أكراد سوريا يتحركون لترتيب بيتهم الداخلي استباقا لضغوط من دمشق

يأمل أكراد سوريا في نجاح الحوار المرتقب بين قوات سوريا الديمقراطية ومن خلفها الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي، حيث أن الوضع لا يحتمل الإبقاء على الخلافات، لاسيما مع التحولات الراهنة في المشهد السوري، وما تفرضه على المكون الكردي من تعقيدات.
الحسكة (سوريا)- تفرض التحديات السياسية والأمنية على الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا، توحيد الصف، حيث أن الانقسامات الداخلية من شأنها أن تضعف موقف هذا المكون في التفاوض حول حقوقه السياسية خلال بحث المرحلة الانتقالية في سوريا.
وبدأت الإدارة الذاتية التحرك في هذا الإطار، ومن المرجح أن يجري لقاء في الأيام القليلة المقبلة بين مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية، وقيادة المجلس الوطني الكردي، برعاية غربية.
وكان قائد قسد أكد عقب لقاء جمعه مع الزعيم الكردي مسعود بارزاني في وقت سابق من الشهر الجاري، “أن موقف الأكراد في سوريا يجب أن يكون موحدا وأن الحوار مع دمشق يجب أن يحمي حقوق الشعب الكردي بطريقة سلمية.”
وأجرى عبدي أول زيارة لعاصمة إقليم كردستان، واستقبله الزعيم بارزاني في مصيف صلاح الدين في أربيل، وبحث الجانبان مجموعة من القضايا التي تهم الشأنين الكردي والسوري. ويعتقد أن اللقاء ركز في أحد جوانبه على استئناف المفاوضات بين القوى الكردية.
وتدعم أربيل المجلس الوطني الكردي، ولها تأثير مباشر عليه الأمر الذي يعزز من فرص التوصل إلى تفاهمات بين المجلس وقسد ومن خلفها الاتحاد الديمقراطي.
وقال فيصل يوسف، الناطق باسم المجلس الوطني الكردي في سوريا، الاثنين، إن لقاء مرتقبا سيجري بين قائد قوات سوريا الديمقراطية، وقياديين في المجلس.
وأضاف يوسف أن مسؤولين بالتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ينسقون عقد اللقاء في إطار سعيهم لمشاركة كل المكونات السورية بعملية الانتقال السياسي في البلاد.
وتشهد الساحة الكردية في سوريا انقساما عموديا بين الإدارة الذاتية التي يقودها الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، ومجلس الوطني الكردي، هو عبارة عن تحالف يضم عدد من الأحزاب والتنظيمات الشبابية ومستقلين، ومنخرط ضمن تحالف سياسي أوسع هو ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية.
وعمد الاتحاد الديمقراطي عبر ذراعه العسكري وحدات حماية الشعب، عقب تفجر الأحداث في سوريا في العام 2012، إلى السيطرة على مناطق في شمال شرق البلاد، بعد انسحاب القوات السورية آنذاك منها للتصدي لفصائل المعارضة.
وعزز الاتحاد الديمقراطي من وجوده في المنطقة مشكلا تحالفا أطلق عليه قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتمدد لمناطق في شرقي سوريا وشمال غربها، مستفيدا من دعم تحالف دولي تشكل في العام 2014 بقيادة واشنطن للتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية، وأعلن الاتحاد عن تأسيس إدارة ذاتية، تشمل أجزاء من ريف الرقة والحسكة وصولا إلى دير الزور.
وقد واجه حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكرية قسد ثلاث حملات عسكرية من قبل تركيا التي تعتبر الحزب امتدادا لحزب العمال الكردستاني، لكن ذلك لم يحل دون تكريس نفوذه في المعادلة السورية، مستفيدا أيضا من موقف الرئيس السابق بشار الأسد، الذي لم يكن يعتبر مواجهة قسد أولوية.
في المقابل خير المجلس الوطني الكردي منذ البداية الالتحام بالمعارضة السورية المدعومة من تركيا، وعانى من ملاحقات الإدارة الذاتية في المناطق التي تسيطر عليها، وقد جرت محاولات في السابق لرأب الصدع بين المكونين الكرديين لعل أبرزها في العام 2019، لكن دون نتائج.
ويعزو محللون فشل الحوار الكردي – الكردي إلى أن الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكري كان يعتبران أنهما في موقع قوة وبالتالي لا حاجة لتقاسم المكاسب التي تحققت مع أي طرف ثان، حيث أن المجلس الوطني كان يطالب بالمشاركة في الإدارة الذاتية، وفي عودة القوات التابعة لهم “البيشمركة روج” من كردستان العراق إلى شمال شرق سوريا.
لكن مع سقوط نظام الرئيس الأسد في الثامن من ديسمبر بعد هجوم خاطف قادته هيئة تحرير الشام، تغير الوضع، ووجد حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه قسد أنفسهما في موقف صعب، في ظل إصرار الإدارة السورية الجديدة بدافع من تركيا إلى حل قسد وانضمام قواتها بشكل فردي للجيش السوري الجاري تشكيله.
ولمواجهة الوضع الطارئ تحركت قيادة الإدارة الذاتية في أكثر من اتجاه، ومنها توحيد الموقف الكردي في مواجهة هذه التحولات.
وقال الباحث المتخصص بشؤون فواعل ما دون الدولة في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية أسامة شيخ علي، إن الأطراف الكردية تحاول ترتيب بيتها الداخلي، قبل البدء بخوض نقاشات مع دمشق.
ورجح شيخ علي في تصريح لموقع “عنب بلدي” السوري، التوصل إلى تفاهم بين المجلس الوطني الكردي وقوات سوريا الديمقراطية، بسبب حساسية المشهد العام في سوريا خلال الفترة الحالية.
وأضاف “يبدو أنها (قسد) تدرك أن الوضع لا يحتمل المزيد من الخلافات، وستكون خسارتها أكبر في حال رفض الحوار،” وتوقع الباحث أن يخرج اللقاء بين الجانبين بنوع من التفاهمات.
واعتبر شيخ علي أن الفترة المقبلة قد تشهد الإعلان عن هيئة ما، أو لجنة ما، كما حصل خلال اتفاقات “هولير” (الحوار الكردي – الكردي) بنسختيها الأولى والثانية، خصوصًا إذا كانت هناك أهداف محددة بين المجلس الوطني وقسد للحوار مع دمشق.
وقال إن الحديث القائم حاليا عن حوار كردي داخلي، يهدف بنهاية المطاف لتشكيل وفد موحد يعتبر مسؤولًا عن التفاوض مع دمشق، بالتالي لا مشكلة أمام الحوار بين الجانبين وفق شيخ علي.
ولفت إلى أنه لا مشكلة بالنسبة لقسد حول الحوار مع المجلس الوطني الكردي طالما أن الموضوع لا يتعلق بإدارة شمال شرقي سوريا، لكن الدخول بتفاصيل حول الإدارة والقوات العسكرية وتقاسم السلطة، سيفشل أي طرح بين الجانبين.
لا مشكلة بالنسبة لقسد حول الحوار مع المجلس الوطني طالما أن الأمر لا يتعلق بإدارة شمال شرقي سوريا
وتطالب الإدارة الذاتية بتطبيق نظام سياسي في سوريا قائم على اللامركزية. وصرح قائد قوات سوريا الديمقراطية في وقت سابق بأن “اللامركزية هي الخيار الأنسب للواقع الحالي في سوريا،” موضحاً أنها لا تتعارض مع مفهوم وحدة الأرض السورية.
ولفت عبدي إلى أنهم منفتحون على ربط قوات سوريا الديمقراطية بوزارة الدفاع السورية على أن يكون ذلك ككتلة عسكرية موجودة ضمن هذا التشكيل وليس على شكل أفراد تنضوي ضمن وزارة الدفاع، كما طالب في وقت سابق قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع.