أكراد العراق سئموا من قيادتهم السياسية: نريد حل الكيان الدستوري للإقليم

تنامي حجم الرفض الشعبي في أربيل لسيطرة آل بارزاني.
الأربعاء 2023/02/08
وضع لا يسر

بات جزء كبير من أكراد العراق يحن إلى عهد الدولة المركزية، في ظل تدهور الأوضاع على مختلف المستويات في الإقليم، وانحسار الأفق بشأن حدوث تغير نحو الأفضل مع الصراع المستفحل بين الحزبين الرئيسيين، والذي ينذر بخروجه عن السيطرة.

أربيل (العراق) – كشف استطلاع للرأي أعده المركز الأكاديمي “الاستفتاء والتحليل” حول مستقبل كردستان العراق، عن مزاج كردي بات يميل إلى حل الكيان الدستوري للإقليم والعودة إلى أحضان السلطة المركزية في بغداد.

ويرى متابعون للشأن الكردي أن تنامي رغبة أكراد العراق في العودة مجددا إلى بغداد يعكس حجم الإحباط داخل الأوساط الشعبية بفعل الأوضاع السياسية والاقتصادية الضاغطة في الإقليم.

ويشير المتابعون إلى تراجع دراماتيكي في منسوب الثقة بالمؤسسات داخل إقليم كردستان الذي يحظى بحكم ذاتي في شمال العراق منذ تسعينات القرن الماضي، في ظل صراعات مزمنة بين الحزبين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وتفشي  الفساد في مفاصل الإقليم، إلى جانب غياب العدالة الاجتماعية والتفاوتات بين المناطق والمحافظات الأربع.

وعمقت الأزمة الاقتصادية التي يعانيها الإقليم بسبب ارتفاع سعر الدولار حالة التململ، فضلا عن الخلافات بين أربيل وبغداد، والتي لا يبدو أن هناك أفقا لحسمها قريبا، لاسيما بعد قرارات المحكمة الاتحادية.

42

في المئة من سكان المناطق الخاضعة للحزب الديمقراطي يؤيدون خيار حل الكيان

وكانت المحكمة الاتحادية، وهي أعلى هيئة قضائية في العراق، قضت مؤخرا بمنع أي تحويلات مالية للإقليم. جاء ذلك بعد أشهر من قرار قضائي يقضي بعدم دستورية تصدير النفط من جانب حكومة مسرور بارزاني.

ويرجح المتابعون صدور قرار قضائي جديد من محكمة باريس خلال الفترة القادمة يقضي بعدم أحقية تصدير نفط كردستان عبر ميناء جيهان التركي، مما سيستوجب على حكومة الإقليم تسديد ديون متراكمة تقارب ثلاثين مليار دولار أميركي.

وبحسب الاستطلاع الذي أجراه مركز الأبحاث “الاستفتاء والتحليل” فإن 50.7 في المئة من المصوتين يؤيدون حل الكيان الدستوري لإقليم كردستان والعودة مجددا إلى السلطة المركزية في العراق.

وكشف الاستطلاع أن 42 في المئة من السكان في المناطق الخاضعة للحزب الديمقراطي يؤيدون خيار الحل والعودة إلى الدولة المركزية، وترتفع هذه النسبة في المناطق المحسوبة على الاتحاد الوطني إلى 64 في المئة، فيما يرفض نحو 59 في المئة تنظيم تظاهرات شعبية ضد الحكومة المركزية في بغداد.

ويرى المتابعون أن تصاعد رغبة سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الاتحاد الوطني في حل الكيان الدستوري يعود إلى شعور متنام بالتمييز، سواء في علاقة بالميزانية المخصصة لهذه المناطق من الإقليم أو بحصصها من المشاريع.

ويشير المتابعون إلى أن الملفت في سبر الآراء هو وجود قاعدة شعبية مهمة في مناطق نفوذ الحزب الديمقراطي ترغب هي الأخرى في الحل، وهذا يعكس تنامي حجم الرفض لسيطرة آل بارزاني.

وكشف سبر الآراء أن نحو 80 في المئة من المواطنين يعتبرون ممثلي إقليم كردستان من النواب والوزراء والهيئات الاستشارية في بغداد غير مؤهلين.

وذكر تقرير يلخص نتيجة استطلاع الرأي أن المواطنين في إقليم كردستان يفتقدون الثقة بالطبقة السياسية “معارضة وسلطة”، وقد وصل الأمر إلى اقتناع نسبة كبيرة من المشاركين في الاستفتاء بأن الكيان الدستوري للإقليم لا جدوى منه لذلك يؤيدون حلَّه.

وبحسب نتيجة الاستطلاع فإن المشاركين يعزون أسباب القرارات التي أصدرتها المحكمة الاتحادية ضد إقليم كردستان إلى الخلافات والأزمات المتصاعدة بين الحزبين الرئيسيين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني.

فف

ومركز “الاستفتاء والتحليل” هو مركز أكاديمي تأسس عام 2010 من قبل مجموعة من المختصين والخبراء ويتخذ من أربيل مقرا رئيسيا له، وأجرى المركز سبر الآراء حول سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها المحكمة الاتحادية مؤخرا والتي تتعلق بملف تصدير النفط والطاقة أحادي الجانب من قبل حكومة الإقليم، وشارك في الاستفتاء نحو 1000 شخص معظمهم من الموظفين الحكوميين.

 وشمل سبر الآراء معظم المدن في إقليم كردستان، وقد صنف هذا الإقليم إلى مقاطعتين رئيسيتين، الأولى المناطق الخاضعة لسلطة الحزب الديمقراطي الكردستاني وهي محافظتا أربيل ودهوك، أما الأخرى فتخضع لسلطة الاتحاد الوطني الكردستاني وهي السليمانية وحلبجة وكرميان ورابرين.

 ويتكون إقليم كردستان من ثلاث محافظات رئيسية هي أربيل ودهوك والسليمانية، وأضيفت إليه عام 2015 محافظة حلبجة شرقا، ويتمتع الإقليم بغطاء دستوري لأكثر من عقدين وهو كيان مدعوم من قبل الولايات المتحدة ومعظم الدول الغربية لكن الدول المجاورة تحاربه بشتى السبل سياسيا وعسكريا.

ويعود وضع الإطار الدستوري للإقليم إلى عام 1992 وجاء نتيجة الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في مدينة السليمانية في عام 1991، والتي انتقلت شرارتها في وقت قياسي إلى محافظات أربيل ودهوك وكركوك وأرجاء المناطق والمدن في إقليم كردستان، وذلك بعد هزيمة القوات العراقية في الكويت.

وتم  إجراء أول انتخابات تشريعية في كردستان في مايو 1992، واتفقت القوى والأحزاب على تشكيل حكومة ائتلافية بمشاركة جميع الكيانات والكتل السياسية علمانية وإسلامية.

 ومنذ عام 1994 بدأ الإقليم حديث الولادة بسلسلة من الصراعات السياسية العميقة بين الأحزاب والقوى السياسية المدججة بالسلاح، خاصة بين حزبي السلطة، ليدخل أحلك المراحل في تاريخ القضية الكردية وهي حقبة الاقتتال الداخلي والحرب الأهلية متعددة الجبهات والقوات وسط تدخلات قوات إقليمية شمالا وشرقا في النزاعات المسلحة بين الأطراف المتناحرة، واستمرت الحرب الداخلية نحو أربع سنوات بين جولات كر وفر لطرفي النزاع الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني.

وبلغت ذروة الخلافات والصراعات المسلحة بين الأحزاب والقوى الكردية ذروتها حيث اندلع قتال عنيف في مايو من ذلك العام بين الحزبين بسبب خلاف على أرض في بلدة “قلعة دزة”، فانتشر إلى العديد من المدن والبلدات وأسفرت المناوشات المسلحة عن سقوط ما بين 600 و1000 قتيل، وتوقف القتال بعد أن تم التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في أغسطس 1994.

وبحلول 1995 صار الحزبان يمتلكان ترسانة كبيرة من الأسلحة وكانا على أتم الاستعداد للدخول في ما بات يسمى في التاريخ الكردي “حرب الإخوة”، وأدت المعارك والاشتباكات بين الطرفين إلى مقتل المئات وتشريد الآلاف، وبعد كل اتفاق لوقف إطلاق النار تعود الحرب أشد ضراوة وعنفا، بعد أن يعزز كل طرف مواقعه وتحالفاته الإقليمية والمحلية.

 واستمرت المواجهات المسلحة بشكل متقطع بين الحزبين الرئيسيين حتى أواسط 1998، إلى أن تم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين برعاية أميركية حيث أصرت واشنطن على وقف المعارك بين الطرفين.

وبعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين على أيدي القوات الأميركية في العام 2003 شهد الإقليم تحولا نحو الاستقرار، وسعت الأطراف الكردية لكسب المزيد من الدعم الدولي كما شاركت في صياغة العملية السياسية.

لكن الخلافات بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني لم تنته واستمرت التجاذبات بين الطرفين، لتشهد تصاعدا في العام الماضي، على خلفية أزمة رئاسة الجمهورية واتهامات الاتحاد الوطني للحزب الديمقراطي الذي يسيطر على البرلمان والحكومة في الإقليم بانتهاج سياسة التمييز ضد مناطق نفوذه.

ويطالب اليوم الاتحاد الوطني بإعادة النظر في نظام الحكم في الإقليم، ملوحا بإمكانية المضي في خيار الانفصال. ويكشف سبر الآراء الذي أجراه مركز الأبحاث عن وجود تأييد متزايد في السليمانية ودهوك لخيار الانسحاب والعودة إلى بغداد. 

3