أغاني "الغرف المغلقة" وسيلة للبهجة والتعليم في أفراح الصعيد بمصر

يعد فصل الصيف موسم الأفراح في جل الدول العربية، وهو الحال في صعيد مصر حيث تردد إلى اليوم في سهرات حفل الزفاف أغان توصف بأنها “أغاني الغرف المغلقة” تبعا لجرأة مواضيعها وكلماتها، لكن غاياتها التربوية وأبعادها الثقافية تجعل وجودها والتغني بها مبررا.
الاثنين 2016/08/08
تجسيد للعادات والمعتقدات المرتبطة بالزواج

القاهرة – رغم تناقضها مع طبيعة المكان والزمان وحقيقة المنظومة الأخلاقية المحافظة لدرجة المبالغة، تعتبر أغاني “الغرف المغلقة” أحد التقاليد الراسخة في أفراح أهل الصعيد في مصر، وتحولت إلى وسيلة أساسية لتوعية الزوجين جنسيا.

ورغم عدم وجود بيانات محددة عن جذور الأغاني الشعبية التي تحمل في مضمونها “تلميحات جنسية”، فقد أكدت بعض الدراسات أن تداول هذه الأغاني ربما تكون له صلة وثيقة بـ“الغوازي”، وهن مغنيات محترفات يستأجرن للرقص والغناء في الأفراح والمناسبات السعيدة، وهي ظاهرة ضاربة في القدم، وغير مرتبطة بما حدث الآن في الصعيد من تغيرات حضارية، أثرت على عادات وتقاليد أهالي الصعيد.

من أشهر الأغاني المتداولة في أفراح الصعيد منذ القدم، أغنية تصف ما يحدث مع “العروس ليلة الدخلة”. أما إذا أرادت العروس توصيل رسالة إلى زوجها بأنها لا ترغب في العيش مع أسرته في بيت “العائلة”، بل تريد منزلا مستقلا حتى تكون حرة في تحركاتها، فتقوم صديقات العروس بترديد أغنية: ما اعرفش أدق الكسبرة/ إلا بقميص المسخرة.. ما اعرفش أدق التوم/ إلا بقميص النوم.

محمد شحاتة العمدة الباحث في الثقافة الشعبية والأنثروبولوجيا قال لـ”العرب” إن الأغاني الشعبية التي ينشدها الرجال والنساء في الأفراح بصعيد مصر تعتبر في الغالب تجسيداً للعادات والمعتقدات المرتبطة بالزواج بتفاصيله، وهي تؤدي دورا مهما يتمثل في نصح وإرشاد العروسين حول كيفية التعامل مع بعضهما بعد الزواج، وغرضها التنوير وليس الإثارة. وأضاف أن الأغاني الشعبية تعبر عن الهوية الثقافية للمجتمع المحلي الذي تؤدى فيه، واستمرارها في صعيد مصر دليل على تماسك الجماعة الشعبية في تلك المنطقة، فلا يزال أهل الصعيد يحافظون على جزء معتبر من عاداتهم وتقاليدهم التي ورثوها عن آبائهم وتميزهم عن غيرهم.

توجد في تراث الغناء الصعيدي أغنيات قصيرة تتكون من جملتين يتم ترديدهما أكثر من مرة، ويقصد بها مخاطبة الشاب (الأعزب) لحثه على الزواج، مطلعها: عيني على العازب عيني عليه. كما توجد مقاطع لتشجيع الشباب على الزواج تصف القبلة بين الزوجين بأنها أجمل شيء، وأن أي شيء غيرها ليس له طعم.

أوضح محمد شحاتة، المقيم بقرية البداري في محافظة أسيوط، أن مراسم الأفراح تبدأ قبل ليلة الزفاف بسبعة أيام، والقليل جدا من الزيجات يقام في قاعة أفراح بالمدن، لأن إقامتها في المنازل تعطي مساحة أكبر من الحرية في إنشاد الأغاني الجريئة. لكنه أكد أن “الألفاظ الجنسية” التي تردد في بعض أغاني الأعراس هدفها تعليمي، فالنساء يغنين للعروس، والشباب يغنون للعريس، ولا تغنى في حالة اختلاط النساء بالرجال.

لأعراس الصعيد طعم آخر بالمغنى الشعبي الجريء

هذه النوعية من الأغاني انتشرت قبل ظهور البرامج التلفزيونية التي تقدم معلومات عن العلاقة الزوجية، ونادرا ما يتم ترديدها على نطاق واسع فلا يزال الاستماع إليها ينحسر في عدد من قرى صعيد مصر. وتعجب شحاتة من تجاهل المؤسسات الثقافية في مصر جمع هذه الأغاني حتى يتم رصد أثر التغير الثقافي عليها، خاصة بعد اختفاء بعضها لأنها لم تعد تؤدي الوظيفة التي تم تأليفها من أجلها.

ورأى متخصصون في الأدب الشعبي أنه لا توجد فرق موسيقية محددة تؤدي تلك الأغاني حاليا، إنما يقتصر الأداء على أهالي بعض القرى الذين حفظوها عن أسلافهم، لكن هناك فرقا أخذت تلك الأغاني وأضافت إليها موسيقى وألحانا، منحتها مذاقا خاصا، بقدر ما يكون منحها قدرا من البريق، أخرجها عن السياق الذي عرفت به أحيانا.

هذا التطور نقل هذا النوع من الأغاني إلى الشباب ليس في القرى فقط، لكن في المدن أيضا، من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، مثل ما حدث للأغنية النوبية “نعناع الجنينة” التي غناها المطرب النوبي محمد منير، فهي في الأصل أغنية شعبية يعود تاريخها إلى تراث محافظة أسوان، ولا تخلو من إيحاءات جنسية لافتة.

من أشهر الأغاني المتداولة حاليا والتي ترجع إلى التراث الشعبي، أغنية مهرجان “الوسادة الخالية” التي يغنيها المطربان الشعبيان المعروفان في مصر بـ”أوكا” و”اورتيجا” وحققت نجاحا كبيراً في مصر، حتى أصبحت إحدى أبرز الأغاني الشعبية التي تغنى في جميع الأفراح، بالرغم من تضمنها للكثير من الكلمات الجنسية التي تحكي عن متاعب الشاب الأعزب. قالت سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس إن هذا النوع من الأغاني التي تحمل إشارات جنسية يسمى “أغان مغلقة”، وهو لا يمثل خروجا عن المألوف، ولا يتعارض مع العادات والتقاليد الصعيدية، شريطة أن يغنى داخل الغرف المغلقة، وفي نطاق الأهل والأصدقاء فقط.

وأضافت في تصريحات لـ”العرب” أن هذا النوع من الأغاني متعارف عليه في مجتمعات مختلفة منذ القدم، وليس في الصعيد فقط، فجذوره ترجع إلى البيئة التي نشأ فيها، وهو وليد احتكاكات وتراكمات وخبرات الشعوب، وأغلبه يحمل صبغة تشجيعية لكل من العروسين المقبلين على الزواج.
12