أفغانيات يظفرن بالاعتراف باسم الأم في بطاقات الهوية

كتابة اسم الأم إلى جانب اسم الأب تمثل بالنسبة للكثير من الأفغانيات اعترافا واجبا بالمرأة في المجتمع.
الاثنين 2020/09/28
 نضال متواصل من أجل الحقوق

يعدّ الكشف عن اسم المرأة من المحرمات في المجتمع الأفغاني، ويعمد الرجال إلى إطلاق بعض التسميات على المرأة تجنبا لذكر اسمها الذي يرون أنه عار. وناضلت بعض الحقوقيات لسنوات لإدراج اسم الأم إلى جانب اسم الأب في بطاقات هوية الأبناء. وفي خطوة أكد ناشطون حقوقيون أنها نصر للنساء في هذا المجتمع المحافظ، أقر الرئيس الأفغاني مؤخرا تعديلا يساوي بين الآباء والأمهات في بطاقات الهوية.

كابول- تشن الأفغانية لاله عثماني حملة منذ سنوات لتغيير العرف السائد بتعريف المواطنين رسميا بأسماء آبائهم، وتطالب بإدراح اسم الأم في بطاقات الهوية. غير أن الحملة التي أطلقتها تحت عنوان “أين اسمي؟” وأدت أخيرا إلى تغيير القانون الأسبوع الماضي، أثارت نقاشا حادا في المجتمع الإسلامي المحافظ حيث يحرّم البعض مجرد النطق باسم المرأة علانية.

وعارضت حركة طالبان، التي بدأت مؤخرا مباحثات لاقتسام السلطة مع الحكومة الأفغانية قد تؤدي لعودتها إلى مقاعد الحكم من جديد، هذا التعديل في واحد من أبرز الأمثلة الأولى على مواقف الحركة من حقوق النساء في بدايات عملية السلام.
وقالت لاله عثماني (28 عاما) الحاصلة على شهادة في الدراسات الإسلامية “واجهنا منذ بداية هذه الحملة حتى الآن الإهانات والإذلال والتهديدات”.
وبالنسبة لها ولكثير من الأفغانيات، تمثل كتابة اسم الأم إلى جانب اسم الأب اعترافا واجبا بالمرأة في المجتمع. وقالت “الإسلام أعطانا هذا الحق.. ونحن نريد استرداد حقوقنا”.

وبدأت عثماني حملتها على وسائل التواصل الاجتماعي في العام 2017 وأتت ثمارها الأسبوع الماضي عندما وقع الرئيس أشرف غني على تعديل يساوي بين الآباء والأمهات في بطاقات الهوية.

وأكدت تقارير إخبارية سابقة أنه غالبا ما يسقط اسم المرأة عن بطاقات الدعوة أو حتى شواهد القبور بسبب التقاليد المرعية والنزعة المحافظة جدا في أفغانستان، ومن الأمور المعتادة في أفغانستان أن تعرّف المرأة بأنها زوجة فلان، أو ابنة فلان، لا باسمها الشخصي، وهو تقليد سائد منذ قرون. وجاء هذا النصر للمرأة الأفغانية بعد سنوات عدة من حملات الناشطين الهادفة إلى التخلص من الشعور بالخجل من أسماء النساء على الملأ.

غير أن هذا الإصلاح أثار غضب حركة طالبان، وقال أكبر آغا الذي كان مسؤولا إبان حكم طالبان في لقاء لبحث المصالحة في مدينة هرات الأسبوع الماضي “إدراج اسم الأم في بطاقات الهوية الإلكترونية عار على الأفغان وخزي لهم”. جدير بالذكر أن حقوق المرأة شهدت تحسنا كبيرا منذ الإطاحة بحكم طالبان في العام 2001.

وأكد ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم طالبان، أن الحركة تعارض ذكر أسماء الأمهات في بطاقات الهوية. وقال “أسماء النساء من وجهة النظر الدينية من المحرمات التي لا يمكن ذكرها في أي مكان.. وذكر أسماء الأمهات والزوجات والأخوات والبنات غير مقبول في مجتمعنا”.

وأضاف في رسالة بعث بها إلى رويترز في ما بعد لتوضيح كلامه أن “ذكر اسم الزوجة أو الأم جزء أيضا من خصوصيات الأسرة أو الناس وإذا لم يرغبوا في ذلك أو كانوا يعتبرون ذلك محظورا أو عارا فهذا سبب وجيه من منطلق الشريعة ووجهة النظر الثقافية”.

وقالت عثماني إنها شعرت بخيبة أمل لموقف طالبان لكنها لن تتوقف عن كفاحها للاعتراف بالمرأة رغم قلقها على سلامتها وسلامة زميلاتها. وقال متحدث باسم غني في تغريدة له على موقع تويتر، “اسم الأب مدرج رسميا في بطاقات الهوية الوطنية إلى جانب تفاصيل شخصية أخرى”. ووقّع الرئيس الأفغاني قانوناً جديداً سيشمل لأول مرة، أسماء الأمهات على شهادات ميلاد أطفالهنّ وبطاقاتهنّ الشخصية.

المرأة الأفغانية تبحث عن حقوقها في بدايات عملية السلام
المرأة الأفغانية تبحث عن حقوقها في بدايات عملية السلام

وأكدت منظمات حقوقية أن القانون يعد انتصارا كبيرا لناشطات حقوق المرأة الأفغانية اللواتي ناضلن لسنوات طويلة من أجل تسمية كلا الوالدين على بطاقات الهويّة، وذلك تحت هاشتاغ على وسائل التواصل الاجتماعي “أين اسمي؟”.

وأشارت إلى أن هذه الخطوة الإصلاحية ستكون لها عواقب مهمة في الواقع الاجتماعي الأفغاني، مما يسهل على النساء الحصول على التعليم والرعاية الصحية وجوازات السفر وغيرها من الوثائق لأطفالهن، وأيضا السفر مع أطفالهن. كما أشارت إلى أنها مهمة بشكل خاص للنساء الأرامل أو المطلقات أو المنفصلات أو اللاتي يتعاملن مع شركاء مسيئين.

وأكد حقوقيون أن حرمان المرأة من الحق في الاعتراف بها في هويات أطفالها، ساعد في تعزيز الدولة بشكل أساسي لفكرة أن الأطفال ملك للأب، وأن المرأة لا ينبغي أن توجد في الحياة العامة، منبهين إلى أن المرأة الأفغانية لا تزال تواجه حواجز هائلة أمام المساواة، بما في ذلك القوانين التمييزية، وخصوصاً في التعليم والتوظيف، والفشل في إنفاذ القوانين التي ينبغي أن تحميها، مشيرين إلى أنه غالبا ما فشلت الحكومة الأفغانية في احترام حقوق المرأة، لذا فإن دعم الحكومة لهذا القانون يعتبر مشجعا.

ولفتوا إلى أن إقرار هذا القانون يعد انتصارا مهما في وقت تدرك فيه النساء الأفغانيات أنه يمكن التضحية بحقوقهن في المحادثات المقبلة بين الحكومة الأفغانية وطالبان، فيما ستتعرض النساء الثلاث في فريق التفاوض المكوّن من 21 عضواً والمدعوم من الحكومة، لضغوط شديدة، لضمان أن الاتفاقية النهائية ستحترم حقوق المرأة بشكل كامل.
وقالوا إن هذا النصر، وإن كان رمزيا يعتبر دفعة صغيرة نحو تعزيز حقوق المرأة في وقت يبدو فيه مستقبل دور المرأة في المجتمع الافغاني عالقاً في التوازن وسط المفاوضات الوشيكة على تقاسم السلطة بين الحكومة وطالبان.

وأوضحوا أنه عندما كانت حركة طالبان في السلطة في تسعينات القرن الماضي، أجبرت النساء على البقاء في بيوتهن وجردتهن من حقوقهن الأساسية مثل التعليم والعمل مدفوع الأجر، ولفتوا إلى أن أفغانستان حققت تقدما كبيرا في تشجيع دور المرأة في الحياة العامة خلال العقدين الماضيين بعد الإطاحة بحكم طالبان. وأصبح هناك الملايين من الفتيات اللواتي يذهبن إلى المدارس والجامعات في جميع أنحاء الدولة، في حين احتلت النساء مناصب مهمة في الحكومة. وقالوا إن كراهية النساء التي يبررها التدين لا تزال متجذرة في المجتمع كما أن تنمر طالبان على النساء يمثل مشكلة عويصة.

ونبهوا إلى أن المحرمات الأفغانية القديمة المتعلقة بالنساء لا تزال متجذرة في أذهان الشعب حتى الصغار منهم، لدرجة أن تلاميذ المدرسة يمكن أن يتقاتلوا لمجرد أن يذكر أحدهم اسم أم أو أخت الآخر، وهو عمل يعتبر عاراً.

ولفتوا إلى أن في هذه الدولة التي طحنتها الحروب وكثرت فيها الأرامل، تصارع النساء من أجل تكريس أنفسهن كأوصياء شرعيين على أطفالهن في الدوائر الحكومية، أو من أجل تنفيذ الأعمال بأسمائهن دون وجود الرجل. وحتى قبور النساء لا تكتب عليها أسماء النساء، وإنما فقط أسماء أقربائهن الذكور.
وأوضحوا أنه على الرغم من الترحيب الواسع بهذه الخطوة على مواقع التواصل الاجتماعي الأفغانية والدولية، إلا أن الكثيرين عبروا عن خشيتهم من أن هذا التغيير يمكن أن يمنع الكثير من السكان المحافظين من إخراج هويات شخصية لبناتهن.

قالت فوزية كوفي، نائبة أفغانية سابقة وناشطة في مجال حقوق المرأة، لهيئة الاذاعة البريطانية “بي.بي.سي” إنها ترحب بالتطور الذي “كان يجب أن يحدث قبل عدة سنوات”، وأضافت “إن مسألة إدراج اسم امرأة في بطاقة الهوية الوطنية في أفغانستان ليست مسألة حقوق المرأة، إنها حق قانوني، وحقوق إنسانية، أي فرد موجود في هذا العالم يجب أن يكون له هوية”.

نصر للمرأة الأفغانية  جاء بعد سنوات من الحملات الهادفة إلى التخلص من الشعور بالخجل من أسماء النساء على الملأ

ورحبت عثماني بأمر تعديل الرئيس، لكنها قالت إنها ليست نهاية القتال. وأضافت “حتى لو أصدر البرلمان القانون وأصدر الرئيس غني قراراً رئاسياً بالموافقة على إدراج اسم الأم في بطاقات الهوية، فسوف نستمر في القتال حتى تتم إزالة العار من أسماء النساء”.
وفي مقابل ذلك، واجهت عثماني الكثير من النقد والمعارضة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قال البعض إن الأولوية يجب أن تكون الحفاظ على السلام داخل الأسرة، وكتب أحد المعلقين قائلاً “اجعل أولوياتك صحيحة”، واتهمها العديد من الرجال برغبتها في ذكر اسمها على بطاقات هوية أطفالها لأنها لم تكن تعرف من هو الأب.

كما أن العديد من النساء في البلاد لم يؤيدن الفكرة، وقالت امرأة من محافظة هرات، لـ”بي.بي.سي”، “عندما يطلب مني أحدهم أن أخبره باسمي، يجب أن أفكر في شرف أخي ووالدي وخطيبي”. وتابعت “أريد أن أشير إلى ابنة والدي، أخت أخي. وفي المستقبل، أريد أن أشير إلى زوجة زوجي، ثم أم ابني”.

وأكد عالم الاجتماع الأفغاني علي كافه، أن “أفغانستان تظل مجتمعًا أبويا، حيث يجبر الشرف الذكوري النساء ليس على إخفاء أجسادهن فحسب، بل أيضا إخفاء أسمائهن”، موضحا “أقسى الرجال وأكثرهم قسوة هم الرجال الأكثر احتراما وشرفا في المجتمع. إذا كانت الإناث من أسرهن ليبراليات، فسيتم اعتبارهن مختلطات ومهانات”.

وقال أخصائيو علم الاجتماع إن استخدام أسماء النساء في العلن يثير الامتعاض ويمكن اعتباره إهانة. ويُعرِض كثيرٌ من الرجال الأفغان عن كشف أسماء شقيقاتهم أو زوجاتهم أو أمهاتهم، اللاتي لا يشار لهن إلا بلقب الأم أو الابنة أو الشقيقة لأكبر ذكر في العائلة، وينص القانون الأفغاني أيضاً على عدم إدراج سوى اسم الأب في شهادة الميلاد.

21