أعلمه الرماية كل يوم

تراث العرب حفل بقصص الغدر ونكران المعروف حتى بات جزءا أصيلا من الثقافة السائدة.
الأحد 2025/06/01
الود والمعروف لا يقابل بالغدر والخيانة

لا أحد يعلم بالضبط ما الذي دفع بمعن بن أوس قبل 1400 عام إلى قول أبياته الخالدة "فيا عجبا لمن ربيت طفلا/ ألقمه بأطراف البنان/ أعلمه الرماية كل يوم/ فلما اشتد ساعده رماني/ وكم علمته نظم القوافي/ فلما قال قافية هجاني/ أعلمه الفتوة كل وقت/ فلما طر شاربه جفاني،" ولكن المؤكد أنه واجه صدمة صاعقة بأن تلقى طعنة قاصمة من شخص كان يعتقد أنه آتاه معروفا من المفترض أن يقابل بالمعروف لا بالغدر والخيانة وحبك المؤامرات.

وتلك الأبيات أوردها الحريري في كتابه "دُرّة الغوّاص في أوهام الخواصّ"، وهو يقول إن "الرواية الصحيحة فيه (استدّ) بالسين المبهمة، ويكون المراد بها السَّداد في الرمي، وقد رواه بعضهم بالشين المعجمة التي هي بمعنى القوة،" بينما المتداول من البيتِ الثاني على ألسنة الناس "فلمّـا اشْتَدَّ" بالشين المعجَمَةِ، مِن الاشتداد والشدة، بمَعنَى: القوة .

وروى النحوي ابن بري (1105 - 1187 م) أن هذا البيت ينسب إلى معن بن أوس قاله في ابن أخت له، وقال ابن دُرَيد هو لمالك بن فهم الأزدي، وكان اسم ابنه سُلَيمة، رماه بسهم فقتله، فقال البيت وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة وقال ابن برّي: ورأيته في شعر عَقيل بن عُلَّـفة في ابنه عُميس حين رماه بسهم، وبعده البيت "فلا ظفِرتْ يمينُك حين ترمي/ وشُلَّتْ منك حاملةُ البَنانِ."

وقد حفل تراث العرب بقصص الغدر ونكران المعروف حتى بات جزءا أصيلا من الثقافة السائدة، وتوقف التاريخ عند بعض الأسماء مثل أبي الرغال وابن العلقمي، ومن الأمثال "أغدر من قيس بن عاصم" الذي كان يلقب بالبدغ، ومعناه المتلطخ بالغدر .

وقال الإمام إسماعيل العجلوني  (توفي في 1749 م)، في كتابه "كشف الخفاء عن القول المأثور"، "اتق شر من أحسنت إليه، وفي لفظ من تحسن إليه، قال في الأصل: لا أعرفه، ويشبه أن يكون من كلام بعض السلف، قال: وليس على إطلاقه، بل هو محمول على اللئام دون الكرام."

أما أبوالطيب المتنبي (915 – 965 م) فكأنه يتحدث بلغة اليوم "إذا أنت أكرمت الكريم ملكته/ وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا،" فبحيث إن ما كان  سائدا قبل آلاف أو مئات السنين من اللؤم والمكر والجحود وخيانة العهود لا يزال طاغيا إلى اليوم، وبأكثر حدة، لاسيما ممن تمد إليهم يدك يوم كانوا في حاجة إليك .

ومما يروى أن قوما خرجوا لصيد فطاردوا ضبعة حتى ألجأوها إلى خباء أعرابي فأجارها وجعل يطعمها ويسقيها، فبينما هو نائم ذات يوم إذ وثبت عليه فبقرت بطنه وهربت، فجاء ابن عمه يطلبه، فوجده ملقى فتبعها حتى قتلها، وأنشد يقول "ومن يصنع المعروف مع غير أهله/يلاقي كما لاقى مجير أم عامر/أعد لها لما استجارت ببيته/أحاليب ألبان اللقاح الدوائر/ وأسمنها حتى إذا ما تمكنت/ فرته بأنياب لها وأظافر/ فقل لذوي المعروف هذا جزاء من/ يجود بمعروف على غير شاكر."

18