أغدا ألقاك

الشاعر السوداني الهادي آدم كان في غاية السعادة بأن يدخل عالم "الست" ويصبح كوكبا من الكواكب التي تدور في فلكها.
الأحد 2024/10/13
قصيدة الهادي آدم حيّرت الجميع

في أواخر ديسمبر 1968، أحيت كوكب الشرق أم كلثوم حفلين أسطوريين على خشبة المسرح القومي في الخرطوم، ولاقت من الترحاب والإعجاب ما بقي راسخا في ذاكرة مؤرخي الساحة الفنية العربية، ومن فوق الخشبة فوجئت باندماج الجمهور السوداني بشكل استثنائي في مفردات وإيقاعات ومعاني وأنغام قصيدتي "الأطلال" للشاعر إبراهيم ناجي والملحن رياض السمباطي، و"هذه ليلتي" للشاعر جورج جرداق والملحن محمد عبدالوهاب، فقررت أن تبحث في المجاميع الشعرية المتوفرة آنذاك عساها تعثر على قصيدة لشاعر سوداني يمكن أن تغنيها وتهديها إلى الشعب الذواق والأنيق في البلد الجار والشقيق .

عند اطلاعها على مجموعة "كوخ الأشواق" الصادرة في العام 1962 للشاعر ومدرس اللغة العربية الهادي آدم، توقفت طويلا عند قصيدة تحمل عنوان "الغد"، وعرضتها على الموسيقار محمد عبدالوهاب ليتولى تلحينها، فطلب منها دعوة الشاعر لزيارة القاهرة بغاية إدخال بعض التعديلات على النص الشعري، وهو ما حصل فعلا، حيث سارع الشاعر إلى تلبية الدعوة، وكان في غاية السعادة بأن يدخل عالم "الست" ويصبح كوكبا من الكواكب التي تدور في فلكها .

وبعد جلسات عدة، تم الاتفاق على النص النهائي الذي يقول مطلعه "أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غدِ/ يالشوقي واحتراقي في انتظار الموعد/ آه كم أخشى غدي هذا وأرجوه اقترابا/ كنت أستدنيه لكن هبته لما أهابا/ وأهلت فرحة القرب به حين استجابا/ هكذا أحتمل العمر نعيماً وعذابا/ مهجة حرة وقلباً مسه الشوق فذابا".

يوم الخميس السادس من مايو 1971 كان الشاعر السوداني حاضرا في مسرح سينما قصر النيل بالقاهرة، ليشارك في حفل ميلاد قصيدة "أغدا ألقاك" أمام الجمهور، بعد أن تأخر تقديمها بسبب وفاة الزعيم جمال عبدالناصر، وفي روايته لقصة الأغنية قال "زارت أم كلثوم السودان عام 1968 لتغني لمصلحة المجهود الحربي بعد النكسة في 1967 في إطار جولتها في عدد من الدول العربية للغرض ذاته، وقررت وقتها أن تغني لعدد من شعراء الدول العربية من بينها السعودية ولبنان، وعندما زارت السودان استقبلت استقبالا رائعا، ولذا اتخذت قرارا بأن تقدم شعراء السودان، وبدأت تبحث في الشعر السوداني وكنت سعيدا باختيار أم كلثوم لقصيدتي ‘أغدا ألقاك’ لغنائها. ولكن تأخر تقديم القصيدة بسبب ظروف وفاة الرئيس جمال عبدالناصر حتى غنتها أم كلثوم في مايو عام 1971 في مسرح سينما قصر النيل وكان يوما بهيجا".

منذ ذلك التاريخ تغيرت حياة الشاعر السوداني الرائع الذي غادرنا في 30 نوفمبر 2006، فقد أصبح اسمه يتردد على ألسنة الملايين من عشاق كوكب الشرق، وكلماته باتت تهدى بين العشاق مع الورود الحمراء والقبلات، لكن ما كان يؤسفه ويؤلمه أحيانا، أن كل إنتاجه الشعري والأدبي تم اختصاره في "غدا ألقاك"، تلك القصيدة التي كتبها وعمره لا يتجاوز الثلاثين وسيطرت على مسارات حياته إلى أن توفي وهو في الثمانين.

18