أفلام المغرب العربي تطرح مشكلات الشعوب وأحلامها في مهرجان كان

تنقل الأفلام السينمائية الممثلة للمغرب العربي في مهرجان كان مشكلات المجتمعات المغاربية وأحلامها التي تفقد أمل تحقيقها في ظل أوضاع معيشية صعبة وقيود أخلاقية ودينية تفرض على الفرد العيش كما تريد المجموعة، باحثة عن مساحة يتحرر فيها من كل الممنوعات المفروضة عليه.
كان (فرنسا)- كانت السينما العربية والمغاربية حاضرة دائما في مهرجان كان السينمائي على مستويات من المشاركة مختلفة، واستطاع مخرجون من المغرب العربي أن يتركوا بصمة خاصة في تاريخ هذا الحدث السينمائي العالمي، الذي دخل دورته الـ75 هذا العام.
ويرسم عدد من المخرجين المغاربة في أفلامهم المعروضة ضمن مهرجان كان في فرنسا هذه السنة صورة جيل شاب على حافة الانفجار، واقعه لا يشبه أحلامه ويجد نفسه عاجزا عن التعامل مع مشكلاته الذاتية التي صارت مشكلات مشتركة.
وتقول المخرجة أريج السحيري في هذا الصدد “بلداننا جميلة جداً لكنّ الناس فيها يختنقون”. واختارت المخرجة الفرنسية – التونسية أحد الحقول المزروعة بأشجار التين في الريف التونسي (غالبية العاملين فيه نساء) مسرحاً لأحداث فيلمها الروائي الطويل الأول “تحت أشجار التين” الذي عُرض السبت ضمن قسم “أسبوعَي المخرجين” في مهرجان كان، وهو عرضه الأول عالمياً.

أريج السحيري: بلداننا جميلة لكن الناس فيها يختنقون
ورغم إحساس الحرية الذي يوحي به مشهد أشجار التين الممتدة على مد البصر يخرج المشاهد بعد متابعة الفيلم بانطباع مختلف تماما؛ إذ هو في الحقيقة مكان مغلق وضاغط يطبق على النساء من غير أن يجدن سبيلاً للخروج منه.
وأوضحت المخرجة “أردت أن أقول انظروا، إنه رائع، لكن هذا كل ما هناك. هكذا هي بلادنا، إنها رائعة، لكن الشباب يختنقون في الداخل”.
ويظهر الفيلم نساء يتعرضن للمطاردة والمضايقة، بل حتى لاعتداءات جنسية بالكاد تنجو منها بعضهنّ. ولئن كان الحب والجنس حاضرين في كلّ الأذهان، إلا أن لا أحد يجرؤ على البوح برغباته.
وقالت أريج السحيري “أردت معالجة موضوع المضايقات الجنسية التي تتعرض لها النساء. فلئن نُظر إلى هذه المسألة بجدية في تونس، فإنها تبقى في الأرياف الخبز اليومي للنساء، ويبقى الصمت هو السائد”.
وعلى غرار قطاف التين، تشبّه جسد المرأة بفاكهة تنتظر رجلا “يقطفها”، رجلا يعاني هو أيضا بحسب المخرجة من استحالة عيش حياته الجنسية بحرية.
وتنفي المخرجة المولودة في فرنسا لوالدين تونسيين أنها تعكس في عملها صورا نمطيّة، وتروي أنها تصوّرت “مجتمعا مصغّراً تونسياً، وبصورة عامّة مغاربيّا”. وتضيف “سواء تحدثنا عن المغرب أو الجزائر أو تونس، إنه الشباب ذاته الذي يختنق في كلّ مرّة”.
وأريج السحيري ولدت في فرنسا عام 1982، وعندما كان عمرها 19 عاماً سافرت إلى كندا لتتابع دراستها في إدارة الأعمال قبل أن تتوغل في صناعة الأفلام الوثائقية.

◙ مريم التوزاني تشارك بفيلم "القفطان الأزرق" الذي يتناول موضوع استحالة عيش المثلية الجنسية في المغرب
وكرست السحيري نفسها لتسجيل وتوثيق الحياة التونسية، ففي عام 2012 أخرجت الفيلم الوثائقي الطويل “ألبوم العائلة”، وفي عام 2013 أخرجت الوثائقي القصير “فيسبوك والدي”، ومنذ ذلك الحين كرست جهودها لتصوير السكك الحديدية التونسية، وهو ما دفعها إلى إنجاز فيلمها الوثائقي الطويل الأول “عالّسكة”، كما شاركت في إخراج الفيلم الوثائقي الطويل “جريمة لا توصف”.
من جهتها، تناولت المخرجة المغربية مريم التوزاني موضوع استحالة عيش المثلية الجنسية في المغرب في فيلمها “القفطان الأزرق” الذي يعرض الخميس خارج المسابقة ضمن قسم “نظرة ما”.
و”القفطان الأزرق” هو فيلم درامي، تدور أحداثه حول “حليم ومينة” المتزوجين منذ فترة طويلة، ويديران متجرا خاصا بالقفطان المغربي في مدينة سلا المجاورة للرباط، ويلتحق بهما شاب يدعى يوسف ليتعلم فنون الخياطة من معلمه حليم، فيكشف عن السر الدفين الذي يخفيه الزوجان ويغير مسار الأحداث.
ويقوم ببطولة الفيلم ممثلون غير مشهورين على الساحة الفنية المغربية، وهم صالح بكري ولبنى عزبال وأيوب مسيوي، ويشاركهم ممثلون آخرون معروفون لدى المشاهد المغربي، مثل مونية لمكيمل وحميد الزوغي.
وتعتبر هذه التجربة الثانية في إخراج فيلم طويل بالنسبة إلى الممثلة وكاتبة السيناريو والمخرجة مريم التوزاني، بعد فيلمها السابق “آدم” عام 2019، الذي حصد عدة جوائز عالمية واختاره المركز السينمائي المغربي ليمثل المملكة وينافس على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي لعام 2020.

لطفي ناثان: المجتمع يسجن الناس دون أن يترك لهم ولو منفذا واحدا
وسبق أن أخرجت مريم التوزاني في بداية مسيرتها فيلمين قصيرين بعنوان “عندما ينامون”، و”آية والبحر”، وفيلما وثائقيا بعنوان “أحببته كثيرا”.
وقال الممثل آدم بسة إن “المشكلة هي أن من المستحيل العيش كما نودّ”، وهو يؤدي دور علي في فيلم “حرقة” للمخرج لطفي ناثان الذي عرض الخميس ضمن المسابقة الرسمية، وكذلك خارجها.
ويروي الفيلم مصير علي، الشاب التونسيّ الذي يعيش من بيع البنزين المهرّب على حافة الطريق، ليطرح تساؤلات حول إرث الثورة التونسية التي شكلت شرارة الربيع العربي. فبعد أكثر من عشر سنوات على قيام محمد البوعزيزي بإحراق نفسه احتجاجا على ظروفه البائسة مطلقا بذلك ثورة الياسمين (ثورة 14 يناير)، هل تبدل الوضع؟
لا تزال الحال على ما هي عليه بحسب الفيلم الذي يفضح الفساد وانعدام الأفق والفقر المتفشّي. يقف علي على شفير الانهيار والجنون. الخيار الوحيد برأيه هو مغادرة تونس والرحيل إلى أوروبا عبر البحر المتوسط المحفوف بالمخاطر، وخوض مغامرة الهجرة غير الشرعية عبر قوارب الموت على غرار العديد من المهاجرين. وينقل الفيلم بكثير من الواقعية مفاصل مجتمع يمنع الأفراد من التحرر ويكبّلهم.
ويوضح المخرج لطفي ناثان أن الفيلم يكشف بصورة خاصة “يأس جيل يشعر بأنه ممنوع من العيش”. ويتابع “أردت وصف مجتمع يسجن الناس دون أن يترك لهم ولو منفذا واحدا”.
وبفضل لقطات قريبة لعلي تُظهر وجهه وجسده المطبوعين بقسوة الحياة، ومهارة أداء آدم بسة، ينجح الفيلم في جعل المشاهد يشعر باليأس الطاغي الذي يستولي على الشخصيات.
ويقول آدم بسة في هذا الصدد “اليأس، العجز… ذلك الشعور بأن الواحد استنفد كلّ ما لديه، حاول كلّ شيء، أعطى أفضل ما لديه ليحاول إيجاد مخرج، من غير أن يكون أي شيء مجديا. انعدام الأمل هو أعنف ما يكون”.
عدد من المخرجين المغاربة يرسمون في أفلامهم صورة جيل شاب على حافة الانفجار، واقعه لا يشبه أحلامه
يذكر أن الممثل آدم بسة اشتهر خلال العام الماضي بمشاركته في فيلم ”الموصل” للمخرج ماثيو كرناهام، والذي عرض على منصة نتفليكس ويتناول الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي، وهو مقتبس من تحقيق صحافي وقصة واقعية لفرقة أمنية عراقية ناضلت من أجل الحرية وحاربت تنظيم داعش بهدف تحرير المدينة وأفراد عائلات أعضاء من هذه الفرقة. هو فيلم باللهجة العراقية شاركت فيه الكثير من الأسماء العربية من بينها سهيل دباش وإسحاق إلياس.
وكانت لآدم تجربة سينمائية أخرى سنة 2017، في فيلم ”السعداء” لصوفيا دجاما، وشارك في العديد من الأفلام الفرنسية القصيرة، وغادر تونس في سن التاسعة عشرة وانقطع عن دراسة الحقوق لهوسه بعالم السينما.