أكاديميون مغاربة يدعون إلى التصدي لظاهرة الانتحال في الآداب والفنون

القنيطرة (المغرب) - أكد المشاركون في مؤتمر تحتضنه كلية اللغات والآداب والفنون بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، على ضرورة التصدي لظاهرة الانتحال في الآداب والفنون لكسب الرهانات التنموية، والعمل على تطويق هذه الظاهرة التي فاقمتهما الطفرة التكنولوجية، وأججها الواقع السلبي للذكاء الاصطناعي.
ودعا المشاركون خلال المؤتمر الذي يبحث موضوع “الانتحال في الآداب والفنون”، ونظمه على مدى يومي السادس عشر والسابع عشر من أكتوبر الجاري، مختبر الأدب والفنون والهندسة البيداغوجية بالكلية، إلى تسليط المزيد من الضوء على ظاهرة الانتحال وجذورها التاريخية، لاسيما في الموروث الشعري العربي الجاهلي منه والمعاصر، والذي لم يسلم من هذه الظاهرة التي توجب سواء على الباحث أو المختص المشتغل بها، تحري الدقة، للوقوف على أوجه الانتحال التي قد تطال قصائد وأشعارا وروايات، تحيد بها عن هيئتها الأولى.
ودعا المشاركون في هذا اللقاء إلى حتمية التصدي لظاهرة الانتحال في الآداب، هذه الظاهرة التي صارت تمثل خطرا حقيقيا، حيث بتنا اليوم أمام اتساع غير مسبوق في ظاهرة الانتحال إلى درجة تصعب معها التفريق بين النص وصاحبه الأصليين والنص المنتحل والكاتب المزيف، وهو ما ينبئ بوضع معقد للغاية يضر بالكتّاب وصناعة الكتاب والتأليف والكتّاب على اختلاف انتماءاتهم والأجناس التي يكتبون فيها، فالظاهرة لم تعد محصورة في الشعر فحسب بل طالت الأدب السردي وحتى البحوث النقدية والعلمية، ما يضعنا أمام رهان عاجل لمجابهتها.
ويتوخى المؤتمر الذي حضر جلسته الافتتاحية كتاب ومختصون منهم على الخصوص الباحث والكاتب عبدالفتاح كيليطو، الانكباب في المقابل، على بعض من أوجه الانتحال المحمودة التي يعمد كتابها وكاتباتها إلى تضمين أدبياتهم صورا من الانتحال التي قد تنتصر لأفكار ورؤى ينافحون عنها، على غرار الترافع عن الحقوق الفئوية، من قبيل حقوق المرأة، أو تسويق توجهات تستنهض الهمم.
وفي هذا الصدد قال عميد كلية اللغات والآداب والفنون بالقنيطرة محمد زرو إن الموروث العربي الأدبي على الخصوص، حابل بظاهرة الانتحال، مستشهدا بمؤلفات من قبيل كليلة ودمنة لعبدالله بن المقفع، ومقامات بديع الزمان الهمذاني، والحريري، التي كانت مناط انتحال، مما حذا بالمشتغلين عليها بتبيان المنحول من الأصيل.
وأبرز مجموعة من المدارس والمذاهب التي اعتنقت الانتحال، من أجل تسويق رؤى تخدم مصالحها وأجنداتها، وتضمر مكنوناتها، مسجلا الحاجة إلى سبر أغوار النصوص الأدبية لاسيما القديم منها، والعمل بتؤدة على تحليل خطابها، استيعابا لمعانيها العميقة.
والانتحال عموما هو ظاهرة أدبية وفنية وبحثية عامة لا تقتصر على أمة دون غيرها من الأمم ولا على ثقافة بعينها أو على جيل معين من الأجيال، وقد عرف العرب هذه الظاهرة كما عرفتها الأمم القديمة التي كان لها ناتج أدبي وفني، وفي الحالة العربية عرفت هذه الظاهرة منذ العصر الجاهلي، كما عرفها العصران الأموي والعباسي، لتتواصل إلى اليوم ولو بأشكال مختلفة، فالانتحال قضية من القضايا الكبرى خاصة في الشعر الجاهلي، ويقصد بالانتحال أن ينسب شاعر أو كاتب أو راو ما شعرا أو نصا مزيفا إلى غير كاتبه الأصلي، ولكن الظاهرة تشعبت أكثر وصارت نوعا من السطو وغيره من اعتداء في العصر الحديث.
العمل على تطويق ظاهرة الانتحال في الأدب التي فاقمتهما الطفرة التكنولوجية، وأججها الواقع السلبي للذكاء الاصطناعي
وحذرت الأكاديمية سناء الغواتي من “المنتحلين الجدد”، الذين يتوسلون بالذكاء الاصطناعي، للسطو على كتابات ورسومات الغير، مستعرضة امتدادات هذه الظاهرة المذمومة التي تنسحب على مجالات الفنون والآداب والدراسات القانونية على حد سواء.
وقالت الغواتي، وهي أيضا مديرة مختبر الأدب والفنون والهندسة البيداغوجية، إن الانكباب على بحث ظاهرة الانتحال في الآداب والفنون يعتبر “من الأمور المستعجلة التي توجب العمل وفق مقاربة متعددة التخصصات”، مضيفة أن الانتحال يشكل تهديدا للحرية، ويجعل المنتحل مفرغا الجهد في تبديد صالح المجتمع.
وعززت مداخلتها بمؤلفات مختلفة حول الظاهرة ضمنها كتابها عن الانتحال في الأدب والرسم، ولكنها اعتبرت في نفس الوقت أن هناك انتحالا “محمودا خدم الذائقة الأدبية، كما استرعى القراء والولوعين بالفن التشكيلي”، من قبيل الكاتبين جورج بيرنانوص، وجان ماري بول، والفنان التشكيلي مارسيل ديشان، الذي بلور مصطلح “الجاهز” (ready – made) الذي يحيل على تجربة محددة يستولي فيها “الفنان على قطعة مصنوعة كما هي، ويجردها من وظيفتها النفعية، ثم يعمد إلى إضافة عناوين وتواريخ وربما نقوش، ويجري نوعا من التلاعب عليها، قبل عرضها في مكان ثقافي حيث يتم مهرها بصفة العمل الفني”.
وبحث المؤتمر تيمات تتعلق أساسا بـ”الانتحال النسوي.. سيطرة على السلطة”، و”الحقبة الرقمية، حقبة انتحال”، و”الفن المعاصر بين الاستفزاز والانتحال”، و”الانتحال في ألعاب الفيديو.. أو حينما يصبح الانتحال ممتعا”.