتخابية والترشح والانتخاب”.

وأضاف الشيخ “من أهم الشروط أن يكون قيد نفوس الناخب تابعا لمناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية وتتوفر فيه الشروط القانونية والأهلية للتصويت في الانتخابات، والمرشح أيضاً يجب أن يكون قيد نفوسه تابعا لمناطق الإدارة الذاتية وتم قبول ترشيحه رسمياً من قبل المفوضية”.

وحول آلية تشكيل المفوضيات في كل مقاطعة، أوضح “قمنا بإرسال كتاب لمجلس الشعوب الديمقراطي ليخاطب من خلاله كافة المقاطعات في إقليم شمال سوريا وشرقها لتحضير اللجان التحضيرية لانتخاب البلديات”.

ولفت إلى أن كل مدينة وبلدة تعدان دائرة انتخابية لانتخاب الرئاسات المشتركة للبلديات وأعضاء مجلس البلدية، وكل لجنة لها كافة الصلاحيات في العملية الانتخابية، وتتألف كل لجنة من مكتب تدريب ومكتب الطعون ومكتب الدائرة الانتخابية، وبكل مقاطعة تشرف المفوضية على عملية الانتخابات لرفع التقارير إلى المفوضية العليا للانتخابات في شمال سوريا وشرقها.

وقد لاقت المفوضية انتقادات لكونها مكونة من شخصيات محسوبة أساسا على حزب الاتحاد الديمقراطي، الحزب الرئيسي الذي يحكم قبضته على المنطقة. ويرى متابعون أن حزب الاتحاد الديمقراطي يحاول أيضا من خلال التغييرات التي أحدثها والانتخابات التي يصر على إجرائها إضفاء نوع من الشرعية على حكمه للمنطقة.

وكان الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكرية وحدات حماية الشعب قد استفادا بشكل كبير من الأزمة السورية من أجل تحقيق حلم إقامة حكم ذاتي. وأسس الاتحاد الديمقراطي في العام 2013 إدارة ذاتية مستغلا الفراغ الذي خلفته دمشق في شمال سوريا وشرقها. وتعززت طموحات الإدارة الذاتية بعد تشكيل قوات سوريا الديمقراطية في العام 2015 بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، لمواجهة تنظيم داعش.

وترأست وحدات حماية الشعب قوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصارا بقسد، والتي تضم تشكيلات عسكرية أصغر من المكونين العربي والمسيحي ما فسح المجال أمام الإدارة الذاتية للتمدد إلى دير الزور. وتطورت التجربة عام 2016 وأصبحت تسمى “فيدرالية شمال شرقي سوريا”، مع إجراء انتخابات بلدية، لكن تم التراجع خطوة إلى الوراء جراء ضغوط محلية وإقليمية كانت تنظر إلى ما يحدث على أنه مقدمة للانفصال.

وأعادت الإدارة الذاتية ترتيب أوراقها مطلع العام الجاري بإعلان شكل إداري جديد، مؤكدة أنه يقطع الطريق أمام أي تأويلات بشأن الانفصال وأن الهدف منه تعبيد الطريق لنظام لامركزي في سوريا. ويرى مراقبون أن الإدارة الذاتية قطعت أشواطا كبيرة في فرض مشروعها في شمال سوريا وشرقها لكن الحفاظ على هذه المكاسب لا يخلو من تحديات في ظل رفض أنقرة ودمشق الاعتراف بهذه الإدارة.

2