أعمال عزيز عياشين تمزج العمارة والخط متأثرة بالفن الإسلامي

الجزائر - يُحاول الفنانُ التشكيليُّ الجزائريُّ عزيز عياشين، وهو من مواليد عام 1979 بالكريمية في ولاية الشلف (غرب الجزائر)، أن يشقّ طريقه بصبر وثقة للوصول إلى أسلوب خاصّ يُميّزه عن غيره من الفنانين، فكان أن اهتدى إلى المزج بين الخط العربي والعمارة كمكوّنات أساسيّة لأعماله الفنيّة، وهو يعكفُ حاليًّا على تحضير ثلاثة معارض فردية، لكلّ معرض خصوصيتُه من حيث قياسات اللّوحات، إذ يُحاول فيها تطوير الأسلوب والمواد والألوان التي يستخدمُها.
عن بداية اهتمامه بالفنّ التشكيلي يقول عزيز عياشين “منذ صغري كنتُ مولعًا بالأشياء المحيطة بي، وعبر كلّ المراحل الدراسيّة كان لديّ اهتمامٌ بالرسم، وخاصّة في مرحلة الدراسة الثانوية التي ضمّت ورشة للرسم، يقوم بتأطيرها أستاذ الرسم، وكنّا نلتقي كلّما أتيحت لنا الفرصة لنرسم ونُطلق إبداعاتنا تحت عينَيْ الأستاذ المؤطّر، وبعد المرحلة الثانوية التحقت بمدرسة الفنون الجميلة بمدينة مستغانم (غرب الجزائر)، ودرستُ فيها لمدة أربع سنوات، ما بين 2001 و2005، على أيدي أساتذة كبار تعلّمت منهم الكثير، وبعد تخرُّجي تخصّصتُ في الرسم الزيتي، ومُذّاك أقمتُ العديد من المعارض الوطنية والدولية”.
ويواصل “بعد دراستي الأكاديميّة، وككلّ فنان يبحث عن ذاته، شرعتُ في عملية البحث للوصول إلى تجربة تميّزُني من خلال محاولة المزج بين العمارة والخط العربي، والمزج بين الرمل وألوان الأكريليك، وهذا لإعطاء جانب جماليّ للّوحة. كما أنّني حاولتُ البحث عن خصوصيّة لفنّي. ومن خلال تجربة 15 سنة تقريبا، وجدتُ فنّ الحُروفيّة مُتناغمًا مع ما أرسمُه عبر التشكيل الذي أجد فيه تشابها كبيرا بين لوحاتي وشخصيتي. وبالرغم من أنّني أشتغل على القليل من الحروفيّة لكنّني لا أصنّف نفسي كحروفيّ بما أنّني مختصّ في الرسم الزيتي، فأنا أشتغلُ على المادة كعنصر تكوينيّ، وهو ما جعلني أقوم بالبحث من خلال المادة والتكوين بين الخط والعمارة؛ ذلك أنّ الخط وحده لا يمكن أن يُشكّل اللّوحة ولا العمارة يمكن أن تُشكّل وحدها لوحة، ولكن كلّ واحد منهما يُكمّل الآخر”.
أمّا بخصوص الحروفيّة في الجزائر فيقول “هناك بعض الفنانين الشباب الذين توجّهوا إلى هذا المجال، أبرزُهم خالد سباع والطيب العيدي، وقد اشتغلوا كثيرا عبر البحث والتطوير ما أعطى المدرسة الحروفيّة في الجزائر توجُّهًا جماليًّا وفنيًّا خاصًّا بها، يُميّزُها عن الحروفيّة في غيرها من الأقطار العربيّة الأخرى، ومعروفٌ أنّ المدرسة الحروفيّة في الجزائر خصوصًا، وفي الوطن العربي عموما، لا تهدفُ إلى التخلُّص من صرامة الالتزام بما تفرضه شروط إتقان أصول وقواعد الخط العربي، ولكنّ الحروفيّة فرضت نفسها كعنصر تكوينيّ جديد، وهذا ما أعطى صبغة جديدة للحروفيّة في الجزائر لخلق توجُّه جديد في الفنون المعاصرة”.
ويرى الفنان الجزائري أنّ الخطُّ العربيّ فرض نفسه في السنوات الأخيرة عبر الحروفيّة التي هي ليست مثل الخط الكلاسيكي لأنّها تتضمّن نوعًا من التجريب والبحث، وهذا ما جعل الفنانين يلجأون إليها لمنسوب حرية البحث والتعبير الذي توفّره لهم، ما جعلها تستهوي الكثير من الفنانين التشكيليّين الشباب.
أمّا عن تجربته الشخصيّة، التي شارك بها في معارض في تونس ودبي وفرنسا ومصر والمغرب وفلسطين، فيؤكّد هذا الفنان أنّه تأثّر بالكثير من مفردات الثقافة الإسلامية، مثل المآذن والعمارة الإسلاميّة، وأرجع ذلك إلى تأثُّره بفلسفة الفنّ الإسلامي، بما في ذلك الخطوط والأقواس والدوائر؛ وهذه كلُّها لها دلالاتٌ معيّنة، خاصّة العمارة في الجزائر التي تُعبّر عنها القصبات المنتشرة في الجزائر، إضافة إلى العمارة في منطقة بني ميزاب ووادي سوف، وهو التأثُّر الذي تشكّلت ملامحُه من خلال الزيارات التي قام بها إلى هذه الأماكن، ما جعله يستمدُّ منها الكثير لجعلها متناغمة مع الخط كي تعطي تكوينًا جماليًّا للعمل الفنّي.
ويضيف “في أعمالي من خلال العمارة تجد كذلك الأبواب التي لها أهميّة كبرى في تكوين العمارة، ويتّضح ذلك لمّا نرى تلك الأبواب القديمة نتساءل عن كلّ تلك الحكايات التي تُخفيها الأبواب، ويرويها أناسٌ عاشوا في تلك الأمكنة والأزمنة الغابرة، وهي حكاياتٌ للحزن والفرح جعلتني أتساءل تُرى أيّ حكاية يرويها هذا الباب أو تلك النافذة عن الناس الذين قطنوا البيوت القديمة في الأزمنة الغابرة؛ فعندما نزور القصبة مثلا نجد الكثير من تلك الأبواب ذات القيمة الجماليّة عبر ما تحملُه من رموز أو أشكال موجودة فيها، وهي القيمة الجماليّة التي كانت موجودة حتى لدى السكّان الأوائل لتلك البيوت والديار”.
ويتابع “لقد شدّني السوق الموجود في مدينة غرداية (جنوب الجزائر)، وكذا الأقواس والمآذن، والتركيبة العمرانيّة التي أثّرت فيّ كثيرًا، وهو الأمر الذي جعلني أقتبسُ منها، وتأثّرت كثيرًا بزيارتي إلى المدينة القديمة في ورقلة (جنوب الجزائر)، والتي تُشبه نوعًا ما مدينة غرداية من ناحية الأقواس وبعض المكوّنات المعماريّة لعمارة تلك المدن القديمة، كما شدّني فنّ العمارة في بني ميزاب أو العمارة القديمة في الجزائر، بشكل عام، وجعلني أبحث في التراث والمعمار الجزائري والخط المغاربي، وبالخصوص الخط المغاربي الجزائري الذي كان يكتب به الأجداد في الكُتّاب وعلى لوحات تحفيظ القرآن، ووجدتُ أنّ العمارة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بفنّ الخط”.