أعباء اللاجئين السوريين تزيد أزمات الأردن

أدت الحرب الروسية - الأوكرانية ومن قبلها جائحة كورونا إلى انحسار التمويل الدولي لعدة برامج أممية، أهمها برامج دعم اللاجئين في البلدان المضيفة التي تعاني بدورها من أزمات اقتصادية واجتماعية تجعلها غير قادرة على تلبية احتياجات مواطنيها.
عمان - يزيد اللاجئون السوريون أعباء الأردن المأزوم اقتصاديا، في وقت لا تلقى فيها دعوات المملكة إلى توفير موارد مالية دولية كافية لتأمين متطلبات اللاجئين الأساسية آذانا صاغية في ظل إنهاك المانحين الدوليين. وطالب وزير الداخلية الأردني مازن الفراية المجتمع الدولي بتوفير تمويل كافٍ لتأمين خطة الاستجابة للأزمة السورية.
وجاء ذلك خلال لقائه في مكتبه الاثنين المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في الأردن شيري أندرسون، حيث بحثا سبل تدعيم آفاق التعاون الثنائي بين الجانبين في عدد من المجالات. وناقش الجانبان دعم جهود الحكومة الأردنية في استضافة اللاجئين، وما ترتب على ذلك من تبعات اقتصادية واجتماعية أثرت على الموازنة العامة، وطالت جميع مناحي الحياة، وتجاوزت بشكل كبير قدرات وموارد الأردن المحدودة.
وطالب الفراية المجتمع الدولي بتوفير تمويل كافٍ لتأمين استجابة المجتمعات المحلية التي استضافت اللاجئين في مناطقهم، وتقاسمت معهم جميع مواردها وإمكانياتها الصحية والتعليمية والخدمية، من خلال إقامة مشاريع إنتاجية تخفف المعاناة عن أبناء هذه المجتمعات وتمكنهم من مواصلة دورهم الإنساني على أكمل وجه.
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في الأردن 1.3 مليون شخص يعيشون في مخيمات أقيمت لهم في عدة مناطق داخل البلاد، أكبرها مخيم الزعتري الواقع شمال شرق العاصمة عمان، وتقطن أعداد كبيرة منهم داخل المدن والقرى والبوادي.
ويقول وزير الإعلام الأسبق، عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الأعيان الأردني محمد المومني إن ” الدور الأخلاقي والإنساني والأمني يملي على المجتمع الدولي ضرورة التحرك ومساعدة اللاجئين السوريين، ومساعدة الدول التي تستضيفهم، ونشهد دوماً تراجعاً في التمويل سببه سواد حالة الإنهاك من قبل الدول المانحة”.
ويؤكد عضو مجلس الأعيان طلال الشرفات أن “كثرة الأزمات الدولية والتجاذبات السياسية في المنطقة تؤثر في مساندة اللاجئين، داعياً إلى التركيز على محاولة تهيئة الظروف الملائمة لهم من أجل عودتهم إلى سوريا”، ومشيراً إلى أن الأردن يعاني ضعفاً في حجم استجابة المجتمع الدولي للخطط التي تتعلق باللاجئين، في حين أن إمكانات الأردن متواضعة.
والأردن دولة ذات “دخل متوسط أعلى”، ويبلغ عدد سكانها 10.8 مليون نسمة، بما في ذلك 2.9 مليون شخص غير مواطن (لاجئون وعمال مهاجرون). ويستضيف البلد ثاني أعلى نسبة من اللاجئين لكل فرد في العالم، ما يضع ضغوطًا غير مسبوقة على ميزانيته وموارده الطبيعية والبنية التحتية وسوق العمل.
وعلى مدار العقد الماضي فشل الاقتصاد الأردني الراكد في توفير فرص عمل لتلبية متطلبات النمو السريع للسكان الذين يعيشون في المناطق الحضرية إلى حد كبير، فيما يعد الأردن بلدا “شبه قاحل”، يواجه ندرة مزمنة في المياه ومجموعة متزايدة من المخاطر المناخية.
ويواجه 3 عوامل رئيسية لانعدام الأمن الغذائي هي: أزمة لاجئين مطولة، مع 1.3 مليون لاجئ سوري و90 ألف لاجئ من أصول أخرى، لا يستطيع الكثير منهم تلبية احتياجاتهم الغذائية بشكل مستقل بسبب الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب، وقد احتدّ بسبب جائحة كورونا 2019، والزيادات العالمية في أسعار الغذاء الناجمة عن الأزمة الأوكرانية، مع ارتفاع معدلات البطالة وزيادة الفقر، ما يؤثر على وصول الناس اقتصاديًا إلى الغذاء، إضافة إلى زيادة تواتر الصدمات المتعلقة بالمناخ.
وتقدر الحكومة الأردنية حجم التمويل المطلوب لخطة الاستجابة، والتي تغطي الإنفاق على الخدمات المقدمة للاجئين السوريين، بحوالي 2.3 مليار دولار، فيما كشفت تقارير أن الاقتصاد الأردني لم يعد حتى قادرا على تلبية الاحتياجات الأساسية لمواطنيه بالشكل المطلوب، وأن أزمة اللاجئين زادت الصعوبات التي تواجه الأردن.
وكانت الخطة الإستراتيجية لبرنامج الأغذية العالمي للأردن (2023 – 2027) قدرت كلفة تنفيذ برامجها في المملكة خلال السنوات الخمس بحوالي 767 مليون دولار، منها 230 مليون دولار لعام 2023.
ويشير الخبير الاقتصادي الأردني عوني الداوود إلى أنّ “هنالك دوماً عجزاً في خطط الاستجابة للأزمة السورية، فالمجتمع الدولي غير متجاوب بالصورة المطلوبة مع الدور الذي يقوم به الأردن، رغم كل المؤتمرات الدولية التي أطلق الأردن بها صرخات لمناشدته التحرك”.
ويضيف الداوود أنه “غالباً لا نصل إلى نصف الاستجابة الدولية، وهذا لا يمكن وصفه إلا بالتقاعس من المجتمع الدولي، ولا يمكن القول إن جائحة كورونا هي السبب في ذلك، كون الضعف في التمويل كنا نشهده قبل الجائحة، هذا العجز سيؤثر في الميزانية والمصروفات والبنية التحتية واستهلاك المياه في الأردن”.
ويعيش البلد أزمة اقتصادية خانقة في ظل عجز الميزان التجاري وارتفاع نسب المديونية التي بلغت أرقاما قياسية. ويعاني، وهو أحد أبرز بلدان الشرق الأوسط التي تعتمد على المساعدات، من صعوبات اقتصادية متنوعة منذ سنوات أثرت على نسب النمو وانعكست على معدلات البطالة، مما يتطلب وصفة تضمن الإبقاء على استمرارية الوظائف واستدامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بوصفها العمود الرئيسي لخيمة الاقتصاد.
ويحاول الأردن أن يعوض نقص دعمه الخارجي بإجراءات حكومية لا يقبلها الشعب، ومنها المشتقات النفطية التي شهدت أسعارها ارتفاعا كبيرا أدى إلى حدوث إضراب قطاع النقل، ما نتجت عنه تطورات واحتجاجات أسفرت عن مقتل 4 من رجال الأمن ومشتبه به في قتل واحد منهم.
ويتوقع مراقبون استمرار المصاعب الحكومية في الأردن هذا العام، مرجعين ذلك إلى “استمرار التوسع في الإنفاق ما بين 9 إلى 10 في المئة، وعجز في الموازنة بـ2.6 مليار دينار (3.6 مليار دولار)، ونسب نمو متدنية لا تزيد على 2.6 في المئة، وبطالة نسبتها 22.6 في المئة وفقر نسبته 22 في المئة”.
وحسب تبرير الحكومة، لا يستطيع الأردن حل تلك المشاكل إلا باللجوء إلى الاقتراض الخارجي والداخلي، وهو ما أدى إلى ارتفاع قيمة المديونية إلى 50 مليار دولار، بما نسبته 116 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.