أعمال هاني حوراني قراءة للإنسان الأردني وتقاطعه مع ملامح عمان

عمّان- يضم معرض “وجوه مدينتي” بنسخته الثالثة للفنان الأردني هاني حوراني صورا فوتوغرافية ولوحات تجمع بين الفوتوغرافيا وتقنيات أخرى كالتلوين والكولاج والطباعة.
وتحضر عمّان في كل تفاصيل المعرض الذي دشّن به الفنانُ الأستوديو الخاص بأعماله، معبّرةً عن اشتغال الفنان على إبراز جمالياتها المعمارية وعاكسةً ذلك التراكب الذي حقّقته للمدينة طبيعة تضاريسها الجبلية، إذ تنتشر البيوت فوق الجبال كما لو أنها أشجار مزروعة من أسفل الجبل إلى قمته، تفصل بين مجاميعها شوارع متعرجة وأدراج طويلة.
والمعرض يوفّر للزوار فرصة الاطلاع على مسار الرحلة الفنية التي يخوضها حوراني منذ عقود، مقدما في كل مرة تقنية جديدة ورؤية بصرية مختلفة تجاه المدينة التي تشهد امتدادا وتشعبا وتحولات مستمرة في بنيتها المعمارية، ومؤكدا على ارتباطه بالمكان قديما وحاضرا، وتشبُّعه بتفاصيله الجمالية.
وفي اللوحات المنفذة وفق أنماط فوتوغرافية تشكيلية توثيقية، تَبرز ألوان المدينة متدرجة من البنّي والأحمر والبرتقالي مع موازنة بين الظل والضوء والكتلة والفراغ، وتُظهر الخطوط الأنماط المعمارية التي تبدو غاية في الترتيب كوحدة بصرية متكاملة بقدر انطوائها على عشوائية في التنظيم.
ويروم حوراني من هذه القراءة البصرية التركيز على حياة الإنسان وتقاطع ملامحه مع ملامح المدينة وانعكاس وجهه في مراياها.
ويضم الأستوديو الخاص بالفنان قاعة تُعرض فيها مختارات من أعماله، إلى جانب مساحة لإطلاع الزائر على عدد من المشاهد الحضرية التي تعدّ نقطة مركزية في منجزه التشكيلي والفوتوغرافي، وبخاصة تجاربه التي حاول فيها إظهار أثر مرور الزمن على المواد المتقادمة، مانحا مادة كالصدأ جمالياتٍ تدعو للتأمل في مجريات الوجود ومعاني الحياة العميقة، حيث العلب المعدنية يصطفّ بعضها إلى جانب بعض وقد تآكلت أطرافها، وجدران البيوت قد كلحَ لونُ طلائها وتقشَّر، والشوارع تشققت بفعل الزمن. وقد اعتنى حوراني خلال عمله بملمس الأسطح وإبرازه بصورة واضحة في اللوحات، إلى جانب إبرازه أيضا التفاصيل المهمَلة أو تلك التي يعتقد المرء أنها بشعة المنظر بصورة جمالية.
والمعرض المستمر حتى منتصف يناير المقبل يصفه حوراني بأنه جزء من مشروع “لا يتحقق لمجرد تنفيذه، مرة واحدة، على شكل معرض شخصي أو أكثر، ولا بمساهمة فنان واحد، وإنما هو مشروع فني وثقافي يتطلب من الفنانين المؤمنين بجماليات عمان أن ينخرطوا فيه، ليس فقط لأن المدينة تستحق ولا لمجرد التعبير عن الإنتماء المكاني لفناني عمان، وإنما لأن تجسيد وجوه عمان في أعمال فنية هو أحد وجوه إحياء الفن الحضري.”
وحول تجربته الفنية يقول الفنان “لطالما اعتبرت نفسي شخصا متعدد الهويات، لكني نظرت إلى نفسي باعتباري عمانيّا في المقام الأول. لقد طور هذا الإحساس بهويتي رؤيتي لجماليات عمان. فعمان ليست مجرد مدينة للعيش، وإنما هي، بالنسبة إلي، مكان للتأمل والتمتع بجمالياتها، والتي هي مزيج مدهش من هبة الطبيعة وفعل الإنسان. كيف بدأت في قاع الوادي لتكون أقرب إلى صورة القرية الوادعة، ثم كيف تحولت، بفعل تفاعل الناس مع الأحداث والتطورات الإقليمية إلى مدينة مليونية، تتسلق السفوح حتى قمم الجبال، وكيف تتراصف عمائرها فوق بعضها البعض في نسق يجمع بين الجماليات العشوائية ومحاولات اللحاق اللاهث بتنظيم حياة مدينة لا تكف عن النمو.”
ويضيف “لا تنبع جماليات المدينة من تنظيم أو تخطيط مسبق أو من نمطها المعماري أو المواد المستخدمة في بنائها، وإنما قبل ذلك كله من هذا التراصف المدهش للأبنية التي تتسلق سفوح الجبال لتغطيها حد الاكتظاظ.”
ويتابع “إن جماليات عمان نابعة من مسعى أجيال من الأسر لتأمين منازل لها ومن محاولاتها المستمرة لتحسينها وتوسيعها رأسيا. لا تستطيع أن تنظر في سفوح عمان دون أن تفكر في الناس الذين يقبعون وراء مئات الآلاف من المباني التي تغطيها. وهكذا فإن هذه الحشود المتراصة والمتراكبة من المباني تبدو وكأنها صور شخصية لقاطنيها. إنها ليست مجرد أبنية إسمنتية وحجرية أحيانا تعلوها اللواقط وخزانات مياه الشرب والسخانات الشمسية، وإنما هي بورتريه جماعي للعمانيين”.
وعن “وجوه مدينتي” يوضح قائلا “أحاول أن أروي قصة عمان من خلال إعادة إنتاج بعض صور المدينة في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، عندما كانت أقرب إلى البلدة الصغيرة، حيث طوبوغرافيتها وتضاريسها الطبيعية هي السمة الأبرز لصورتها، وفي المقابل تظهر لوحات عمان اليوم كيف طغى النسيج العمراني على تضاريس المدينة، وجعل من كل سفح جبلي من سفوحها لوحة فسيفسائية مزدحمة بالتفاصيل والألوان.”
وينتمي هاني حوراني المولود عام 1945 إلى جيل الستينات التشكيلي في الأردن، شغلته الكثير من الاهتمامات خلال مسيرته، حيث مارس الرسم والتصوير الفوتوغرافي، كما كان مؤسسا لندوات تشكيلية مثل “ندوة الرسم والنحت” عام 1962، وتفرغ في فترة من حياته للنشاط الاجتماعي والثقافي، وقدم منجزات في مجال الكتابة النقدية، وأقام زهاء عشرين معرضا فنيا، بالإضافة إلى مشاركاته في العديد من المعارض الجماعية والبيناليات الدولية.
خلال السبعينات من القرن الماضي تلقى دورات في التصوير الفوتوغرافي في بيروت وموسكو، كما نشر دراسات ومقالات فنية عديدة حول رسوم الأطفال الفلسطينيين والسينما الفلسطينية. وخلال تسعينات القرن الماضي أقام سلسلة من المعارض الفوتوغرافية في الأردن وسوريا ومصر وقطر والسويد والولايات المتحدة، وقد تركزت معارضه هذه على جماليات المدن العربية القديمة، مثل القدس والقاهرة ودمشق وحلب والسلط ومراكش وتونس.


