أعمال الأردنية غدير حدادين تجريدية تمنحها مساحة للتجريب

عناصر اللوحة عند حدادين نوع من الموسيقى التي تقوم على أنماط جاذبة تصنعها عبر توليفة تضم الشكل واللون والخط .
الثلاثاء 2023/08/22
تجربة متصلة بأغلب مدارس الفن التشكيلي

عمان - نشأت التشكيلية الأردنية غدير حدادين في بيئة فنية وفّرت لها السير بخطوات مدروسة باتجاه الفن التشكيلي، فوالدها سعيد حدادين من رواد فن البورتريه ورسم الوجوه، ومن أصحاب التجارب الفارقة في هذا المجال على الساحة العربية.

لهذا، كان من الطبيعي أن تبدأ علاقة غدير بالريشة واللون منذ طفولتها، فأحبّت رائحة الألوان خلال مراقبتها لوالدها وهو يرسم، وتعلّمت في مرحلة مبكرة جدّا من حياتها الإمساك بالريشة وصنع الأشكال فوق “الكانفس”.

ورغم هذه النشأة، إلا أنّ الفنانة الشابة لم تكن أسيرة لتجربة والدها في التشكيل، فقد استطاعت أن تخط لنفسها مسارا آخر تابعت فيه أبرز التقنيات والمستجدات المتصلة بمدارس الفن التشكيلي، إلى جانب تأثرها بالعديد من القضايا المعاصرة وميلها نحو الطبيعة وما تتضمنه من مفردات.

بدأت علاقة غدير بالريشة واللون منذ طفولتها
بدأت علاقة غدير بالريشة واللون منذ طفولتها

ويتضح هذا بصورة جلية في أعمال غدير التي تنتمي إلى المدرسة التجريدية، حيث إن التجاورات اللونية قادرة على حمل طاقة تعبيرية جمالية، وأحيانا تجليات روحانية، فالتجريد يمنح الفنان مساحة واسعة للتجريب وخوض مغامرات لونية متجددة، وهو ما وعته الفنانة، ووافق رؤيتها التي تتوق للجمال وإبرازه بطرق مبتكرة.

الشاعرة غدير حدادين من مواليد سنة 1977، حاصلة على ماجستير تربية رياضية من الجامعة الأردنية عام 2001، تعمل مديرة للتطوير والتسويق والإعلام في “مركز روح الشرق للتدريب والتطوير لذوي الاحتياجات الخاصة”، أطلقت مبادرة إنسانية اجتماعية “لوِّنها بالأمل” التي تُعنى بالطفل المصاب بالسرطان وذوي الاحتياجات الخاصة. وينعكس تكوينها الأكاديمي على كتاباتها ولوحاتها، حيث تحرص على بث الأمل واعتماد الفن التشكيلي كسلاح للتثقيف والتوعية بأهم القضايا الاجتماعية.

وعن تجربة “لونها بالأمل” تحديدا، تقول الفنانة “في ظل الظروف الراهنة وما يحيطنا من أحداث، فبلا شك أن الفن ينير هذا الطريق لجيل نسعى إلى أن يؤمن برسالة الفن في المجتمع، فالطفل يستمد الأمل ويستطيع تغييره، وبذات الوقت المبادرة رسالة للأهل بأن طفلهم قادر على إقامة معرض للوحاته يتحدث عنها”.

وغالبا ما تتسيد الألوان الدافئة لوحات الفنانة، كما في معرضها “بوح لون” الذي تضمَّن أعمالا تجريدية تميزت بالدمج بين الألوان الدافئة والداكنة من الأسود والبني وتدرجاته، وكما في معرضها “بحة روح” الذي عبّرت فيه عن عوالم المرأة في مختلف حالاتها، منفذة لوحاته وفق تقنيات وأساليب تنوعت في الرؤية والأفكار، حيث جاءت لتعبّر عن هواجس المرأة وتلامس مشاعرها وتكشف همومها وتعزز تطلعاتها.

وفي سياق اهتمامها بقضايا المرأة، اقتربت الفنانة، التي عُرفت بكونها شاعرة أيضا، من مشاعر الأنثى وحاولت التعبير عن القيود التي يفرضها عليها المجتمع، لذا قدمت رسم المرأة باللون الأبيض، الذي ينتج من دمج جميع الألوان معا.

خخ

وبدا واضحا من ذلك أنّ حدادين تريد القول إنّ المرأة كائن شمولي يتكون من كل تلك الأطياف اللونية، ورغم ذلك له خصوصيته وطبيعته الرقيقة والحساسة التي تم التعبير عنها من خلال الألوان المحيطة بتشكيل المرأة وتدرجاتها وكثافتها ومدى تواشجها مع الألوان التي تجاورها، ليظهر نتيجةَ ذلك نوع من التناغم حينا ومن التناقض حينا آخر.

وتمثل عناصر اللوحة عند غدير حدادين نوعا من الموسيقى التي تقوم على أنماط جاذبة تصنعها عبر توليفة تضم الشكل واللون والخط والفكرة الفلسفية، حيث تنأى التشكيلات التي تتماوج على سطح اللوحة وتتلاعب بتقنية الظل والضوء والمزج اللوني عن أن تكون تمثيلا للعالم المادي مقتربة من الروحي والمتسامي.

هذا التحرر من المادي، يتجلى في جوهر ما تقدمه حدادين سواء في المواد أو الملمس أو التكوين الشكلي أو اعتماد الخطوط المتعرجة التي يمكن عدّها إشارات إيمائية وتعبيرية.

وتميل الفنانة في تشكيلات لوحاتها إلى الخطوط التي تذكر بأمواج البحر، أو برحلة خيوط الضوء إلى الأرض، أو بأشجار باسقة تصطف إلى جانب بعضها بعضا، إلى جانب عنايتها بجعل هذه الخطوط تتلامس في بعض أجزائها وتتشابك ألوانها في نقاط معينة، وكأنها تؤدي رسالة مفادها أنّ عناصر الحياة بكل ما فيها ليست سوى بنية وجودية واحدة.

14