أطنان المخلفات في تونس قيمة اقتصادية مهدورة

ملف معالجة النفايات أكثر تعقيدا مما يبدو عليه، وساهم سوء التصرف فيه والاختلالات التي تشوبه في تأجيج الوضع الاجتماعي.
الاثنين 2021/12/20
البلاستيك المرمي ثروة مهدورة

تلتقي انطباعات المستثمرين وخبراء الاقتصاد في تونس على حقيقة أن بلدهم لا يزال بعيدا في مجال استثمار المخلفات، رغم البرامج التي أطلقتها الحكومات المتعاقبة لتحقيق منفعة مزدوجة عبر تحريك عجلة النمو وكذلك حماية البيئة.

المغيرة (تونس) – تقبع تونس في الصفوف الخلفية في مجال التدوير بالنظر إلى الشلل الذي يعتري هذا القطاع الواعد، والذي ضيع على البلد فرصة استثمار أطنان من النفايات والحد من البطالة، وقلّص فرص الالتزام بجهود المحافظة على المناخ.

وأكد طارق المصمودي أحد المستثمرين التونسيين القلائل في مجال تدوير النفايات أن “البلاستيك المرمي ثروة مهدورة”، حيث يتم طمر غالبية القمامة دون تدويرها داخل مكبات لم تعد قادرة على استيعاب كميات إضافية.

وتنتج تونس 2.6 مليون طن من النفايات سنويا وتنمو هذه الكميات بنسبة 2.5 في المئة وتتكون في 63.2 في المئة منها من مواد رطبة يليها البلاستيك بنسبة 9.4 في المئة، حسب إحصاءات رسمية في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 12 مليون نسمة.

وليم المرداسي: النفايات تجمع ولا تفرز حيث أن 85 في المئة منها يتم طمره

ويقول الخبير في معالجة النفايات وليم المرداسي لوكالة الصحافة الفرنسية، إن النفايات بالبلاد تجمع ولا تفرز، وتطمر 85 في المئة منها مباشرة في مكبات مراقبة من قبل السلطات وأخرى عشوائية.

وخلال السنوات الأخيرة ومع تزايد الاستهلاك وكميات الفضلات لكل فرد باتت الحلول المحدودة تشكل خطرا بيئيا وتثير احتجاجات اجتماعية في الأماكن المتواجدة فيها، خاصة أن غالبيتها لن تعود قادرة على استيعاب المزيد بحلول نهاية 2022 في تقدير الخبير في الاقتصاد الدائري وسيم شعبان.

لكن ملف معالجة النفايات أكثر تعقيدا مما يبدو عليه، وساهم سوء التصرف فيه والاختلالات التي تشوبه في تأجيج الوضع الاجتماعي.

فقد وجدت السلطة نفسها في مواجهة غضب أهالي عقارب بولاية (محافظة) صفاقس الذين يرفضون إعادة فتح مكب، وهو واحد من 11 مكبا مراقبا يتم الطمر فيه ومعالجة بقايا النفايات، بسبب تدهور الوضع الصحي في المنطقة.

والعاصمة ليست بمنأى عن تدهور الوضع مع قرب بلوغ درجات الاستيعاب القصوى في مكب برج شاكير، الذي يمتد على مساحة 124 هكتارا ويستقبل يوميا أكثر من 3 آلاف طن من نفايات أربع محافظات.

ويقول المصمودي صاحب مصنع لتدوير النفايات بالمنطقة الصناعية المغيرة في ضواحي العاصمة “عندما بدأت العمل في 2009 لم أكن أكسب المال. كنت من بين قلة كانت لها الشجاعة الكافية للاستثمار في هذا القطاع”.

وأنشأ المصمودي شركة “أفريقيا للرسكلة” لتدوير البلاستيك والكرتون مع شريك ألماني، ثم اشترى كامل حصص الشركة بعد 2011.

ومنذ ذلك التاريخ يحقق استثماره نموا يعادل تدوير 6 آلاف طن من النفايات من بينها ألف طن من البلاستيك. وقد حقق رقم أعمال يبلغ نحو 2.5 مليون دينار (نحو 870 ألف دولار).

وتحقق الشركة نموا نسبته 30 في المئة سنويا رغم ارتفاع سعر كيلوغرام من نفايات البلاستيك، الذي يجلبه جامعو القمامة من المكبات ومن المصانع ليبلغ نحو دينار (حوالي 0.35 دولار) بعدما كان عند نصف ذلك السعر.

وتقف خلف المستثمر العشرات من النساء العاملات اللواتي يفرزن البلاستيك المكوّم على ارتفاع شاهق ويرصفنه، قبل أن ينتقل إلى آلات التدوير ويحول إلى قطع صغيرة تباع لاحقا كمواد أولية في عمليات تصنيع مختلفة.

ويعتقد المصمودي الذي يشغل في مصنعه 60 عاملا بشكل مباشر وأكثر من مئتين آخرين بصفة غير مباشرة، أن قطاع تدوير النفايات في تونس يمكنه “خلق الثروة” وتشغيل المئات من العاطلين عن العمل في تونس حيث تبلغ نسبة البطالة 18.4 في المئة.

وقدر تكلفة طمر طن واحد من النفايات ما بين 150 و200 دينار (52 و70 دولارا) ويرى في ذلك “صرفا للمال من أجل طمر المال”.

ويقول إنه “لا توجد استراتيجية ولا رؤية في مجال تثمين النفايات”، لافتا إلى غياب الاستثمار في هذا المجال الذي “تحتكره البلديات”.

لكن في تقدير الخبير المرداسي، فإن عملية إرساء نظم للفرز والتحويل والجمع ليس بالأمر الهيّن من أجل المحافظة على البيئة.

ويخضع نحو 85 في المئة من النفايات لعملية الطمر المراقب، بينما يوجه 15 في المئة إلى المكبات العشوائية. وأشار شعبان إلى أنه “لا يوجد نظام للتصرف في النفايات في تونس وخاصة في ما يتعلق بالفرز”.

وتعمل الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات عبر الاستراتيجية التي تعتمدها، على ضمان “الاستدامة الاقتصادية للتصرف في النفايات وجودة الحياة في المناطق الحضرية، وكذلك تحسين الظروف المعيشية للمواطن”.

وحاليا، يتم فقط تدوير بين 4 و7 في المئة من النفايات المنزلية في تونس، حسب المرداسي الذي يدعو إلى “فرض تقنيات الفرز والفصل”، مؤكدا على ضرورة تمويل ذلك. وقال إن “25 في المئة فقط من الناس يدفعون ضريبة على السكن بما فيها ضريبة النفايات”.

ويؤكد المرداسي أن كل تونسي ينتح قرابة 365 كيلوغراما من النفايات سنويا ولا يدفع سوى 800 مليم (حوالي 0.27 دولار) سنويا لمعالجتها، ما لا يؤمن للبلديات إيرادات مالية للتصرف وجمع النفايات.

وخلال العشرية الأخيرة مرت تونس بمرحلة انتقال سياسي واضطرابات، وتعاقبت نحو عشر حكومات على السلطة ما أثر في تقدير الخبير على اتخاذ القرارات وتنفيذ المشاريع.

وقال المرداسي مرت “عشر سنوات من الاضطرابات السياسية وغياب لفرض إجراءات واتخاذ قرارات”. وأكد على ضرورة تحقيق تقدم “لنتمكن من إنجاز مشروع متكامل لتثمين النفايات”.

11