أكذوبة حول لقاح كورونا تستغل عالما تجاوز عمره العلمي

تصريحات كاذبة منسوبة لعالم الفايروسات الحائز على جائزة نوبل لوك مونتانييه حول لقاح فايروس كورونا تشغل العالم واستغلها رافضو التلقيح الإجباري في العالم العربي.
باريس - شغلت أكذوبة جديدة حول اللقاحات المضادة لفايروس كورونا مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم. والأكذوبة الجديدة تفيد أن “الملقحين سيموتون خلال سنتين”.
ونسبت الأكذوبة إلى عالم الفايروسات الحائز على جائزة نوبل لوك مونتانييه الذي أدلى بتصريحات ملتبسة لشخص اعتبر علماء أنه تجاوز عمره العلمي للحديث عن مؤامرة يصدقها السذج.
ولم يقل مونتانييه إن الملقحين “سيموتون خلال عامين”، لكنه قال إن اللقاحات “تساهم في إنتاج المتحورات الجديدة” وهو يخشى “من متحور جديد شبيه بالسلالة الهندية يصيب الأطفال كما البالغين”. كما أكد أنه يعتقد جازما أن كوفيد – 19 تم إنتاجه في مختبر عن قصد أو بخطأ ما، وأنه لا يصدق أنه انتشر من سوق في مدينة ووهان الصينية.
ويؤكد عالم الفايروسات فينسينت ماريشال أن البروفيسور مونتانييه البالغ من العمر الآن 88 عامًا “يميل إلى اللعب بحجة السلطة”، مؤكدا أنه “يلجأ إلى ما وراء شهرة جائزة نوبل التي حصل عليها دون تسليط الضوء على الدراسات والبيانات لدعم ملاحظاته”.
واعتاد مونتانييه إثارة الجدل والانتقادات في العالم العلمي. وانتشر على فيسبوك مقطع فيديو مدته 8 دقائق و40 ثانية تم تقديمه على أنه مقابلة مع مونتانييه أجريت في أغسطس 2020، حيث سُئل عن أفكاره حول كوفيد – 19.
ويعلن مونتانييه أن “هذا الفايروس خاص، فقد تلقى ما يسمى بالإدخالات، قطع صغيرة من الحمض النووي الريبي قادمة من فايروس آخر”. وأكد مونتانييه بالفعل على فكرة مماثلة نفاها إجماع علمي واسع في العديد من وسائل الإعلام في أبريل الماضي.
ويذكر مونتانييه أنه “إذا كان لديك شخص مصاب بفايروس كوفيد – 19، وإذا قمت بتطعيمه ضد الإنفلونزا، فإنك تخاطر بقتله في الأيام أو الأسابيع التالية”، في إشارة إلى معارضته اللقاحات.
وكان لوك مونتانييه رئيسًا لوحدة الأورام الفايروسية في معهد باستور الفرنسي من عام 1972 إلى عام 2000. وفي عام 2008 حصل عمله حول اكتشاف فايروس الإيدز في عام 1983 على جائزة نوبل في الطب والتي شاركها مع الأستاذة فرانسواز باري سينوسي.
لكن مونتانييه كان عرضة لسخرية المجتمع العلمي عدة مرات خلال السنوات الماضية، إذ سخر منه بعد دفاعه عن نظريات مثل انبعاث الموجات الكهرومغناطيسية بواسطة الحمض النووي أو استخدام فاكهة البابايا كعلاج لأمراض معينة بفضل خصائصها المضادة للأكسدة.
وكرست العديد من وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة مقالات لمسيرته المهنية، ووصفته صحيفة ”لوفيغارو” الفرنسية بـ”حطام سفينة علمية” في عام 2017، وكتبت مجلة سويس ميدكال ريفيو “لوك مونتانييه، أغرته اللاعقلانية”.
وفي العام نفسه تبرأ مئة من أعضاء أكاديميات الطب والعلوم علنًا من مونتانييه بسبب نظرياته الغريبة. ووصفت صحيفة لوموند في عام 2018 مواقفه بـ”الراديكالية” التي جعلته “منبوذًا”.
وتعمد ناشرو نظريات المؤامرة خلط تصريحات الرجل بأكاذيب لم يأت على ذكرها أبدا. وانتشرت من واتساب إلى مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى رسالة قدمت على أنها بيان من مونتانييه يقول إن “الملقجين سيموتون خلال سنتين”.

يذكر أنه على الرغم من تأكيدات الأطباء والمجالس الطبية أن اللقاحات هي السبيل الوحيد للخلاص من فايروس كورونا والعودة إلى الحياة الطبيعية، تستمر الأخبار الكاذبة والمعلومات الخاطئة حول اللقاحات في الانتشار على منصات وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال عالم الفايروسات شهيد جميل، مدير مدرسة تريفيدي للعلوم البيولوجية بجامعة أشوكا في الهند، إن أصل هذه الأخبار المنسوبة إلى مونتانييه يعود إلى مقال على الموقع الإلكتروني للمجموعة اليمينية “رير فاونديشن يو.إس.أي” التي تدّعي أن التصريحات هي جزء من مقابلة أكثر شمولا أجريت مع منصة “هولد أب” المعروفة بالترويج لنظريات المؤامرة.
وقال مكتب المعلومات الصحافية التابع لوزارة الإعلام والبث الإذاعي في الهند إن الادّعاء الوارد في المنشور الذي تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي مزيف. وأوضح المكتب أن “هناك صورة متداولة عبر وسائل التواصل مكتوب فيها كلام منسوب إلى عالم فرنسي حائز على جائزة نوبل (…) المزاعم التي في تلك التغريدة كاذبة ولقاحات كوفيد – 19 آمنة تماماً.. لا تعيدوا نشر تلك التدوينة”.
وذكرت وكالة رويترز أنها قامت بالاستقصاء حول الأمر لكنها لم تعثر على أي دليل مستقل يثبت أن العالم الفرنسي قد أدلى بمثل ذلك الكلام الخطير المنسوب إليه.
وأوضحت الوكالة أن الروابط المصاحبة للتدوينة لا تقدم أي إثباتات، حيث أن مقطع الفيديو القصير يظهر فيه مونتانييه متحدثاً بشكل عام عن سلالات ومتحورات ولقاحات كورونا، لكن الترجمة المصاحبة على الشاشة تتحدث عن شيء آخر تماماً يتعلق بأن المطعمين سيموتون في غضون سنتين. كما خلصت وكالة فرانس برس إلى نفس النتائج التي توصلت إليها رويترز.
ورغم ذلك تلقف رافضو التلقيح في العالم العربي الأكاذيب الجديدة وأعادوا نشرها على مواقع التوصل الاجتماعي خاصة تويتر أين تداولها كثيرون ضمن عدة هاشتاغات أبرزها #لا_للتطعيم_الإجباري.
ويدور جدل في العالم عموما وفي الدول العربية خصوصا تلك التي تعاني أغلبيتها من بطء شديد في سير عمليات التلقيح حول إلزامية اللقاح.
وفيما تكفل مواد في قوانين بعض الدول العربية الحرية الشخصية في تلقي العلاج فإن قوانين مكافحة الأمراض السارية في دول الخليج مثلا لا تتطرق إلى إلزامية اللقاحات، وحتى أن إلزام أي شخص بالحصول على دواء أو لقاح أمر مخالف لأخلاقيات مهنة الطب، وقد يتطلب تعديلاً قانونياً ينص على ذلك بشكل خاص.
وترجمت حسابات على تويتر البيان الكاذب المنسوب لمونتانييه على واتساب.
وكتب مغرد:
ويستشهد مروجو نظريات المؤامرة ومحبوها بنظرية “المليار الذهبي” المنسوبة لوزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كسنجر، وهي نظرية مؤامرة أعيد اكتشافها ونشرها بعد تفشي فايروس كورونا. وتقول هذه النظرية إن “عدد سكان الأرض حوالي سبعة مليارات نسمة وأن موارد الأرض الطبيعية لا تستطيع تلبية احتياجات هذه المليارات”! وتضيف أن “هناك نحو مليار منهم لهم الحق في العيش والاستهلاك والإنتاج والبعض الآخر لا مكان له في دورة الحياة ويجب التخلص منهم”!
في المقابل تعرض محبو نظريات المؤامرة إلى سخرية لاذعة على مواقع التواصل الاجتماعي. وسخرت مغردة:
Hiyam_@
كل واحد أخد الطعم (اللقاح) يكتب وصيته، آخر إبداعات المساطيل.
ويقول ستيفان ليفاندوفسكي عالم النفس المعرفي والخبير في المعلومات الخاطئة “أي حدث مخيف يحرم الناس من الشعور بالسيطرة سيؤدي إلى انتشار نظريات المؤامرة”. وأضاف “نظريات المؤامرة تمنح الناس إحساسًا بالراحة النفسية، الشعور بأنهم ليسوا تحت رحمة العشوائية. نظريات المؤامرة تمثل خطورة في أي وقت، لكنها أكثر ضررا في حالة حدوث جائحة”.