أغاني المهد تؤثر في ما يكتبه الأدباء

الأغاني تشكل وسيلة فنية من وسائل تنشئة الأطفال ونافذة المجتمع على المستقبل كونها تشارك في تكوين شخصية الطفل.
الاثنين 2024/04/08
أغاني الأمهات تتفاعل مع الأدب (لوحة للفنان غسان الفايدي)

عمان - لا تخلو حضارة إنسانية من أغان وأهازيج تخصصها للأطفال وتودع فيها مختلف قيمها التربوية والأخلاقية، وهي جزء من التراث الشفهي الذي أصبح محط اهتمام العلوم الإنسانية والاجتماعية. وتشكل تلك الأغاني وسيلة فنية من وسائل تنشئة الأطفال، وتعد نافذة المجتمع على المستقبل لأنها تشارك في تكوين شخصية الطفل والتي بدورها تقوم عليها شخصية المجتمع. ولا تنفصل هذه الأهازيج عن الأدب بل هي في صلبه.

في هذا الإطار توضح الباحثة خديجة بنت محمد العامرية من خلال كتاب جديد بعنوان “أغاني المهد في نماذج من الأدب العربي المعاصر” كيف استلهم الأدباء أغاني المهد وطوَّروها وأضافوا إليها وجدَّدوا فيها. وجاء الكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن ضمن منشورات الجمعية العمانية للكتاب والأدباء في 398 صفحة من القطع المتوسط، وضم أربعة فصول ومقدمة وخاتمة.

أغاني الأطفال تعتبر من أبرز عناصر الموروث الشفاهي كقيمة ثقافية وتربوية، فهي الانتماء والخصوصية وتصنف ضمن أروع الأجناس الأدبية في التراث الشعبي باعتبارها صوتا له إيقاع ووزن ومعنى يستجيب لمواقف معينة، فهي لا تقوم فقط بوظيفة جمالية ولا تستجيب إلى مقتضيات التعبير الفني فحسب ولكنها تقوم بدور تربوي وتثقيفي بل وتعليمي إلى جانب العمل على زرع المبادئ الدينية والأخلاقية والاستجابة للوجدان الجماعي سواء كان أسريا أو قبليا”.

◙ الباحثة تدرس تناص أغاني المهد مع نصوص من الأدب العربي المعاصر بعد أن لاحظتْ كيف تم توظيفها أدبيا
◙ الباحثة تدرس تناص أغاني المهد مع نصوص من الأدب العربي المعاصر بعد أن لاحظتْ كيف تم توظيفها أدبيا

وتردد الأمهات قديما في المجتمعات العربية أغاني المهد التي تهدهد الطفل وتساعده على الاسترخاء والنوم، وتحمل هذه الأغاني كلمات ذات بعد رمزي تؤدي الأم لحنها ذي الطابع الفني العربي الموروث بصوت هادئ، فتصور واقعها الاجتماعي ووضعها النفسي وتتغنى بأمومتها، وتختلف هذه الأغاني من دولة عربية إلى أخرى خاصة في الكلمات، ولكنها تشترك في ما تحمله من فوائد للطفل ورثتها أمهات اليوم عن جداتهن.

لا بدّ من الإشارة إلى أنه في أغاني المهد تندمج النغمات مع الكلمات في وظيفة شديدة الخصوصية تتمثّل في مساعدة الطفل على النوم وهو ليس بالأمر الهيّن دائما. إن أغاني المهد لا مثيل لها في تلقائيتها وعفويتها وفي سهولتها شكلا ومضمونا. هي في الآن ذاته وسيلة نفسية، بمثابة مهدّئ لا نظير له، وذات غاية تربوية في توجهها إلى الطفل، كما هي وسيلة للتأمل والتفكير بالنسبة إلى الكبير، إضافة إلى كونها مرآة عاكسة للمجتمع وقضاياه ولعلاقة الأم بطفلها.

لكن يبقى التناص الذي تحفل به هذه الأهازيج موضعا هاما لدراسته كما فعلت العامرية التي تؤكد ما حصل من تناص وتفاعل بين الأغاني تلك والمدونة الأدبية العربية.. وتقول العامرية في مقدمة الكتاب «إن مصطلح التناص ظهر منذ ستينيات القرن العشرين وانتشر واتسع، وكثرت الدراسات حوله، وصرنا نرى أن النص مجموعة من نصوص مختلفة، وقد أفقد التعميم مصطلح التناص معناه الحقيقي، إذ يجب أن نقر أن لكل نص خصوصيتَه، فهو وإن تناصَّ مع غيره من النصوص لا يمكن أن نعده تكرارا لهذه النصوص فقط، بل هو يشكل إبداع نص من جملة نصوص”.

وتضيف “ليست العبرة في وجود تقنية التناص في النص المقروء، وإنما العبرة في نجاح هذه التقنية في أن تضيف إلى النص بعدا جماليّا وفنيّا، مؤثرا في القارئ، يأخذه إلى جوهر العمل الأدبي. ويوفر التناص بعدا معرفيّا يتمثَّل في الإيماءات إلى النصوص السابقة، سواء أكانت أسطورية أم دينية أم غيرها، ولذا حرصت في دراستي على بيان مكامن الإبداع في النصوص المدروسة، وكيف تشكّل الإبداع في النص من خلال تأثّره بأغاني المهد، وكيف أن هذه الأغاني البسيطة دخلت في بنية الأعمال الأدبية، فالبحث في التناص يسهم في كشف طبيعة النص، ويعمل على تفسير بعض جوانبه وخباياه».

وقد جاء اختيار الباحثة لدراسة تناص أغاني المهد مع نصوص من الأدب العربي المعاصر بعد أن لاحظتْ أن هناك عددا من الأدباء المعاصرين وظفوا هذه الأغاني في أعمالهم الأدبية، لذا حرصت على أن تبين كيف أثرت أغاني المهد في النصوص المعاصرة، وولَّدت نصوصا جديدة لها طابعها الخاص، وسماتها المميزة، حاصرة الموضوع في خمسة نصوص هي؛ نصان شعريان، ونص مسرحي، وقصة، ورواية، واتخذت التناص وسيلة لبيان ذلك الأثر. ومن الجدير ذكره أن خديجة بنت محمد بن حامد العامرية باحثة عمانية حاصلة على شهادة الماجستير في اللغة العربية وآدابها.

12