أكاديميون كويتيون في مواجهة الدستور

خلال الندوة التي عقدها مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية في كلية العلوم الاجتماعية التابع لجامعة الكويت، لم يتردد أحد أساتذتها في الدعوة إلى تعليق العمل بالدستور الكويتي بصورة مؤقتة، بدعوى تمكين السلطة من التفرغ لحل المشكلات والمواضيع المعلقة في البلاد بسبب البرلمان.
وهي ليست دعوة منفردة، فثمة آراء سابقة حمَّلت المواطنين مسؤولية فشل الأداء السياسي نتيجة فشلهم في الاختيار وقت الانتخابات. ويقول هؤلاء إن حل المجلس والدعوة إلى انتخابات جديدة لن يغيرا الحال، وبناء عليه فإن الحل يكمن في تعليق الدستور ووقف أعمال البرلمان.
تتصل مثل هذه الدعوات المحيرة بالجدل السياسي حول تأصيل المشاركة السياسية وتعزيز الديمقراطية، وتدور غالبا حول السؤال التالي: هل يجوز لرئيس الدولة أن يلجأ إلى الحل غير الدستوري للبرلمان إذا انحرف النواب عن أداء دورهم التشريعي؟ وهل يحق للرئيس أن يلغي البرلمان إذا أساء الناخبون الاختيار؟
◙ من البين أن من أبرز مخاطر تعليق الدستور هو فقدان الثقة بالمؤسسات الحكومية، وتصاعد التوترات السياسية، وظهور حركات اجتماعية متشددة
وفقا للدستور في الأردن والكويت، تجيز مواده للملك أو الأمير أن يحل البرلمان حلا دستوريا لظروف استثنائية على أنه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى. وفي الدستور الفرنسي يجوز لرئيس الجمهورية حل البرلمان بعد التشاور مع رئيس الحكومة. أما الدستور المصري فيجيز لرئيس الدولة حل المجلس عند الضرورة مشروطا بإجراء استفتاء شعبي.
من المهم فهم أن هذه الصلاحية الدستورية في حل البرلمان إنما تنبعث من أهمية الحفاظ على علاقة وازنة بين الحكومة والمجلس، بحيث إذا قدر الرئيس أن مصالح الدولة تعطلت بفعل العلاقة المسمومة بين الطرفين، فإن حل البرلمان لإخراج البلاد من حالة التوتر يعد إجراء مقبولا لتحقيق الاستقرار السياسي.
ولذا تنص المادة 107 من الدستور الكويتي على أن “للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم يبين فيه أسباب الحل، على أن لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى. وإذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل. فإذا لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطاته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن. ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد”.
يعني ذلك أن الحق في حل البرلمان مقيد بالضرورة بمدد محددة في الدستور، ويكون الحل علاجا سياسيا مقبولا إذا:
– ساهم في إعادة تنظيم عمل الحكومة لاسيما إذا كانت غير فعالة أو غير مستقرة.
– ساعد على منح المواطنين فرصة للتعبير عن آرائهم من خلال انتخابات جديدة.
– أدى إلى تجنب الأزمات السياسية أو الدستورية الخانقة.
◙ ثمة آراء سابقة حمَّلت المواطنين مسؤولية فشل الأداء السياسي نتيجة فشلهم في الاختيار وقت الانتخابات
وفقا لما سبق، فإن حل البرلمان كما تشير الدساتير هو “آخر العلاج”، ولا ينبغي استسهال اللجوء إليه، وتتحقق فائدته عبر الالتزام بالقوانين المنظمة لإجراءات الحل، وأهمها عدم التعسف في استخدام هذا الحق، وإجراء الانتخابات وفقا للمدد القانونية المذكورة.
وسوف نرى أن بلدانا مثل فرنسا وبريطانيا وغيرهما انتقلت إلى مرحلة تجميد الحق في حل البرلمان، ولم يعد اللجوء إلى الحل من بين الخيارات المطروحة لتجنب الأزمات السياسية، سعيا منها لاستدامة الاستقرار السياسي وترسيخا للتقاليد البرلمانية. فإحدى أهم وسائل تطوير التجربة الديمقراطية هي إتاحة الفرصة لها لإصلاح نفسها.
أما الحديث أو النقاش خارج سياق الحياة الدستورية، والذي يتكرر بين الفينة والأخرى من بعض الأصوات غير المؤمنة بالحياة الديمقراطية، فهو حافل بالمخاطرة لأنه ببساطة يهدم العقد السياسي بين الشعب والحكم. فالعقد السياسي هو اتفاق وتفاهم بين الطرفين، مهمته الحفاظ على علاقة وثيقة بينهما، وإدامة الاستقرار في البلاد.
وإذا اتفقنا على أن الديمقراطية تعني تمتع المجتمع بالسيادة الكاملة، وأن الدستور هو ضمانة صيانتها، فيمكن القول إن تجاوز الدستور أو تعليقه يؤدي بالضرورة إلى نتائج غير محمودة العواقب، وهو ما تنبه إليه أمير دولة الكويت (ولي العهد في وقتها) في خطابه المؤرخ في يونيو 2022 حيث أشار صراحة إلى “إننا لن نحيد عن الدستور، ولن نقوم بتعديله ولا تنقيحه ولا تعطيله ولا تعليقه، ولا حتى المساس به”.
ومن البين أن من أبرز مخاطر تعليق الدستور هو فقدان الثقة بالمؤسسات الحكومية، وتصاعد التوترات السياسية، وظهور حركات اجتماعية متشددة، ولتجنب كل ذلك يجب ضخ المزيد من الممارسات الديمقراطية، والالتزام بالنظام الدستوري، وهو الطريق الآمن لاستقرار الدولة، وتجنيبها أي نوع من التوترات الداخلية الضارة بمصالح البلاد والعباد.