"أفينيون" يؤكد بعده الاجتماعي مترحما على روح المراهق نائل

المهرجان المسرحي الأهم عالميا يكرم كل عام لغة جديدة.
الجمعة 2023/07/07
تسليط الضوء على قضايا المجتمعات

سنويا تتوجه أنظار عشاق المسرح والمسرحيين في شتى أنحاء العالم إلى فعاليات مهرجان أفينيون الذي يعتبر أبرز مهرجان مسرحي في العالم، إذ يستقطب في كل دورة الآلاف لفعالياته، ولكنه هذا العام يأتي وسط ظروف صعبة تشهدها فرنسا، وهو ما انعكس عليه ليأخذ البادرة مؤكدا أن المسرح ليس فنا موازيا للمجتمع والواقع.

أفينيون (فرنسا) - تحولت خشبة المسرح مركزا للمساعدة الاجتماعية مساء الأربعاء في انطلاق الدورة السابعة والسبعين لمهرجان أفينيون، واستُهل العرض الافتتاحي لهذا الحدث الذي يُعد من الأكبر في العالم في مجال الفن الدرامي بالوقوف دقيقة صمت على روح المراهق نائل الذي أدى مقتله برصاص شرطي إلى اندلاع أعمال عنف هي الأسوأ منذ سنوات في فرنسا. ونُفذت دقيقة الصمت هذه بطلب من مخرجة المسرحية الافتتاحية “ويلفير” جولي ديليكيه التي تدير أيضا مسرحا يقع في ضاحية سين – سان – دوني الباريسية، أفقر منطقة في فرنسا.

واختار المدير الجديد للمهرجان البرتغالي تياغو رودريغيز أن تنطلق الدورة الأولى التي تقام بإشرافه بمسرحية “ويلفير” وهو عرض ذو طبيعة اجتماعية من تأليف جولي ديليكيه، مقتبس من الفيلم الوثائقي للأميركي فريدريك وايزمان عن “15 بطلا مجهولا خلال يوم واحد في مركز مساعدة اجتماعية في نيويورك”، على ما قال مدير المهرجان.

هذا الفيلم الوثائقي، الذي صُور قبل 50 عاما، “يحكي قصصا لا تزال للأسف تشبه واقعنا الحالي حول العلاقة بين مَن هُم أكثر ضعفا والدولة، لكنه يجسد في الوقت نفسه القدرة على إيجاد الغنى في الكوميديا الإنسانية". ولهذا الغرض، تحوّلت باحة الشرف في قصر الباباوات، حيث أقيمت المسرحية، إلى مركز للمساعدة الاجتماعية، يتوسطه ملعب لكرة السلة ومقاعد وخزائن تحوطها مراتب للنوم، على ما يتطلبه العرض.

عرض اجتماعي

◙ مهرجان مسرحي لا يغض الطرف عن ظلم العالم
◙ مهرجان مسرحي لا يغض الطرف عن ظلم العالم

هذا المهرجان المسرحي "لا يغض الطرف عن ظلم العالم"، وفق رودريغيز الذي دعا غالبية من الوجوه الجديدة، بعضهم يُقدم عروضه لأول مرة في فرنسا. كذلك، يُعرض في المهرجان عمل بعنوان "G.R.O.O.V.E" ("غروف") لبينتو ديمبيلي، رائدة الهيب هوب في فرنسا.

وقرر المدير الجديد للحدث أن يسلط الضوء في كل نسخة من المهرجان على لغة معينة. وفي هذا العام، وقع الاختيار على اللغة الإنجليزية، “ردا على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”. ويقول رودريغيز “في الوقت الذي تُبنى فيه الأسوار لإبعادنا عن أصدقائنا البريطانيين، علينا أن نبني جسورا. إنها نوع من الدبلوماسية الثقافية”.

وتقام عروض مهرجان أفينيون في حوالي أربعين موقعا لـ44 عرضا، في المدينة ولكن أيضا خارجها، بينما تقام عروض “أوف أفينيون”، أكبر سوق لعروض الأداء الحي في فرنسا، في 140 موقعا وتستضيف ما يقرب من 1200 فرقة مسرحية.

◙ في يوليو من كل عام، تتحول أفينيون إلى مسرح كبير من خلال حدثين هما المهرجان الرسمي و”أوف أفينيون”
◙ في يوليو من كل عام، تتحول أفينيون إلى مسرح كبير من خلال حدثين هما المهرجان الرسمي و”أوف أفينيون”

وقد بدأ الكثير من السائحين ورواد المهرجان بالتدفق منذ صباح الأربعاء على مدينة الباباوات، وسط أجواء مرحة. ففي شهر يوليو من كل عام، تتحول أفينيون إلى مسرح كبير، خلال فعاليات تتوزع على حدثين، هما المهرجان الرسمي، و”أوف أفينيون”، أكبر سوق لعروض الأداء الحي في فرنسا.ورغم الفوارق بين سلوك جمهور المهرجان وجمهور القاعات الدائمة، أظهرت دراسة حديثة حماسة قوية لدى الفرنسيين للمسرح، رغم تراجع الحضور.

وبيّنت الدراسة التي أجرتها هيئة “ميدياميتري” للإحصاءات بطلب من جمعية دعم المسرح الخاص وأصدرت نتائجها هذا الأسبوع، أن 21 في المئة من الفرنسيين ذهبوا إلى المسرح، سواء أكان خاصاً أم عاماً، طوال الأشهر الاثني عشر الأخيرة، بينما كانت نسبتهم 27 في المئة الموسم الماضي، أي ثلاثة ملايين متفرج على أقل تقدير.

وأشار التقرير إلى أن الحضور “تأثر بالأحداث الجارية”، إن لجهة الحرب في أوكرانيا أو في ما يتعلق بالتضخم، إلاّ أن الشهية للمسرح زادت، إذ أفاد 73 في المئة ممن شملهم الاستبيان بأنهم قصدوا المسارح “كثيراً أو أكثر من ذي قبل”. وبلغ معدّل عدد المسرحيات المُشاهدة 5.4.

حتى قبل بدء المهرجان، كان على البرتغالي أن يتعامل مع مفاجأتين سيئتين: سحب عرض كان منتظرا بشدة من برنامج العروض، والتكلفة العالية لإعادة افتتاح موقع ذي أهمية للمهرجان، كاريير دو بولبون، الواقع على بعد حوالى خمسة عشر كيلومترا من أفينيون.

فقد كان من المفترض أن تُعرض في المهرجان مسرحية جديدة للمخرج البولندي الكبير كريستيان لوبا هي “المغتربون”، وكان محبو أفينيون يترقبونها، لكن دار “كوميدي دو جنيف” قررت إلغاء العرض الأول للمسرحية ثم “إلغاء إنتاجها” كليا، بسبب ما وُصف بـ”الاختلافات في فلسفة العمل” بين المخرج والفرق الفنية.

وألغيت المسرحية على إثر ذلك من برنامج أفينيون أيضا، واستعيض عنها بمسرحية لمدير المهرجان نفسه. ويوضح رودريغيز "إن عدم استبدالها كان ليكبد مهرجان أفينيون ضررا ماليا يزيد عن 300 ألف يورو". ويضيف "لم أستطع أن أطلب من الفنانين، خصوصا الفئة الناشئة منهم، استبدال عرض في اللحظة الأخيرة في أوبرا غران أفينيون (700 مقعد). كان من الممكن أن يكون ذلك مجازفة كبيرة وخطوة غير مسؤولة للغاية".

مواجهة المصاعب

◙ المسرح فن يواجه كل المصاعب
◙ المسرح فن يواجه كل المصاعب

ويؤكد أنه لا معلومات كافية لديه عن "هذا التطور المؤسف"، لكنه شدد على أن “أيّ مستوى من الموهبة لا يبرر العنف". أما المشكلة الثانية فهي موقع كاريير دو بولبون الذي افتُتح عام 1985 بمسرحية “ماهابهاراتا” لبيتر بروك واستُخدم للمرة الأخيرة عام 2016، وتُعرض فيه هذه السنة مسرحية "لو جاردان دي ديليس" (le Jardin des Delices) للمخرج فيليب كين.

◙ مسرحية “ويلفير” عرض ذو طبيعة اجتماعية من تأليف جولي ديليكيه وهو مقتبس من فيلم وثائقي للأميركي فريدريك وايزمان

وبسبب الإجراءات المتخذة تحسبا لمخاطر الحرائق، بعد تلك التي شهدتها المنطقة خلال الصيف الماضي، أضيف مبلغ 250 ألف يورو إلى ذلك المرصود أصلا للموقع والبالغ 350 ألف يورو، فبات “آمنا تماما”.

ولم يحُل التضخّم ولا أعمال العنف التي شهدتها المدن الفرنسية دون تعويل مهرجان أفينيون أكثر من أيّ وقت مضى على حضور الجمهور في دورته الحالية، في ظل تجدّد اهتمام الفرنسيين بالمسرح بعد جائحة كوفيد – 19.

ودلالةً على طموحه هذا، بكّر المهرجان في فتح باب بيع التذاكر، فأتاحها اعتباراً من مطلع أبريل الماضي بدلا من منتصف يونيو كما جرت العادة، مفسحا الوقت الكافي للراغبين في حضور عروض دورته الجديدة الممتدة من الخامس من يوليو الجاري إلى الخامس والعشرين منه.

أما على الصعيد الأمني، فيتسم المهرجان بتدابير مشددة نظرا إلى انطلاقه بعد أعمال العنف التي شهدتها مدن فرنسية طوال أيام، تمثلت في نشر وحدات سيارة وأخرى مخصصة لمناطق المشاة، وتنفيذ عمليات عشوائية للتحقق من الهويات في الأماكن العامة، وتسيير دوريات راجلة وبالدراجات الجبلية.

13