أعلى محكمة أوروبية تحظر الحجاب في أماكن العمل: مؤشر قوي على تغيير قواعد اللعبة

بروكسل – قالت المحكمة العليا في الاتحاد الأوروبي الخميس إن الشركات يمكنها منع الموظفات المسلمات من ارتداء الحجاب، في خطوة اعتبرها مراقبون مؤشرا على تغيير قواعد اللعبة في أوروبا التي باتت تتجه نحو الحزم في مواجهة المتشددين في صفوف الجالية المسلمة الذين استغلوا التسامح الأوروبي لنشر العنف والكراهية في المجتمع الأوروبي.
وجاء الحكم بإجازة منع الحجاب في أماكن العمل بعد دعوييْن مقدمتين من امرأتين في ألمانيا تم إيقافهما عن العمل بعد ارتدائهما الحجاب. ومن المتوقع أن يُواجَه القرارُ بردود فعل مختلفة خاصة من جمعيات ومنظمات إسلامية.
ويُظهر قرار المحكمة، رغم أنه ترك لمدراء الشركات حرية تنفيذه أو عدم التقيد به، أن أوروبا تتغير بشكل واضح في ما يتعلق بمظاهر التدين لدى الجالية المسلمة، وأنها لم تعد تنظر إلى الحجاب أو أنشطة المساجد على أنهما مَظهران من مظاهر الحرية الدينية، وإنما تعتبر ذلك واجهة لنشاط سياسي تقف وراءه تيارات متشددة باتت تهدد قيم القارة وأمنها.
ويشير مراقبون إلى أن الأوروبيين لم يعودوا يعتبرون ظاهرة ارتداء النقاب والحجاب حريةً شخصيةً، بل يعدّون ذلك علامة على أن الجالية المسلمة تعادي قيم أوروبا، خاصة أن سرعة انتشار الظاهرة تزامنت مع عمليات إرهابية طالت أبرز المدن الأوروبية، وأشعرت الأوروبيين بضرورة التحرك لتأمين أنفسهم وقيمهم، وخاصة أن ذلك تزامن مع صعود مجموعات إسلامية متطرفة تحضّ على العنف.
وأدى سلوك هذه المجموعات إلى تقوية التيار اليميني المتشدد المعادي للأجانب، وهو ما زاد الضغوط على الدول وعلى المؤسسات الأوروبية لأجل اتخاذ قرارات مثل حظر الحجاب في أماكن العمل وقبله قرار حظره في المدارس، وهو ما يؤشر على حدوث تغيير في المزاج الأوروبي الرسمي والشعبي قد تكون نتائجه وخيمة على الجالية المسلمة.
ويرى عرفان عرب، الإعلامي ومقدم البرامج التلفزيونية الذي قضى أكثر من ثلاثة عقود في أوروبا، أن ارتداء ملابس تحمل دلالات دينية أو ثقافية أو مذهبية في أماكن العمل يجب أن يخضع لضوابط وقوانين.
وحث عرب في تصريح لـ”العرب” على ضرورة أن “يشمل القرار كل المعتقدات الدينية وما يثير النعرات الطائفية والمذهبية”.
وأضاف “أنا ضد ارتداء مذيعات التلفزيون الحجاب أو وضع صلبان على الصدور، أو أي شعارات دينية أو مذهبية أو سياسية مثيرة للجدل”، مؤكدا على أنه يحترم حرية ارتداء هذه العلامات، إلا أن هناك تسييسا من قبل الجميع لهذه المسألة لذلك يجب تقنينها.
وذكرت المحكمة أن “منع ارتداء أي شيء يمثل تعبيرا عن معتقدات سياسية أو فلسفية أو دينية في أماكن العمل قد تبرره حاجة صاحب العمل إلى تقديم صورة محايدة لمن يزورون المؤسسة من زبائن وشركاء أو الحيلولة دون أي مشاحنات اجتماعية”.
وأضافت “غير أن هذا التبرير يجب أن يتوافق مع حاجة جوهرية من جانب صاحب العمل”.
وكشفت وثائق المحكمة أن صاحبَيْ العمل في المكانين أبلغا الموظفتين بأن ارتداء الحجاب ممنوع وجرى إيقافهما عن العمل وإبلاغهما بالقدوم إلى العمل دون حجاب أو سيتم نقلهما إلى وظيفة أخرى.
وكان يتعين على المحكمة أن تصدر حكما في القضيتين بشأن ما إذا كان منع الموظفتين من ارتداء الحجاب في مكان العمل يمثل انتهاكا لحرية العقيدة أم أنه متاح في إطار حرية إدارة العمل والرغبة في تقديم صورة محايدة للزبائن والشركاء.
والمرأتان المذكورتان هما موظفة في مركز لرعاية الطفل تديره منظمة خيرية في هامبورغ وعاملة خزينة في سلسلة صيدليات مولر. ولم تكن أي منهما ترتدي الحجاب عندما بدأت عملها، لكنهما قررتا ارتداءه بعد العودة من عطلة رعاية طفل.
وفي قضية موظفة مركز الرعاية قالت المحكمة “يبدو أن القرار تم اتخاذه على نحو عام وغير تمييزي لأن صاحب العمل ألزم موظفة أخرى أيضا بخلع صليب كانت ترتديه”.

والكلمة النهائية في القضيتين الآن للمحاكم المحلية التي ستصدر حكمها بشأن حدوث تمييز من عدمه. وتثير قضية الحجاب جدلا في أنحاء أوروبا منذ أعوام وتسلط الضوء على الانقسامات الحادة بشأن دمج المسلمين في المجتمعات الأوروبية.
وفي 2017 أصدرت المحكمة الأوروبية في لوكسمبورغ حكما يقضي بأن للشركات حق منع ارتداء الحجاب أو أي رمز ديني واضح في أماكن العمل وفي ظروف معينة. وأثار الحكم انتقادات واسعة من قبل جماعات دينية في ذلك الحين.
ونظرت محاكم في أنحاء أخرى من أوروبا أيضا في قضايا تتعلق بإمكانية وكيفية حظر الحجاب أحيانا في أماكن العمل.
وفي 2014 أيدت المحكمة العليا الفرنسية حكما بتسريح عاملة رعاية يومية مسلمة بعد ارتدائها الحجاب في روضة أطفال خاصة تطبق على موظفيها قواعد حيادية صارمة. ومنعت فرنسا، التي توجد فيها أكبر جالية مسلمة في أوروبا، ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية سنة 2004.
ويمنع القانون الفرنسي ارتداء الرموز الدينية في المدارس والجامعات، ما يعني أنه يحظر ارتداء الحجاب الإسلامي داخل المؤسسات التربوية، غير أن القانون الفرنسي لا يمنع ارتداء الحجاب في الفضاء العام، ويقتصر هذا المنع على ارتداء النقاب ويفرض على المخالفات غرامات باهظة.
وفي بلجيكا أعادت استقالة مفوضة الحكومة، وهي محجّبة، النقاش بين السياسيين حول ارتداء الحجاب من قبل موظفات الحكومة. لكن رئيس الحكومة حسم الأمر حين أكد أن الحكومة الاتحادية تحظر على كل الموظفين الذين هم “على تماس مع العامة” ارتداء أي رمز ديني ظاهر.