أقطاب العهد في لبنان يتنازلون لإسرائيل خشية العقوبات

في خطوة فاجأت البعض أعلن لبنان عن التوصل إلى اتفاق إطار لبدء مباحثات مباشرة مع إسرائيل حول ملف ترسيم الحدود، ويرى محللون أن التغير في الموقف اللبناني نابع أساسا من مخاوف لدى أقطاب العهد من أن تقدم الولايات المتحدة على توسيع دائرة العقوبات على حزب الله، خاصة وأنه سبق وأرسلت رسالة مضمونة الوصول في هذا السياق.
بيروت- شكل اتفاق الإطار الذي أعلن عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل مفاجأة بالنسبة للبعض لاسيما وأنه تضمن التوافق على إجراء مفاوضات مباشرة بين الطرفين اللذين هما رسميا في حالة حرب، وهذا مطلب أميركي لطالما رفضته بيروت في السابق.
ولم يخلُ الاتفاق الذي وصفه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بـ”التاريخي”، من دلالات سياسية من حيث توقيته في غمرة انتخابات رئاسية أميركية يرنو من خلالها ساكن البيت الأبيض دونالد ترامب إلى الحصول على ولاية جديدة، ومن هنا يتأتى حرص الإدارة الأميركية على مراكمة الإنجازات، ولعل أبرزها التوصل إلى عقد اتفاق سلام بين إسرائيل من جهة، ودولتي الإمارات والبحرين من جهة ثانية في سبتمبر الماضي.
ويرى محللون أن الدافع اللبناني للقبول باتفاق إطار يتضمن محادثات مباشرة مع إسرائيل يرعاها الجيش اللبناني بإسناد من رئاسة الجمهورية، الهدف الأساسي منه تجنب الغضب الأميركي، لاسيما وأن واشنطن أظهرت جدية في تهديداتها السابقة لحلفاء حزب الله، من خلال إدراج وزيرين هما وزير المالية والمعاون السياسي لزعيم حركة أمل علي حسن خليل، ووزير النقل والأشغال العامة يوسف فنيانوس المقرب من رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
وتضع الإدارة الأميركية عزل حزب الله الذي يعد إحدى أبرز أذرع إيران وتشديد الضغوط عليه في مقدمة أولوياتها في لبنان، وكانت توعدت مرارا بأن تطول العقوبات حلفاء للحزب، وهو ما تحقق فعليا وسط مخاوف من أن يشهد هذا المسار نسقا تصاعديا.
ويرى المحللون أن تقديم أقطاب العهد لتنازلات للتوصل إلى اتفاق إطار هو محاولة استباقية لثني واشنطن عن هذا التوجه.
وأوضح مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر الذي لعب دورا رئيسيا في التوصل إلى الاتفاق اللبناني الإسرائيلي أن اتفاق الإطار لا يعني تطبيع العلاقات، معتبرا أن لبنان يمر بأزمة اقتصادية واتفاق التفاوض مع إسرائيل سيساعده.
وأكد شينكر على أن “ترسيم الحدود لمصلحة اللبنانيين وهو لن يمنع استكمال فرض العقوبات على الفاسدين في لبنان”، لافتا إلى أن المحادثات الإسرائيلية اللبنانية ستنطلق يوم 12 أكتوبر الجاري.
وكانت الحكومة الإسرائيلية أعلنت في مايو 2019 أنّها وافقت على بدء مباحثات مع لبنان برعاية الولايات المتحدة لحل النزاع الحدودي.
وقام المسؤولون الأميركيون بجولات مكوكية بين الدولتين منذ نحو عقد في محاولة لفتح المجال أمام إجراء ترسيم حدودي. وفي 8 سبتمبر، أشار شينكر إلى “تقدّم” على صعيد بدء المباحثات، مبديا أمله في “العودة إلى لبنان وتوقيع هذا الاتفاق في الأسابيع المقبلة“.
ويرى المحلل السياسي منير الربيع أن “اتفاق الإطار الذي أعلن عنه، هو بشكل أو بآخر تنازل من قبل لبنان للقبول بالمفاوضات المباشرة مع إسرائيل”.
ويقول الربيع “نبيه بري (رئيس البرلمان) في إعلانه، استخدم مصطلح إسرائيل، ولم يستخدم كيان العدو ولا الأراضي الفلسطينية المحتلة، إنما استخدم الحدود الإسرائيلية، وهذا مؤشر على تحول كبير في الموقف اللبناني”.
ويرجع أسباب موافقة لبنان على الذهاب نحو التفاوض إلى “الضغوطات الأميركية والإسرائيلية، وتكثيف الضربات والأزمات الاقتصادية التي يعيشها لبنان، والخلاص من
الأزمات”.
ويحذر من أن “طريق التفاوض ستكون شاقة وطويلة، وترتبط بموقف حزب الله وإيران من أميركا”، مشيرا إلى أن “الرهان يبقى إلى ما بعد الانتخابات الأميركية”.
وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو كشف أن التوصل إلى اتفاق إطار بين الطرفين حصل نتاج ثلاث سنوات من المفاوضات، وهذا يقود إلى استنتاج وهو أن حزب الله ليس فقط على علم به بل وأنه من منح الضوء الأخضر لإعلانه. ويلتزم حزب الله الصمت ويرفض التعليق على الاتفاق.
ويرجح الربيع أن تطرح كل من الولايات المتحدة وإسرائيل شروطا عديدة خلال جلسات التفاوض، كسلاح حزب الله، والصواريخ الدقيقة، ونطاق عمل قوات الطوارئ الدولية. هذه الشروط سترتبط بالتنقيب عن النفط والغاز، إذ يحتاج الأمر إلى استقرار ولا يمكن للاستقرار أن يتوفر في ظل وجود السلاح، لذا لا بد من إبعاده.
في المقابل، يرى الكاتب والمحلل السياسي المقرب من حزب الله قاسم قصير أن “ما أُعلن عنه، هو اتفاق إطار، وأن المفاوضات ستأخذ وقتا طويلا”. ورفع مطلب نزع سلاح حزب الله، خلال الموجات الاحتجاجية التي شهدها لبنان منذ أكتوبر الماضي. ويشكل هذا السلاح أحد الأسباب الرئيسية في الوضع الذي آل إليه لبنان.
وفي 17 سبتمبر الجاري، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على شركتين ومسؤول في لبنان، بتهمة ارتباطهم بحزب الله. ويعتبر العميد المتقاعد إلياس حنا أنه “في الوقت الراهن، لا انعكاسات إيجابية (للمفاوضات) على اقتصاد لبنان”، قائلا “للذهاب نحو التنقيب عن الغاز، العملية ستستغرق وقتا طويلا، والدخول في نادي الدول المنتجة لا بد من 5 سنوات على الأقل”.
ولا يفصل العميد الركن خالد حمادة ملف ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل عن جملة الملفات التاريخية التي تنجزها الإدارة الأميركية في ما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي.
وعن تسريع ملف المفاوضات، يرى حمادة أنه “مرتبط بالأزمة الاقتصادية، التي حاولت المبادرة الفرنسية إخراج لبنان منها، لكن يبدو أن التسوية السياسية التي كانت مطروحة لم تأت بثمارها، لذا فربما يتقدم الاتفاق الأميركي نحو حل الأزمة من بوابة ترسيم الحدود”.
ويضيف “كان هناك عرض من (الموفد الأميركي بين لبنان وإسرائيل) السفير فريدريك هوف (2012)، الذي قدم تصورا لتجزئة المسافة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل بمعدل الثلثين للبنان والثلث لإسرائيل”، مرجحا أن “هذه المعادلة سارية المفعول”.
الإدارة الأميركية تضع عزل حزب الله الذي يعد إحدى أبرز أذرع إيران وتشديد الضغوط عليه في مقدمة أولوياتها في لبنان
ويرى أن ملف ترسيم الحدود سينعكس إيجابيا على لبنان وإسرائيل، قائلا “عندما يكون هناك توافق دولي على ترسيم الحدود، يعني أن الشركات ستندفع للتنقيب والاستثمار وتطوير مكامن الغاز الموجودة، مما يشكل مخرجا للمباشرة بدعم الاقتصاد اللبناني”.
ويشدد على أن “ترسيم الحدود، إن حصل، فسينهي الصراع العربي – الإسرائيلي، الذي يشكل لبنان إحدى حيثياته، لكن لبنان لن يقدم على إنهاء هذا الملف، طالما لن يكون هناك إنهاء له في سوريا”، لاسيما في الشق المتعلق بالحدود البرية حيث ترفض سوريا الإقرار بلبنانية مزارع شبعا.
ومن المرجح أن يركز التفاوض في المرحلة الأولى على الحدود البحرية حيث توجد خلافات على بلوكين أربعة وتسعة. ويقدر إجمالي حجم الاحتياطيات البحرية اللبنانية من النفط بـ865 مليون برميل، ومن الغاز 96 تريليون قدم مكعبة.
ويعاني لبنان أزمة اقتصادية حادة، تفاقمها الاضطرابات السياسية التي تعصف بالبلاد، وبلغ إجمالي الدين العام 86.2 مليار دولار في الربع الأول من 2019، وفق أرقام رسمية.