أكثر أسواق الإسكان سخونة تواجه عملية إعادة تقييم مؤلمة

التباطؤ السريع في نشاط العقارات يهدد بزيادة التباطؤ الاقتصادي.
الثلاثاء 2022/09/13
لا أحد مهتم ربما في وقت لاحق!

يؤكد محللون أن ضغوط تكاليف الاقتراض المرتفعة على مشتري المنازل وأصحاب العقارات في أنحاء العالم، وخاصة أكثر أسواق الإسكان سخونة، أدت إلى عملية تقييم مؤلمة بسبب ما خلفته الفائدة المرتفعة ما ينذر بانفجار فقاعة ستجعل القطاع يدخل في دوامة من عدم اليقين.

لندن - يتراجع مشترو العقارات في الكثير من دول العالم مع قيام البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة بأسرع وتيرة منذ عقود لمواجهة التضخم مما أدى إلى زيادة أسعار المنازل مما حد من الإقبال عليها.

وفي الوقت نفسه، يواجه ملايين الأشخاص الذين اقترضوا بثمن بخس لشراء منازل خلال فترة انتشار الوباء مدفوعات أعلى مع إعادة ضبط القروض.

ولدى محللي قطاع العقارات قناعة بأن التباطؤ السريع في قطاع العقارات، وهو مصدر رئيسي لثروة الأسرة، يهدد بالمزيد من التباطؤ الاقتصادي العالمي.

هيدياكي هيراتا: سنلاحظ تباطؤا عالميا متزامنا في 2023 و2024

وفي حين أن الركود حتى الآن لا يقترب من مستويات الأزمة المالية لعام 2008، فإن كيفية حدوث التراجع هي متغير رئيسي لمحافظي البنوك المركزية الذين يرغبون في كبح التضخم دون الإضرار بثقة المستهلك وإحداث ركود عميق.

وبالفعل، تواجه أسواق مثل أستراليا وكندا والولايات المتحدة والسويد وغيرها انخفاضا مزدوجا في أسعار المنازل. ويعتقد الاقتصاديون أن الانكماش العالمي بدأ للتو.

ونسبت وكالة بلومبرغ إلى هيدياكي هيراتا من جامعة هوسي، وهو اقتصادي سابق ببنك اليابان قوله “سنلاحظ تباطؤا عالميا متزامنًا في سوق الإسكان في عامي 2023 و2024”.

وحذر من أن التأثير الكامل للزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة هذا العام سيستغرق بعض الوقت لينتهي على الأسر.

وأضاف الخبير الذي شارك في تأليف ورقة صندوق النقد الدولي حول أسعار المنازل العالمية “غالبا ما يتغاضى البائعون عن إشارات تقلص الطلب”.

وأثرت تكاليف التمويل العقاري المرتفعة على الاقتصادات بطرق متعددة. فالأسر التي لديها قروض تشد أحزمتها، في حين أن مدفوعات الرهن العقاري المتزايدة تثني المشترين المحتملين عن دخول السوق، مما يؤثر على أسعار العقارات والتنمية.

وهذا التباطؤ هو تحول صارخ من الطفرة التي غذتها سياسات التمويل السهل للبنوك المركزية في السنوات التي أعقبت الأزمة المالية ثم تعمقت بسبب الوباء الذي دفع الناس إلى البحث عن مساحات أكبر ومنازل صديقة للعمل عن بعد.

أما الآن، فيواجه العديد من الأشخاص الذين دفعوا أسعارًا قياسية قروضًا بسبب إعادة ضبطها أعلى تمامًا مع ارتفاع التضخم والركود المحتمل.

روب سوبارامان: ارتفاع الفائدة سبب صدمة للأسر بينما ينخفض فيه دخلها

وقال روب سوبارامان، رئيس أبحاث الأسواق العالمية في شركة نومورا هولدينغز “لم تشهد الأسر الجديدة ارتفاعا حادا في أسعار الفائدة في وقت تنخفض فيه رواتبها الحقيقية المعدلة حسب التضخم”. وأضاف “قد يكون هذا بمثابة صدمة لها”.

ويختلف مدى تعرض المقترضين للمعدلات المرتفعة بشكل ملحوظ حسب البلد. ففي الولايات المتحدة، مثلا، يعتمد معظم المشترين على قروض المنازل ذات السعر الثابت لمدة تصل إلى 30 عاما.

ومثلت القروض العقارية ذات السعر القابل للتعديل، في المتوسط حوالي 7 في المئة من القروض التقليدية في السنوات الخمس الماضية.

وعلى النقيض من ذلك، عادة ما تكون لدى الدول الأخرى قروض ثابتة لمدة لا تقل عن عام، أو قروض عقارية متغيرة السعر تتماشى بشكل وثيق مع أسعار الفائدة الرسمية.

وكان لأستراليا وإسبانيا والمملكة المتحدة وكندا أعلى تركيز للقروض متغيرة السعر كحصة من الأصول الجديدة في عام 2020، وفقا لتقرير أصدرته وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية في مايو الماضي.

أما البلدان الأخرى فلديها نسبة كبيرة من الرهون العقارية التي يتم إعادة تعيينها وشيكا، ففي نيوزيلندا، مثلا، يكون حوالي 55 في المئة من القيمة القائمة للرهون العقارية السكنية إما بسعر عائم أو بسعر ثابت يحتاج إلى التجديد في العام المنتهي في يوليو 2023 .

ولا يزال العديد من مالكي العقارات يمتلكون الكثير من الأسهم العقارية منذ سنوات من ارتفاع الأسعار، وفي بعض المناطق المحمومة، قد تسمح القيم المنخفضة للمشترين بدخول السوق.

كوان أوك لي: تهدئة أسعار المنازل تؤدي إلى البعض من الآثار الإيجابية

وقالت كوان أوك لي، المتخصصة في الإسكان بجامعة سنغافورة الوطنية إنه “بالنظر إلى أن أزمة القدرة على تحمل تكاليف الإسكان خطيرة للغاية في العديد من الاقتصادات الكبرى، فقد تؤدي تهدئة أسعار المنازل إلى بعض الآثار الإيجابية”.

ومع ذلك، لا يزال الاقتصاديون متوترين. إذا تحولت الخسائر الورقية التي تعرض لها مشترو المنازل إلى المزيد من الانخفاضات المادية للأسر والبنوك والمطورين، فقد يؤدي ذلك إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي، وقد حذر صندوق النقد الدولي من أنه يتأرجح على حافة الركود.

وقال نيراج شاه من بلومبيرغ إيكونوميكس “إذا شددت البنوك المركزية أكثر من اللازم، فإن احتمالية الهبوط الناعم تتضاءل”. وأضاف “أسعار المساكن يمكن أن تنخفض بشكل أسرع، مما يؤدي إلى تضاعف الركود وإطالة أمده”.

وفي بعض البلدان، تدخلت الحكومات بالفعل لمساعدة المستهلكين الذين يعانون من ضغوط شديدة على مواجهة تسديدات متصاعدة بسرعة.

ففي كوريا الجنوبية، وهي واحدة من أوائل اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ التي بدأت في رفع معدلات الفائدة، وافق صناع السياسة مؤخرا على إنفاق أكثر من 400 مليار وون (290 مليون دولار) من الأموال للمساعدة في تقليل حصة الأسر في الرهون العقارية متغيرة السعر.

وفي بولندا، حيث تضاعفت المدفوعات الشهرية لبعض المقترضين مع ارتفاع أسعار الفائدة، تدخلت الحكومة في وقت سابق من هذا العام للسماح للمواطنين بتعليق المدفوعات لمدة تصل إلى ثمانية أشهر.

وقضت هذه الخطوة على أرباح البنوك الكبرى بعد أن اضطرت الصناعة إلى حجز نحو 13 مليار زلوتي (2.78 مليار دولار) في المخصصات.

وتتعامل الصين مع أزمة عقارية متصاعدة مرتبطة بموجة من التخلف عن السداد لدى المطورين وامتنع المقترضون عن سداد مدفوعات الرهون العقارية للمنازل غير المبنية. في بلدان أخرى، بدأت التموجات في الانتشار أيضًا.

نيراج شاه: قد تنخفض أسعار المساكن لكن ستعمّق الركود وتطيل أمده

وفي السويد، التي كانت في السابق واحدة من أكثر الأسواق سخونة في أوروبا، انخفضت أسعار المنازل بنحو 8 في المئة منذ الربيع الماضي. ويتوقع معظم الاقتصاديين الآن انخفاضًا بنسبة 15 في المئة.

كما أن ارتفاع أسعار الفائدة يضغط على الشركات العقارية التي اقترضت بكثافة في أسواق السندات لتمويل عملياتها، مما يترك المستثمرين قلقين بشكل متزايد بشأن قدرتهم على إعادة تمويل ذلك الدين.

ويتسارع انخفاض الأسعار في المملكة المتحدة، إذ يُظهر تحليل بلومبرغ أن قيم المنازل ثابتة أو تنخفض في ما يقرب من نصف أحياء لندن.

وحذرت شركة أتش.أس.بي.سي هولدينغز من أن المملكة المتحدة على “أعتاب تراجع الإسكان” ومن المحتمل أن ينخفض الطلب بنسبة 20 في المئة خلال العام التالي.

ومن المقرر إعادة تمويل حوالي 1.8 مليون مقترض في المملكة المتحدة في العام المقبل. والأكثر ضعفاً هم المشترون لأول مرة الذين اشتروا منازل مع تصاعد الأسعار خلال الإعفاء الضريبي على الطوابع الذي تم تقديمه في صيف 2020 لتعزيز السوق أثناء الوباء.

ويواجه أولئك الذين ثبتوا على المدى القصير مدفوعات أعلى بكثير في وقت تنخفض فيه الرواتب الحقيقية بوتيرة قياسية وتكاليف المعيشة آخذة في الارتفاع.

وفي حين أن الولايات المتحدة لديها مخاطر أقل من إعادة تعيين الرهون العقارية، فإن الزيادة في تكاليف الاقتراض في الأشهر الأخيرة دفعت المشترين بعد تقلص الأسعار إلى قروض أكثر مرونة تحمل معدلات فائدة أرخص.

وفقا لبيانات شركة زيلز غروب، قفزت حصة الرهون العقارية القابلة للتعديل في طلبات القروض في يوليو الماضي إلى أعلى مستوى لها منذ 15 عاما.

في بعض البلدان، تدخلت الحكومات لمساعدة المستهلكين الذين يعانون من ضغوط شديدة على مواجهة تسديدات متصاعدة بسرعة

وتتوقع غولدمان ساكس استقرار الأسعار في السوق الأميركية في العام المقبل رغم وجود علامات بالفعل على المزيد من الانخفاض السريع في مناطق معينة.

ويعمل البائعون على خفض الأسعار في مناطق الازدهار الوبائي التي اجتذبت العمال عن بُعد وشهدت بعضًا من أكبر المكاسب في السنوات الأخيرة ، بينما يتنافس بناة المنازل مع وفرة في المخزون لا يمكنهم بيعها.

في المقابل تستعد أستراليا وكندا وهما من الأسواق الأكثر فقاعات في العالم، للمزيد من الآلام حيث يتوقع الاقتصاديون أزمة ملحوظة.

وفي حين أن متطلبات اختبار الضغط على معظم المقترضين الكنديين قبل الحصول على رهن عقاري تجعل حالات التخلف عن السداد على نطاق واسع أمرًا مستبعدًا، فإن جولة من تشديد الحزام التي يمكن الشعور بها على نطاق الاقتصاد تبدو مؤكدة بشكل متزايد.

وشكلت القروض العقارية ذات الأسعار المتغيرة ما يقرب من 60 في المئة من جميع قروض المنازل الجديدة في ذروة الهيجان العقاري في البلاد في وقت سابق من هذا العام.

ومن بين ما يقرب من نصف تريليون دولار كندي من ديون الرهن العقاري المتغيرة القائمة، شهد نحو الثلث ارتفاع مدفوعاتهم الشهرية بما يتماشى مع السعر القياسي للبنك المركزي، وفقًا لبحث من البنك الوطني الكندي.

وإلى جانب أشياء مثل خطوط الائتمان والرهون العقارية ذات السعر الثابت القادمة للتجديد، يمكن لمدفوعات الفائدة المتزايدة هذه أن تحسم بشكل جماعي 0.65 في المئة من الدخل الجماعي المتاح للكنديين على مدى السنوات الثلاث المقبلة، كما أظهر البحث.

وقال روبرت كافيتش، الخبير الاقتصادي في بنك مونتريال “نحن في خطر رؤية تباطؤ مادي في نشاط الإنفاق”. وأضاف “لا نتوقع ركودا تقنيا، لكننا قريبون جدا”.

وربما تدق أجراس الإنذار أعلى صوتا في أستراليا، حيث سجلت أسعار المنازل في أغسطس أكبر انخفاض شهري لها منذ ما يقرب من أربعة عقود.

وبينما أظهرت الأسر التي حصلت على أموال حتى الآن مرونة في مواجهة ارتفاع أسعار الفائدة، فإن نقطة الضعف ستأتي العام المقبل مع ظهور مليارات من قروض الرهن العقاري الثابتة بأسعار فائدة منخفضة قياسية لإعادة التمويل.

وفي أستراليا، تميل القروض محددة الأجل إلى أن تكون قصيرة نسبيًا من سنتين إلى ثلاث سنوات.

11